المحتوى الرئيسى

تعلمت من الثورة

06/02 09:09

بقلم: سرى موليانى إندراواتى 2 يونيو 2011 09:02:08 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; تعلمت من الثورة  تُذكِّرنى الثورات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم بعام 1998 حينما أنهى الإندونيسيون ثلاثة عقود من حكم سوهارتو. كنت واحدة منهم. بينما كان يفترض ولائى للنظام بحكم مركزى كرئيسة للبحوث الاقتصادية والاجتماعية فى جامعة جاكرتا آنذاك إلا أننى كنت قد بدأت، كبعض زملائى الأصغر سنا، أتساءل عن جدوى النجاح الاقتصادى متى افتقر إلى العدالة، والمساءلة، والشمولية. أخذت أُعبِّر عن آرائى عبر وسائل الإعلام ومن خلال المشاركة فى الاحتجاجات. فى يوم 12 مايو/1998 قادتنى مساعىَّ لترويج آراء الثوار الى مُجمَّع البرلمان غير بعيد عن المكان الذى أطلقت فيه قوات الأمن النار فقتلت أربعة طلاب. عشت فى ذلك اليوم والمكان لحظة تماثل فى حزنها ومصيريتها لحظات عاشها المصريون فى ميدان التحرير.وكما جرى فى ثورات تونس ومصر، احتفلنا برحيل سوهارتو دون أن نعرف ما يحمله لنا الغد. انضممت لحكومة إندونيسيا الجديدة وتحولنا بين ليلة وضحاها من منادين بالتغيير الى مسئولين عن تحقيقه. المهام التى تنتظرنا كانت مثيرة ولكن شاقة فى آن واحد. يواجه كل بلد فى خضم مرحلة التحول والانتقال تحديات فريدة تستلزم حلولا مختلفة. فرفع المظالم، وبناء اقتصاد يتيح فرصا للجميع هى تحديات بطبيعتها جسيمة فما بالك وهى تتم فى سياق متقلب وملىء بالغموض وتحيطه مخاطر الانتهازية السياسية. لكل تغيير ظروفه ولا يوجد حل واحد يناسب كل الدول التى تعيش مرحلة الانتقال. غير أنى وزملائى تعلَّمنا بعض الأشياء الأساسية. أولا: تحول رمزى وحقيقى عن الماضى. ينبغى أن ترسل السلطات الجديدة إشارات قوية تؤكد أن الأساليب القديمة قد انتهت ولا رجعة اليها. من هذا المنطلق فإن القوانين التى تتيح للمواطنين حرية التعبير، وتهيئ لانتخابات حرة ومستقلة، وتسمح بحرية التجمع تكتسب أهمية بالغة. ويجب أن يتخذ التغيير شكلا رسميا واضحا، وأن يتم نشر القوانين الجديدة على أوسع نطاق بحيث يسمع الجميع بقوة ووضوح أنه لا أحد فوق القانون. أى رسالة اصلاح أقل وضوحا وقوة ستعيق عودة الحياة الطبيعية والانتعاش للبلاد.من المسلم به ان الفساد هو عدو التنمية. يقع على عاتق الحكومات الجديدة أن تتحرك سريعا لبناء الأجهزة ووضع الآليات الكفيلة بمكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه. لا شك أن منظمات المجتمع المدنى، والمجتمعات المحلية، وممثلى الفقراء والضعفاء، والنساء، هى قوى محركة رئيسية تستطيع الدولة أن تستعين بها لإحداث التغيير.فى إندونيسيا، وقَّعنا على مائة قانون فى أقل من 18 شهرا، شملت كل شىء من حرية الإعلام إلى الانتخابات ومكافحة الفساد واللامركزية والمنافسة وقواعد مكافحة الاحتكار، وصدَّقنا على تشريع جديد للمالية العامة وقواعد تضمن استقلالية البنك المركزى.ثانيا: توقع حدوث نكسات والتصدى لها. فى فترة ما بعد الثورة، تكون الآمال كبيرة والتحديات جسيمة. وأعلم من تجربتى الشخصية انه أحيانا لا يكون فى وسعنا تبنى أفضل الحلول، بل نضطر فى تلك الأحيان الى التسوية والقبول «بأفضل ما هو ممكن» من النتائج. ولعل المخاطر الأمنية هى من بين أخطر النكسات فى المرحلة الانتقالية. المشاعر الوطنية ملتهبة وقد يستغلها بعض السياسيين وجماعات المصالح. قوات الأمن كثيرا ما تكون جزءا من أدوات النظام القديم. وكثيرا أيضا ما تفتقد الديمقراطية الناشئة لجهاز قضائى مستقل. الإصلاحات تستغرق وقتا وغالبا ما تعجز الأجهزة البيروقراطية القائمة عن وضعها موضع التنفيذ. وقد تمكنا من تجاوز هذه المعضلة بحلول مبتكرة؛ فعلى سبيل المثال، قمنا بتعيين قاض مستقل لتولى قضايا الإفلاس والفساد لأن القضاة المحترفين كانوا ملوثين بفساد المرحلة السابقة، كما بدأنا برامج عمالة مؤقتة فى إطار سياساتنا التى تراعى مصالح الفقراء، وطلبنا من المجتمعات المحلية أن تدير هذه المبادرات. ثالثا: ضمان أن الاقتصاد ماضٍ فى مسار سليم. من المهم استعادة النشاط الاقتصادى وإيجاد بيئة مقبولة لأصحاب الأعمال، ولا سيما مؤسسات الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم. يجب ألا ننسى أن الثورات التى قامت فى الآونة الأخيرة بدأت بقيام بائع فاكهة متجول بإضرام النار فى نفسه اثر تعرضه لمضايقات وإهانات من جانب السلطات. من الضرورى إذا إيجاد فرص العمل للمدى القصير، حتى وإن لم يترتب على ذلك ارتفاع فورى فى معدلات النمو. ولا يكون النجاح الاقتصادى قابلا للاستمرار إذا خلا من المسئولية أو لم يشمل كل فئات المجتمع. هذا مع العلم أن البلدان تواجه خيارات صعبة فى سعيها لحماية الفقراء والضعفاء. فقد تضطر إلى استبدال الدعم الحكومى العام للسلع أو الخدمات ببرامج موجهة تستهدف الفقراء وتتسم بالكفاءة فى مكافحة الفقر وخلق فرص العمل. فى إندونيسيا اضطررنا إلى التفرقة بين الفئات الأشد فقرا وتلك التى تعتبر على هامش حد الفقر، اذ لم يكن بمقدورنا رفع الرواتب أو تقديم الدعم لكل فرد، وكان لا بد أن تستهدف مساعدتنا فئات محددة؛ ولذلك حينما ساعدنا أشد الناس احتياجا، استبعدنا البعض الذين لم يكونوا موسرين ولكنهم لم يكونوا فقراء لدرجة تبرر استفادتهم من هذا العون. وهذه خيارات صعبة.وأخيرا: تحتاج البلدان السائرة على طريق التحول إلى المساندة. فهى لا تحتاج إلى المال فحسب، لكنها تحتاج أيضا إلى الخبرات الفنية لمساندتها فى إجراء إصلاحات شديدة التعقيد. وأذكر أنى حين أصبحت وزيرة للمالية، كان عندى 64 ألف موظف، ولكن حينما اضطررنا إلى تحديث نظامنا الضريبى، لم نجد هذه الخبرة متوفرة فى بلدنا، ولجأنا الى طلب المساعدة الخارجية التى باتت ضرورية حينها. لكننا ملكنا زمام عملية الاصلاح وسخرناها لاحتياجاتنا. وهذا شرط لا غنى عنه فى مسار التنمية. بناء عليه، فان إحدى الدروس الأساسية المستقاة من تجربتنا فى اندونيسيا هى ان التنمية، حتى تتحقق، لا بد أن يملك البلد ناصيته تماما. ولو لم نكن نحن الإندونيسيين مسيطرين على المرحلة الانتقالية بكل أبعادها، لباءت مسيرتنا بالفشل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل