المحتوى الرئيسى

د. محمود غزلان يكتب: رسالة مفتوحة إلى الدكتور حسن نافعة

05/31 22:37

الدكتور حسن نافعة رجل نحترمه ونقدره، ونشهد له بمواقفه الوطنية، وتحليلاته السياسية الجيدة، كما نشكره على مواقفه المنصفة من الإخوان المسلمين إبان طغيان النظام البائد وعدوانه المستمر على الإخوان، وإن كان يقول إن هذه المواقف كانت مواقف مبدئية، والناس لا يُشكرون على مبادئهم، ولكننا رغم ذلك نشكره عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لم يشكر الله من لم يشكر الناس".   لقد اشتركنا معك- وآخرين من القوى الوطنية في الحملة ضد التوريث، والجمعية الوطنية للتغيير- وزكيناك مُنسقًا عامًّا لهما، لثقتنا في وطنيتك وكفاءتك، وحرصنا على لمِّ الشمل، ووحدة الصف كلما تهددهما انقسام، ولا يخفى على سيادتك أننا اتفقنا كمبدأ أساسي لهاتين الجمعيتين أن نتعاون بأقصى ما نستطيع فيما نتفق عليه، فإذا اختلفنا فمن حقِّ كل فصيل أن يفعل ما يقتنع به دون نكير، ولقد وفينا بذلك حينما ذهبنا لجمع التوقيعات على المبادئ السبعة التي اتفقنا عليها فجمعنا- بفضل الله- ثمانمائة ألف توقيع.   وأعتقد أن من حقنا أن نتخذ الموقف الذي نراه صحيحًا إزاء حدث معين، ولقد فعلنا ذلك حينما قررنا المشاركة في انتخابات مجلس الشعب 2010م بعد موافقة الغالبية العظمى من قواعدنا على ذلك وقرر غيرنا المقاطعة، وفوجئنا بحملة شرسة تتهمنا بالخروج على الإجماع الوطني، وبأننا بمشاركتنا سوف نضفي الشرعية على النظام الفاسد، ورغم أن هذا الهجوم كان مخالفًا للمبدأ الذي اتفقنا عليه سلفًا، ورغم إعلاننا بأن مشاركتنا سوف تنزع الشرعية عن النظام وتفضحه؛ لأنها ستفرض عليه التزوير؛ حيث يراه الشعب والعالم متلبسًا بهذه الجريمة، فتسقط شرعيته، إضافة إلى تعبئة الشعب ضده، إضافة إلى قيامه باعتقال رجالنا والبطش بهم مما يزيد الاحتقان ضده، وتحقق ما توقعناه، فلم ينجح لنا أحد في الجولة الأولى، وكان لنا في جولة الإعادة 27 مرشحًا، قررنا بعد دراسة الأوضاع ألا يشتركوا في هذه الجولة فتزداد فضيحة النظام، ونكون قد جمعنا مميزات المشاركة ومميزات المقاطعة، وهرول رجال النظام خلف إخواننا السبعة والعشرين واعدين إياهم أن ينجحوهم في الجولة الثانية، وقد رفضوا هذا العرض؛ لأنهم يرفضون أن ينجحوا بالتزوير، كما يرفضون أن يسقط أحد بالتزوير، وكان درسًا بليغًا، وكان موقفًا آتى ثماره كسبب مباشر من أسباب التعجيل بالثورة، ومع ذلك لم يعتذر أحد عن هجومه علينا- أو يغير موقفه- إلا كاتب واحد "الأستاذ فهمي هويدي".   وهكذا يتبين أننا لا نأخذ مواقفنا إلا بعد تفكير وروية، ودراسة ومشورة، وتطلع إلى توفيق الله سبحانه وتعالى.   وهنا لنا وقفة، لقد شارك في هذه الانتخابات عدد من الأحزاب والمستقلين، ولم يصب الكُتَّاب جام غضبهم، ويوجهوا سهام هجومهم إلا للإخوان المسلمين، لماذا؟   هل المطلوب أن يفكر المفكرون، ويقرر مَن يتسمون بالنخبة وعلى الإخوان التنفيذ، فإن أبوا فيكون نصيبهم الهجوم والهجاء؟ هل المطلوب أن يكون الأولون العَقْل، والإخوان العضلات؟ هل هذا مقبول، والخلاف بينهما في التفكير والقيم والمبادئ كبير؟   أليس من حقنا أن نفكر ونقرر ونفعل ونتحمل نتيجة هذا كله؟ أم من حقِّ الآخرين أن يفكروا ويُقرروا ونتحمل نحن نتيجة تفكيرهم؟ هل هناك أحد يحترم نفسه وإخوانه وجماعته يقبل هذا؟   أذكر هذا كله بين يدي تعليق على مقال لسيادتك في المصري اليوم في 30/5/2011م تحت عنوان (الإخوان ولعبة السياسة) شننت فيه هجومًا ضاريًا على الإخوان فقلت: (لا أظن أنني أُبالغ إن قلت إن الأداء السياسي للجماعة، الذي اتسم بالغموض في بعض المواقف، ولم يكن بنَّاءً في مواقف أخرى كثيرة- خاصة بعد الثورة- أصبح الآن مستفزًّا ومُخَرِّبًا، وخطرًا على الثورة، بل يهدد بضياع فرصة حقيقية تتيحها ثورة 25 يناير لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كلُّ مَن يتسبب في وقوعها مسئوليتها كاملة أمام التاريخ، ولا أظن أنني في حاجة للتدليل بأمثلة على ما أقول، ويكفي أن نسترجع موقف الإخوان من مظاهرة الجمعة الماضية..)   إنني أحسب أن علاقة المودة التي تربط بين سيادتك وبين كثير من قيادات الإخوان المسلمين كانت تسمح لك- ولا أقول تفرض عليك- أن تتصل بأحدهم إذا غمَّ عليك تفسير موقف من المواقف لتعلم الحقيقة، وتناقشهم إذا اختلفت وجهات النظر، أما أن تترك لقلمك أن ينفث غضبه بهذه الألفاظ: (اتسم بالغموض، لم يكن بنَّاءً، مستفزًا ومُخربًا وخطرًا على الثورة، يهدد بضياع فرصة لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، وتلك جريمة)، فآخر ما كنت أتوقعه منك، وأنت الرجل العاقل الهادئ الرصين الوقور، لذلك أعتبرها زلة قلم وأقول سامحك الله.   ثم تستدل بموقفنا من مظاهرة الجمعة الماضي 27/5/2011م، وهنا نعود للسؤال: هل يجب علينا أن نهرع لتنفيذ كل ما ترونه؟ أم أن من حقنا أن تكون لنا رؤيتنا وحساباتنا وقرارنا وموقفنا؟   إننا قررنا- يا سيدي- ألا نشارك في مظاهرة هذه الجمعة لأسباب، فقد جاءتنا المعلومات أن المشاركين في هذه الجمعة ثلاث فئات:   الأولى: الذين يرفضون حتى الآن نتائج الاستفتاء على تعديل الدستور، ولا يحترمون الشعب ولا إرادته، ويريدون إسقاط الإعلان الدستوري، ووضع الدستور أولاً عن طريق لجنة لا ينتخبها الشعب ولا نوابه، ثم تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتمديد الفترة الانتقالية، بما يعني بقاء المجلس العسكري في حكم البلاد وإدارتها.   الفئة الثانية: فئة تسعى للصدام مع المجلس العسكري، وتوجيه السباب له ولقيادته رغبة في إجهاض الثورة.   الفئة الثالثة: أصحاب المطالب الوطنية المشروعة التي نوافقهم عليها جميعًا، من الإسراع بالمحاكمات، واستعادة الأموال، وحل المجالس المحلية، وتغيير الوزراء الموالين للنظام القديم.   ولقد رأينا أن حشد رجالنا سوف تستخدمه الفئة الأولى والثانية لإظهار أن مطالب الأولى هي مطالب أغلبية المتظاهرين، بمعنى أن لها زخمًا شعبيًّا عامًّا، أما الثانية فلم يكن من الحكمة أن نشارك في سباب وصدام مع الجيش الذي حمى الثورة، كيف لا وقد كنا نأمر رجالنا إبان مظاهراتهم ضد النظام البائد ألا يتجاوزوا حدود الأدب، ولا ينساقوا إلى تخريب، وقد كانت معظم القوى الوطنية والأحزاب تتفرَّج على رجالنا وهم يُضربون ويُخطفون ويُعتقلون ولا تفعل شيئًا، ومع ذلك لم نوجه عتابًا غليظًا ولا رقيقًا إلى أحد منهم، احترامًا لحرية إرادتهم وحقهم في اتخاذ قرارهم، أما نحن فليست لنا عندكم إرادة ولا حق في قرار، أليس هذا معنى هجومكم علينا باستمرار؟   إن هناك أحزابًا وجماعات أعلنت أنها لن تشارك ولم تشارك، لم يتعرض لها أحد بكلمة سوء، أما الإخوان فقد انهمرت عليهم القذائف من كلِّ فصائل المشاركين في المظاهرة في كل الفضائيات، وطالتهم أوصاف ظالمة قاسية، وللأسف الشديد تشاركهم سيادتك في هذا الهجوم الضاري.   لقد امتنعنا مرة سابقة عن المشاركة، وخرجت سيادتكم تكتب أن المظاهرة كانت حاشدة، وأن الجماهير لم تعد بحاجة إلى الإخوان المسلمين، وسعدنا بهذا التقرير، واليوم أيضًا خرجت بعض الصحف تصور أن المتظاهرين قد انتصروا على الإخوان- وكأنها كانت معركة بيننا وبينهم- وأن مئات الآلاف ملئوا الميدان، وغياب الإخوان لم يؤثر في المظاهرة المليونية، وسعدنا أكثر لأننا نريد مؤسسات سياسية قوية تتنافس على خدمة الشعب والوطن؛ وذلك من شأنه أن يعجل بإجراء الانتخابات، ويُسقط ذريعة تأجيلها لضعف القوى الأخرى، كما أدهشني ما قاله مبعوث الاتحاد الأوروبي لمن قابلهم من القوى الوطنية: "عليكم أن تكفوا عن الشكوى من قوة الإسلاميين، وأن تعملوا لتكونوا أقوياء".   ثم إنني أريد أن أخاطب ضميرك، هل هناك حزب، أو فصيل سياسي، أو جماعة سياسية قررت مثلما قررنا أننا لن نرشح أحدًا منَّا للرئاسة، بل لن ندعم أحدًا منَّا ترشح مستقلاً؟ هل هناك من وضع سقفًا لمرشحين للبرلمان وفي مكنته أن يرفع السقف لينافس على كل المقاعد؟ لو قررنا نقيض ما قررناه؛ أليس ذلك من حقنا كجماعة وطنية؟ أخشى أن تقول كما قال البعض: إنكم تمنون علينا بذلك؟ ونحن نقول إن المنة لله وحده، ولكننا نريد مشاركة الجميع، ونرفض الإقصاء والاستبعاد.   أما موضوع الإعلام الرسمي للجماعة فهو محل تحقيق، ونحن لا نقبل مطلقًا أي تصرف في أي مجال يتناقض مع المبادئ والأخلاق الإسلامية.   أما كلام الأستاذ صبحي صالح بخصوص زواج الإخوة من الأخوات والذي وصفته (بعمق النزعة الفاشية المتأصلة داخل بعض أجنحة التنظيم الإخواني) وأنا آسف لهذا التعبير.   وكي أوضح لك الأمر فلو سئل أي عالم أو باحث اجتماعي عن صفات الزواج الناجح لقال على الفور: أن يكون الزوجان متقاربي السن، متفاهمين في طريقة التفكير، متقاربين في المستوى الثقافي، متحدين في الميول والهوايات، من مستوى اجتماعي متقارب.   والأستاذ صبحي يرى أن الأخ من الإخوان يشترك مع الأخت من الأخوات في التصورات والقيم، والمبادئ والأخلاق، والأهداف وقواعد السلوك، ومن ثم في النظرة إلى الحياة بصفة عامة، والحياة الزوجية بصفة خاصة، والثقافة والميول والهوايات، فلو انضم إليها التقارب في السن والمستوى الاجتماعي فإن ذلك يبشر بزيجة ناجحة بإذن الله، ولكن ما يقوله ليس فرضًا، فهو لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالاً، ومن حقِّ كل أخ أن يتزوج من داخل الجماعة أو من خارجها، وكذلك الأمر بالنسبة للأخت، ولكنه يقول ذلك على سبيل الندب والاستحباب، كما أن نشأتهما في بيتين من بيوت الإخوان ينبئ عن تقارب أسلوب التربية، الأمر الذي يوثق العلاقة الزوجية، فالأمر لا يستحق كل هذه الضجة المفتعلة التي تدل على تربص وتصيد، وإذا كانت هناك بعض الألفاظ أو التعبيرات غير المناسبة صدرت عن الأستاذ صبحي فيمكن التجاوز عنها بالنظر إلى الموضوع، وقديمًا قالوا: العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.   وإذا كنتم تحملون على الأستاذ صبحي لبعض الألفاظ، ألم يكن الأجدر بسيادتكم أن تدققوا في اختيار ألفاظكم وتعبيراتكم التي آذتنا أشد الأذى.   غفر الله لنا ولكم، ووفقنا جميعًا للحق وخدمة وطننا وأمتنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ----------------------- * عضو مكتب الإرشاد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل