المحتوى الرئيسى

أسامة كمال : عناقيد الغضب المصرية

06/01 16:46

ليس أجمل من جمعة الغضب الأولى ، سوى جمعة الغضب الثانية .. في الأولى تحولت تظاهرة 25 يناير إلى ثورة 25 يناير ، وخرج النيل عن سكونه الأبدي ، ليتحول شلالاً يُغرق ميدان التحرير بالثوار والرافضين .. وزلزلت القلوب الشابة أرض الميدان ، كأوراق ورد معطرة بأحلام ، تعطلت لثلاثين عاماً خلت من حكم الرئيس السابق ، ولامس المصريون لحظة من أجمل لحظاتهم في التاريخ المعاصر.. وبعد مرور أربعة شهور كاملة ، وبعد أن ظنت بعض الأطياف السياسية ، أنها تمتلك وحدها مفاتيح مصر وبواباتها ، وأن الأرض والشوارع والبيوت تنشد أناشيدها ، وتردد أهازيجها ، وتسير وراءها على الصف القويم  ، خرج المصريون ليقولوا : أنهم أبداً لن يستبدلوا الحزب الواحد بالجماعة الواحدة ، ولن يستبدلوا إستبداداً محمياً بالشرطة والجيش ، بإستبداد ثلاثي الأبعاد محمياً بالشرطة وبالجيش ، وبتوكيل مفتوح من الله الواحد الأحد .. من خرج في جمعة الغضب الثانية ، خرج من أجل مصر ، لم يحمل معه غيرها عند وصوله إلى الميدان ، ولم يراهن على مكاسب سياسية مكشوفة وزائلة ، ولم يرفع مطالب فئوية تخصه وحده ،  دون مطالب الوطن العليا في العدل والحرية .. من ذهب إلى الميدان ، هو من ذهب إليه أول مرة في الخامس والعشرين من يناير ، ونما داخله حلم الخلاص من الإرث القمعي والسلطوي .. نما داخله الخلاص  قطرة قطرة وعلى مهل ، حتى وصل إلى لحظته المثال ، يوم تنحى الرئيس السابق .. ومن تنسم تباشير الحرية البيضاء ، لا يرضى بغيرها ، ولا يعرف سواها .. من خرج إلى الميدان هو من استشعر أن الثورة في خطر ولابد من حمايتها ، فما زال الواقع ثقيلاً ، ويسير على نفس وتيرة وإيقاع الزمن الفائت ، وما زال رموز النظام السابق يعيشون بيننا بأفكارهم  وأساليبهم ، وإن غابوا في غيابات المحابس .. خرج المتظاهرون يحلمون بدستور جديد يحفظ لهم إنسانيتهم على أرض ذلك الوطن ، طلبوا به أولاً  ، وقبل أي شيء ، حتى لا يسطو على حريتهم أحد ، فلا طريق بدون إشارات للعبور ، ولا بحر بدون فنار مضيء ، والدستور الخطوة الأولى ، التي لا تسبقها أية خطوات .. خرج المتظاهرون ليؤكدوا على مطلب العدالة الاجتماعية ، كمطلب الثورة الأساس ، فلا ثورة بدون عدل ، ولا عدل بدون وضع حد أدنى وحد أقصى للأجور ، حد يسمح للجميع بحياة كريمة وعادلة ، سيما أن من غابوا عن الميدان ، لم نشهد لهم يوماً أن دافعوا عن العدالة الاجتماعية ، وعن حق الفقراء في الحياة .. من ذهب إلى الميدان دافع عن حق المصريين في محاكمات مدنية وعادلة ، لا محاكمات استثنائية وعسكرية ، تحت دعوى الفوضى التي تعم البلاد ، الفوضى التي كانت قراراً سيادياً وسياسياً منذ جمعة الغضب الأولى ، ولم يكن للشعب أي يد فيها ، ومن يقدر أن يتخذ قراراً بالفوضى ، قادر على استعادة الأمن ، فالشرطة المصرية ليست وليدة الأمس ، وتملك على الأرض ما يكفل لها القيام بدورها ، لو رغبت في ذلك .. وكيف ينال نزلاء طره من رموز النظام السابق ، محاكمات مدنية ، ولا يحظى بمظلتها المواطنون المصريون كاملي المصرية  ، كأبسط شروط العدالة والمساواة .. من خرج إلى الميدان خرج من أجل إنتخابات رئاسية وبرلمانية ، يشارك فيها جميع المصريين في الداخل والخارج ، وتحت نظام القائمة النسبية ، أو مزيجاً بين القائمتين ، النسبية والفردية ، حتى يختار المصريون بين برامج للإصلاح والتنمية ، لا بين الأفراد .. وأن تجرى الإنتخابات تحت ظروف طبيعية ، حتى لا يخطفها حزب أو جماعة ، فالمهرولون إلى انتخابات سريعة يدركون جيداً ، أن كل صباح يشرق على مصر منذ ثورة 25 يناير ، يشرق معه وعياً جديداً للمصريين ، ويتكشف لهم ما كان غائباً عنهم .. فالبديل الديني الشكلي ، البعيد عن مقاصد الدين الحقيقية ،  لن يجدي مع شعب أخذ حريته بيده ، وسيصنع مستقبله بيده .. ومن يصنع مستقبله ، لن يلتفت أبداً إلى أية أصوات تُعيده إلى صدى الماضي ، فلكل زمن سياقاته وملابساته ، ولا يمكن بحال إعادة زمن بنفس ملامحه وأفكاره ، إلا في المخيلة فقط ، لأن الزمن لا يعود إلى الخلف ، وعقارب الساعة لا تدور إلى الوراء .. ولن تتوقف عناقيد الغضب المصرية حتى نضع أقدامنا على طريق دولة عصرية تتناسب وتاريخ مصر العريقمواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل