المحتوى الرئيسى

> ع الهامش

06/01 21:13

إحدي الظواهر اللافتة بقوة بين قطاع من الثوريين والمثقفين والمفكرين، إصرارهم علي التأكيد أن ما حدث في مصر أقل من ثورة، البعض قال عنها انتفاضة، والبعض قال إنها (أكبر من انتفاضة وأقل من ثورة)، وقلة أخري تقول أنها (انقلاب عسكري مغلف بثورة شعبية!) والبعض يقول ساخرا إنها نصف ثورة كان من الممكن أن تصبح ثورة كاملة لكن الشعب تكاسل! ما يدهشك أن آراء مثل هذه تخرج من مفكرين لهم مكانتهم التي لا ينكرها أحد مثل المفكر الكبير سمير أمين الذي قال بالحرف انها (أقل من ثورة وأكبر من انتفاضة)! والحقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يضع توصيفا وتصنيفا لحدث تاريخي إلا بعد أن تنتهي كل تفاعلاته، وحين تنتهي تفاعلات كل ما حدث في مصر تماما ساعتها فقط يمكن وضع التوصيف الدقيق لما حدث في 25 يناير وما تلاه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الجزم بأن ما حدث في مصر أقل من ثورة والحدث نفسه لم يمر عليه سوي أربعة أشهر، هذا مع ملاحظة أنه لم ينته بعد، مازال الملايين يخرجون إلي الشوارع، ومازالت الحالة الثورية مستمرة، فبأي منطق أو منطلق حكمتم أن ما حدث أقل من ثورة؟ وكي نكون أكثر وضوحا، لا يمكن الحكم علي الحدث الثوري المصري إلا بعد مرور عدة أعوام أو علي الأقل عامين كاملين من لحظة تفجر الثورة، وقياس مدي التغيير الذي أحدثته هذه الثورة عما كان قبلها، ساعتها فقط يمكننا وضع التوصيف الدقيق لما حدث. والحقيقة أن المؤشرات كلها تؤكد أن ما حدث هو ثورة كاملة الأركان والمعالم، لأن المسار الذي تسير عليه الأمور يؤكد أن المصريين لن يرضيهم سوي ثورة كاملة كان من الممكن تقبل فكرة أو احتمال أن ينتهي الموضوع إلي انتفاضة لو ان الناس انصرفت وأغلقت القضية يوم 11 فبراير حين تنحي الرئيس مبارك، لكن ذلك لم يحدث، عقب تنحي الرئيس تنبه الشعب أن رموز نظامه ما زالت في اماكنها وكأن شيئا لم يحدث، وهنا بدأت المرحلة الثانية للثورة بملاحقة جميع الرموز الكبري للنظام السابق (صفوت وزكريا وعزمي والعادلي وعز وبقية الوزراء ومبارك نفسه) والإصرار علي تعديلات دستورية أو دستور جديد للبلاد ثم حملات التطهير الواسعة في جميع قطاعات الدولة من محليات إلي محافظات والإعلام إلخ ، وهي مرحلة ستستمر لفترة طبعا لأنها المرحلة الأخطر والأصعب بما تقتضيه من اقتلاع جذور النظام السابق المتغلغلة في كل أرجاء الدولة. الثورات أيضا من ضمن صفاتها أنها تعيد صياغة علاقة الدولة بمحيطها الخارجي ، وهذا أيضا واضح تماما في مسار الثورة المصرية، هل تعامل النظام المصري الجديد مع القضية الفلسطينية هو نفس أسلوب تعامل النظام القديم؟ هل الرؤية المصرية الجديدة للعلاقات مع إيران هي نفسها السائدة طوال العقود الثلاثة الماضية، هل نتعامل الآن مع ملف المياه وحوض النيل والبعد الإفريقي لمصر بنفس النظرة السابقة؟ أساتذتنا الأفاضل ، نرجوكم لا تقللوا من حجم ما حدث لأنه كبير جدا، نحن صنعنا ثورة وليس أقل من ذلك. منذ نعومة اظافرنا نسمع ونقرأ أن القول الفصل في تاريخ مصر الحديث والمعاصر هو ما يقوله الأستاذ هيكل، وكأي مراهق لديه بعض الاهتمام بالسياسة كان من الطبيعي أن أبحث عن كتب الأستاذ وأعيد قراءة بعضها عدة مرات خاصة (لمصر لا لعبد الناصر) و(خريف الغضب) و(حرب الخليج اوهام القوة والنصر)، وفي خريف الغضب لفت انتباهي بقوة أن الأستاذ هيكل ذكر عدة معلومات كنت اعلم تماما انها معلومات خاطئة خاصة في حديثه عن تنظيم الجهاد وعبود الزمر تحديدا، وذلك حين أشار في الكتاب إلي عملية اقتحام مديرية أمن أسيوط في أكتوبر 1981 عقب اغتيال السادات وذكر ان المقدم عبود الزمر كان هناك يقود العمليات بنفسه! وهي معلومة خاطئة تماما لأن عبود لم يذهب إلي أسيوط، وكنت اعلم ذلك من كتابين مهمين جدا هما (تنظيم الجهاد البديل الإسلامي في مصر) للباحثة نعمة الله جنينة، والكتاب الثاني والمهم جدا طبعا هو (كيف اغتلنا السادات) لعبود الزمر نفسه في الحوار الذي أجراه معه الكاتب الصحفي الراحل محمود فوزي، وكان هذا الخطأ فارقا في التعامل مع ما يكتبه الاستاذ هيكل خاصة أنه بقليل من المجهود كان يستطيع الوصول للمعلومات التي تؤكد ان الزمر لم يطأ أسيوط في احداث اكتوبر 1981 واقتنعت من لحظتها أن الأستاذ أسير لغواية الاسترسال أو البلاغة أكثر من حرصه علي تحري الدقة الكاملة فيما يكتبه أو يقوله. هوس البلاغة تجلي منذ بداية الثورة حين صرح بأن مبارك (يقود الثورة المضادة من شرم الشيخ) وكان تصريحا في غاية العجب بسبب لا منطقيته أولا، وثانيا لأنه غير مبن علي أي معلومة تؤكده، مبارك كان شبه معزول في شرم الشيخ إلا من زيارات سعودية خاطفة يقوم بها بعض رموز العائلة المالكة السعودية ووزير خارجيتها، لم يسأل الأستاذ نفسه أي (مضادة) يمكن ان يقوم بها مبارك وقد تحلل نظامه وانهار وانقلبت عليه المؤسسة العسكرية تماما؟ أي رئيس في وضع مبارك من الطبيعي جدا ان يكون تفكيره وهمه الأساسي فقط هو البقاء علي قيد الحياة معززا حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا لأنه باختصار وبساطة لو كان يملك أي أداة من ادوات القوة التي تمكنه من صنع وقيادة (ثورة مضادة) لما سقط نظامه وتهاوي بهذا الشكل، إضافة أيضا أن جميع أركان رموز مبارك ورجاله وجهازه الأمني كان من الطبيعي في هذه اللحظات أن يكون مبدأهم الوحيد هو (إنجو سعد فقد هلك سعيد) ولم يكونوا مشغولين بالرئيس قدر انشغالهم ألا يجدوا انفسهم معلقين علي المشانق أو سجناء في زنازين طرة ولعل ما حدث مؤخرا مع الاستاذ واستدعاءه للشهادة حول ثروة الرئيس مبارك والتضارب بين ما نشرته الأهرام وما قاله في شهادته درسا لنا جميعا في تحري الدقة في كل حرف نكتبه في هذه الظروف. ويا أستاذنا الفاضل قليل من هوس العمق أهم بمراحل من هوس البلاغة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل