المحتوى الرئيسى

أين "شركة دوفيل" من "مشروع مارشال"؟

06/03 00:37

رغيد الصلح تنهمك الدوائر المسؤولة في المؤسسات المالية الدولية وهيئات الأمم المتحدة المعنية بأوضاع “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” بدراسة سبل ووسائل تنفيذ إعلان قمة مجموعة الثماني حول “شركة دوفيل” ودعم دول “الربيع العربي” . في غضون ذلك، واصلت أوساط عربية متعاطفة مع الولايات المتحدة ومع دول الاتحاد الأوروبي ترحيبها بالإعلان ونوهت بالأثر الإيجابي المتوقع لتقديم الأربعين بليون دولار من المساعدات إلى دول الربيع العربي الديمقراطي وخاصة إلى مصر وتونس . في هذا السياق، تمت مقارنة شراكة دوفيل بمشروع مارشال الذي نفذ بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة تعمير القارة الأوروبية . من الطبيعي أن يرحب العرب بالمساعدات الجادة التي تقدم إلى دول الربيع العربي الديمقراطي . فهذه الدول تعرضت، مثل غيرها من الدول والمجتمعات التي مرت بمرحلة الانتقال إلى الديمقراطية إلى خسائر اقتصادية كبرى . تونس قدرت وحدها أنها تحتاج إلى 160 بليون دولار حتى تنتقل إلى بر الأمان الاقتصادي . إن تخفيض الكلفة المادية للتغييرات الكبرى التي ألمت بالمنطقة وبمصر وتونس بصورة خاصة يسهل ولا ريب الانتقال من هذه المرحلة . ومن الطبيعي أن يدعم المجتمع الدولي دول الربيع العربي لأن دمقرطة المنطقة العربية واستقرارها لا يفيدان العرب وحدهم بل المجتمع الدولي عموماً . وكما جابهت أوروبا تحديات كثيرة يوم انتهت الحرب العالمية الثانية وتطلعت إلى إعادة تعمير الفضاء الأوروبي، فإن الدول العربية تواجه اليوم تحديات كبرى في سعيها إلى النهوض بأوضاعها السياسية والاقتصادية . ولكن هل تصح المقارنة بين “مشروع مارشال” و”شركة دوفيل”؟ هل تعبّر مبادرة “شركة دوفيل” عن قدرة حقيقية ورغبة أكيدة في المساعدة على تعمير المنطقة العربية مثلما عبّر “مشروع مارشال” عن قدرة ورغبة في إعادة تعمير أوروبا؟ عند المقارنة المتأنية بين المبادرتين نجد أن الفوارق بينهما لا تسمح بالتفاؤل الكبير في مستقبل “شركة دوفيل” . هناك على الأقل فارقان بين “مشروع مارشال” و”شركة دوفيل” يبرران هذا الحذر . الفارق الأول يتعلق بطبيعة المساعدات نفسها . فالبلايين الثلاثة عشر التي قدمت إلى أوروبا في إطار مشروع مارشال جاءت كلها من الخزينة الأمريكية، ومن ثم فإنها عبّرت عن قدرة الأمريكيين على توفير هذا المبلغ للحلفاء . فخلال أواخر الأربعينات كانت الولايات المتحدة قد تعافت كلياً من أزمات العشرينات والثلاثينات، حيث بلغ الاقتصاد الأمريكي في نهاية العقد مستوى غير مسبوق من الازدهار في تاريخ الولايات المتحدة، كما كتب لودفيغ فون مايزس، أحد أهم علماء الاقتصاد الأمريكيين . أوضاع الدول المانحة الأطلسية اليوم لا تشبه في شيء أوضاع الولايات المتحدة خلال الفترة . إنها تعاني من أزمات اقتصادية لا تسمح لها بتقديم المساعدات الجزيلة إلى الآخرين . لذلك لا نستغرب أن يلجأ الأمريكيون والأوروبيون إلى تدفيع دول عربية ربع المبلغ المقرر كمساعدات إلى دول “الربيع العربي” . ولا نستغرب أيضاً أن تكون هذه المساعدات عبارة عن قروض وليس إعانات، كما كانت المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوروبا في إطار مشروع مارشال . الفارق الثاني، يتعلق بالفارق بين الإطارات والهياكل التي تم التوصل إليها بين الأوروبيين والأمريكيين من أجل تنفيذ “مشروع مارشال”، وبين الإطارات والهياكل التي تلجأ إليها الدول الأطلسية من أجل تنفيذ الشراكات الجديدة مثل “شركة دوفيل” اليوم مع دول المنطقة . فالأوروبيون أسهموا مع القادة الأمريكيين في بلورة “مشروع مارشال” وفي تحديد هياكله ومؤسساته والأطراف التي تسهم فيه، وفي تحديد الهوية العامة (الأوروبية) للشريك الأمريكي في تنفيذ المشروع . ولقد تم الاتفاق بين الجانبين على أن يطبق مشروع مارشال في إطار جهود أمريكية أوروبية مشتركة من أجل تنمية التجارة البينية الأوروبية، والسير على طريق التكامل الاقتصادي بين دول أوروبا . في هذا السياق أسست عام 1947 المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي كمؤسسة قارية تتولى تلقي الدعم المادي من الولايات المتحدة وتوزيعه على الدول الأوروبية المعنية . هذه المنظمة لعبت دوراً مهماً في فتح أقنية التعاون بين الدول الأوروبية وفي تقديم أدلة ملموسة على فوائد هذا التعاون . وفي كافة مراحل إعداد وتنفيذ “مشروع مارشال” أظهر الأمريكيون احتراماً كبيراً للرغبة الأوروبية في تمتين عرى التعاون والتكتل بين الدول الأوروبية نفسها، بل أظهر الأمريكيون بقيادة وزير خارجيتهم جورج مارشال حرصاً على “أوربة” مبادرة “مشروع مارشال” أكثر مما أظهره بعض الأوروبيين أنفسهم . عندما نقارن العقلية التي طبق فيها “مشروع مارشال”، والعقلية التي دعمت فيها الدول الأطلسية مشروعات للتكامل الإقليمي ضمت الدول العربية، نلاحظ أن الأطلسيين كانوا يحددون هم وبصورة أحادية واستعلائية شروط هذه المشروعات ومواصفاتها . ولبث الشرط الثابت ما عدا انفراجات قليلة- السعي الدؤوب إلى إطفاء وتذويب الهوية العربية لهذه المشروعات . لأجل المزيد من الدقة والتحديد فإن المشترك فيها هو ألا يكون هناك أي نوع من أنواع التعاون الإقليمي إلا إذا ضمنت الدول الأطلسية الكبرى أن تكون “إسرائيل” طرفاً أساسياً فيه . هذه الصفة المشتركة نجدها في مشروعات الدفاع المشترك وفي موقف هذه الدول السلبي من تأسيس جامعة الدول العربية . نجدها في الشراكة المتوسطية وفي الاتحاد من أجل المتوسط . ونجدها أخيراً لا آخر في “شركة دوفيل” حيث تبدي الأطراف الأطلسية التي أطلقت الشركة أنها على “استعداد لفتح هذه الشركة الشاملة والطويلة الأمد لكل دول المنطقة” . صحيح أن الإعلان يوضح فيقول “دول المنطقة التي تبدأ عملية انتقالية نحو مجتمع حر وديمقراطي ومتسامح” وهو ما لا ينطبق على “إسرائيل” لأنها كانت منذ تأسيسها من وجهة نظر أطلسية “مجتمعاً حراً وديمقراطياً” . ولكن هذه الصفة التي يغدقها الأطلسيون عليها بكرم شديد سوف تكون سبباً يحفزهم لاحقاً إلى ضمها إلى هذه الشركة طالما أنها كانت في نظر الدول الأطلسية سباقة إلى “ارتياد الطريق الديمقراطي”، وطالما أن العرب يستطيعون أن يتعلموا من “الرواد” “الإسرائيليين” الدروس والعبر في أصول التسامح وحرية الشعوب والأفراد . قد تكون شركة دوفيل مختلفة عن غيرها من الشراكات . قد تكون الملاحظات الحذرة تجاه الشركة الجديدة في غير محلها . إذا ثبت ذلك، فإن خطأ هذه الملاحظات سوف يكون مفاجأة سارة . ما عدا ذلك فإننا نعتقد أنه من المفيد الأخذ بنصيحة صحيفة “لوموند” الفرنسية إذ جاء فيها أنه عبرت قمة الثمانية عن تجاوبها مع هدف دعم الربيع العربي، فإنه “ . .على الديمقراطيات العربية الاعتماد على نفسها أكثر من اعتمادها على غيرها”. نقلا عن (الخليج) الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل