المحتوى الرئيسى

هل يحتاج العرب للنموذج التركي؟

06/02 00:48

وحيد عبد المجيد رغم أن التغيير الجاري في بعض البلاد العربية يربك دور تركيا الإقليمي الذي كان قد انتعش في العامين الأخيرين، يظل نظامها السياسي والاقتصادي جاذباً لكثير من العرب. وتأتي الانتخابات البرلمانية التركية في 12 من الشهر الجاري كفرصة جديدة لتسويق هذا النموذج، بينما كان مفترضاً أن يبزغ نموذج عربي من قلب رياح التغيير التي هبت على المنطقة. غير أن هذا لم يحدث. ولا يزال بعض المصريين ينظرون حولهم بحثاً عن مثل هذا النموذج ويجدون ضالتهم في تركيا. وقد ازداد الحديث عن النموذج التركي خلال الأسابيع الأخيرة، فيما كان يُفترض أن ينصرف الاهتمام إلى تطوير نموذج جديد يستلهم خبرة التغيير الحادث الآن. ويعود الاهتمام بهذا النموذج في مصر، كما في دول أخرى، إلى سنوات مضت حين لم يكن لدى العرب أساس يمكن البناء عليه لتطوير نموذج جديد. لذا كانت أوساط غربية عدة، وليست عربية، مفتونة بالنموذج التركي من زاوية أن تياراً ذا خلفية إسلامية نجح في اختبار الديمقراطية. غير أن وضع النموذج التركي في هذا الإطار الضيق يختزله في حكومة "حزب العدالة والتنمية" التي تتولى السلطة منذ نهاية 2002. ويذهب بعض المفتونين بأداء هذه الحكومة، في مصر والعالم العربي عموماً، إلى مدى أبعد في هذا الاختزال عندما يرَّكزون على سياستها الإقليمية الحيوية ومواقفها القوية ضد إسرائيل. لكن هذا الاختزال يطمس بعض أهم معالم النموذج التركي الذي تبلور على مدى عقود عدة وليس خلال أقل من عقد واحد. فما يراه الناس في هذا النموذج الآن إنما هو محصلة تطور تعود إرهاصاته الأولية إلى ما يقرب من قرن. وخلال هذه الفترة الطويلة، تراكمت عوامل نجاح تركيا بصعوبة بالغة عبر مسار شهد خطوات إلى الأمام وأخرى إلى الوراء. وكان في النموذج التركي على هذا النحو ما هو جدير بأن يلهم بلاداً تبحث عن الطريق إلى الديمقراطية في الفترة التي سبقت حكم "حزب العدالة والتنمية" الذي ازداد إعجاب كثير من العرب به منذ أن اتخذ موقفاً صلباً ضد العدوان الإسرائيلي على غزة. فليس أداء هذا الحزب وحكومته هو أكثر ما يثير الإعجاب في النموذج التركي، خصوصاً عندما يُراد استلهامه في بلاد عربية يصعب تصور استنساخ مثل هذا الحزب فيها. فقد فرض الطريق الخاص الذي سلكته تركيا منذ أن أسقطت الخلافة واتجهت نحو الغرب، طابعاً خاصاً للحياة السياسية والحزبية في مجملها. وبموجب هذا الطابع، كان صعباً على أية حركة تسير على نهج "الإخوان المسلمين" أن تكون رقماً مؤثراً في المعادلة السياسية. لذلك لم يصبح للإسلاميين شأن إلا عندما ابتعدوا عن هذا النهج الذي اقترب منه "حزب الفضيلة" بقيادة أربكان، وأسسوا "العدالة والتنمية" الذي قدم نفسه كحزب ذي خلفية إسلامية وليس حزباً إسلامياً. ويندرج هذا الحزب ضمن اتجاه الإسلام الحضاري الذي يختلف عن الإسلام السياسي المعروف في مصر وبلاد عربية عدة. وآية ذلك أن الحزب التركي الحاكم يرفض الدمج بين الدولة والدين بناءً على تأصيل للمفاهيم وليس بطريقة تدوير الشعارات. فهو يؤصل هذا الرفض على أساس أن المبدأ الديني معصوم بطابعه من أي تغيير بخلاف السياسة التي تتغير باستمرار استجابةً لتطور الواقع. وهو يسعى وفق هذا التأصيل إلى زيادة دور الدين في المجتمع وليس في السياسة على نحو يجعله أقرب إلى الأحزاب المحافظة منه إلى الأحزاب الأصولية التي يزداد عددها الآن في مصر بعد إزالة القيود على العمل الحزبي. لذا فهناك ركيزتان للنموذج التركي يمكن استلهامهما في تجربة عربية، وهما مقوماته الأساسية ودور الجيش فيه. فهذا النموذج يقوم على عدد من المقومات التي تدخل ضمن المعايير العالمية للنهضة والتقدم. أولها المؤسسات الديمقراطية التي بزغت عبر صراع طويل بين المدنيين والعسكريين، وتطورت خلال رحلة وعرة انتقلت فيها تركيا من تسلط الحزب الواحد إلى رحابة التعدد الحزبي. وثانيها الشرعية السياسية التي صارت راسخة بعد مخاض طويل، وأصبحت من أهم ضمانات التوازن الداخلي وضوابطه. وثالثها اقتصاد حر يُعنى بالبعد الاجتماعي ويوفر إمكانات الانفتاح المتزايد على العالم. فلم يكن ممكناً للنموذج التركي أن ينجح ويصبح ملهماً بدون النمو الاقتصادي الكبير الذي تحقق عبر الانتقال من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد سوق وأتاح تحول اسطنبول إلى مركز إقليمي ينافس مناطق الجذب الأوروبية. لكن هذه الركيزة الأولى ليس مقصورة على تركيا ونموذجها، بل هي أحد الشروط اللازمة للنجاح والتقدم بوجه عام. فما من بلد حقق نجاحاً وتمكن من اللحاق بقطار التقدم إلا وكانت الشرعية السياسية واقتصاد السوق الاجتماعي ضمن الركائز الأساسية لإقلاعه. ولن يكون بإمكان مصر النهوض بدون هذه المقومات بغض النظر عن النموذج التركي. غير أن أكثر ما يمكن أن يلهم مصر ودولاً أخرى في مثل ظروفها هو الركيزة الثانية في هذا النموذج، وهي دور الجيش في حماية الدستور. ولا يزال هذا الدور بالغ الأهمية رغم تراجع المساحة التي يشغلها الجيش التركي في المجال العام خلال العقد الأخير. وفي هذا الدور ما يمكن أن يفيد مصر وتونس اللتين تجتاز كل منهما مرحلة انتقال صعبة إلى الديمقراطية يتوسع فيها دور القوى الإسلامية وتزداد بالتالي مخاوف قوى سياسية أخرى منها. لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى ضمانات تكفل استمرار النظام الديمقراطي الجاري بناؤه الآن في حال وصول أي من الحركات الإسلامية إلى السلطة. وليس هناك من يمكنه تقديم مثل هذا الضمان في بلد كمصر إلا الجيش الذي تولى إدارة البلاد في مرحلة انتقال يسلم في نهايتها السلطة إلى حكم مدني في نظام ديمقراطي. ويبدو دور الجيش في النموذج التركي مفيداً في حالة مصر التي تحتاج بدورها إلى مثل هذا الدور لحماية الدستور، لكن بشكل أكثر حياداً بحيث لا يكون الجيش منحازاً لأيديولوجية معينة أو أي طرف من الأطراف. وهذا هو كل ما يمكن استلهامه من النموذج التركي، الأمر الذي يفرض تطوير نموذج مصري قد يكون له أثره على المستوى الإقليمي. نقلا عن (الاتحاد) الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل