المحتوى الرئيسى

> حراسة مسار الدولة

06/01 21:13

كتب - محمد القدوسىأثبتت الثورات العربية أهمية وجود مؤسسات، تتمتع بقدر ما من حرية القرار واستقلاله، وأن هذه المؤسسات هي ما يحمي الدولة بكل أطيافها من التفسخ، والثورة من الوصول لمرحلة «حمام الدماء» والوطن من التدخل الأجنبي. بل إن هذه المؤسسات تحمي الطغاة أنفسهم من مصائر أسوأ. في تونس، ثم في مصر، كانت «القوات المسلحة» هي المؤسسة التي تدخلت لتحول دون «الانهيار» أو «الانفجار» ولتوقف «بن علي» ثم «مبارك» قبل أن يحولا المشهد من «ثورة سلمية يواجهها قمع أمني إجرامي» إلي «حرب يشنها النظام ضد الشعب تنقلب إلي حرب أهلية» وحسب ما كتبه «روبرت فيسك» في «ذي إندبندنت» البريطانية فإن دعم القوات المسلحة للثورة هو ما جعل الطائرات تكتفي بالتحليق فوق رؤوس المتظاهرين في ميدان التحرير، ولا نشاهد قصفا جويا كذلك الذي رأيناه بعد ذلك في ليبيا وفي سوريا، وأخيرا في اليمن، ولشعبها كل التحية، لأنه برغم استفزازات «علي عبد الله صالح» الإجرامية، لم يلجأ لترسانة الأسلحة التي يملكها، حيث يعرف الجميع أنه لا يوجد بيت يمني واحد يخلو من السلاح، وأذكر أنني سألت الشيخ «عبد الله الأحمر» شيخ مشايخ قبائل حاشد ورئيس البرلمان السابق (رحمه الله) عما تحت يده من سلاح، فقال: كل شيء! قلت: حتي الطائرات؟ قال: لا، ولكن لدي ما يسقطها! هذه هي قبائل حاشد التي يعمد «صالح» حاليا للاعتداء علي شيخها، إنها أكبر مخزن سلاح قبلي في اليمن، واستفزازها لا يعني إلا السعي لإشعال حرب أهلية، يريدها الرئيس اليمني ـ المخلوع شعبيا ـ باعتبارها فرصته الوحيدة للبقاء في الحكم، ويعرف الشعب اليمني أنها «شر» حتي وإن اضطر لخوض بعض أعمالها باعتبارها «شرا لا بد منه» وبين هاتين الإرادتين يدور الصراع حاليا في اليمن، بين طاغية لا يهمه إلا أن يبقي ولو أحرق كل شيء، وشعب مصر علي إسقاط الطاغية بأقل خسائر ممكنة. ومما تجدر الإشارة إليه أن الغرب لم يتدخل في اليمن، سواء بقواته كما في ليبيا، أو بعقوباته ـ مرحليا ـ كما في سوريا، وذلك بفضل تدخل مؤسسة إقليمية ذات ثقل، هي «مجلس التعاون الخليجي» الذي استطاع أن يدير الأمور بكفاءة في إطار «أقل خسائر» واستطاع أن يضع ظهر «صالح» في الحائط بعد حصاره بعرض مضمون للخروج الكريم، كان علي الطاغية ـ وهو يرفضه ـ أن يخلع آخر أقنعة «الرئيس»؟ ليظهر وجهه القبيح واضحا ووحيدا، بينما شيخ قبائل حاشد يتعهد بأن يسوقه حافيا، وأحسب أنه سينفذ ما تعهد به! ما يفعله «صالح» في اليمن هو نفس ما يفعله «القذافي» في ليبيا، وما يفعله «الأسد» في سوريا، كلهم مصرون علي البقاء، وكلهم مستعدون للتضحية بآخر مواطن في سبيل الكرسي، حتي الأطفال الأبرياء الذين تأتينا كل يوم مشاهدهم الدامية: طفل يحمل جثة صاحبه النازفة ليعبر بها الشارع، وهو يتلفت مرعوبا من القذائف التي يمكن أن تصيبه في أي لحظة، وقد حدث، ورأيت ـ ورأي العالم معي ـ كيف وضع الحي جثة صاحبه علي الأرض ونام فوقها ـ كأنه يحميها ـ ليصبحا جثتين لا تجدان من يحملهما إلي مثوي لائق أخير. هذا ما كان يمكن أن نراه في مصر أيضا، وفي تونس من قبل، حيث غياب المؤسسات في «هياكل دول» يحكمها أفراد يدفع الصراع إلي أقصي درجاته، وقبل 12 يوما بالضبط من اندلاع الثورة المصرية، كتبت مقالا عنوان «مصر: الرئاسة المعلقة!» قلت في أوله: «رئيس الجمهورية هو السلطة التنفيذية (هو كل السلطة لا رأسها فحسب) والجيش هو القوة الوحيدة القادرة علي التغيير «واليوم أعدل الصياغة لتصبح» الجيش هو القوة القادرة علي حماية التغيير «وهي حقيقة يجب الإقرار بها، بقدر ما يجب الإقرار بأن الإسراع في إعادة بناء المؤسسات ضرورة، وضرورة أيضا أن نصحح مسار هذه المؤسسات، أن نحرس مسار «الدولة» حتي لا نقول مرة أخري إن «رئيس الجمهورية هو السلطة التنفيذية».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل