المحتوى الرئيسى

مهاب مجاهد يكتب: الهزار الوطنى

05/31 19:08

تحاملت كثيرا على نفسى وأنا أحاول متابعة جلسات ما أسموه بالحوار الوطنى.. كنت أستمع مقاوماً بشده كل أنواع الملل وأعتى نوبات النعاس وذلك كله لرغبتى ونهمى بمعرفة ما ستفرزه الغدد الفكرية لكل أطياف وفصائل الحياة السياسية المصرية حين تجتمع تحت سقف واحد.. وكنت أحاول طوال الوقت أن أستشف مدى التوافق الحقيقى حول الصالح العام، وهل ستنجح كل هذه القوى السياسية والمجتمعية فى تجنيب الأجندات الخاصة والشهوات سواءً السلطوية أو الانتقامية واضعة مصر نصب الأعين.. أم ستغرق فى عراك لا جدوى له بين أيديولوجيات ورؤى لا تجيد إلا فنون الاختلاف وتسفيه الآخر ولا يعرف التوافق لها طريقا. ومع بدء الحوار.. بدأ شىء من التفاؤل يراودنى محدثاً إياى بأن الحوار ربما يكون مثمراً ولم لا؟ ألم تكن كل هذه الأطياف ممثلة فى الميدان.. بالعكس كان أغلب الميدان من العامة وليس النخب مثلما هو الوضع فى الحوار.. والنخب من المفترض أن تكون أكثر قدره على تقبل الآخر وإدارة حوار بناء.. لم يستطع هذا الصوت المتفائل الخفيض أن يحيى بداخلى لدقائق حين فوجئت بالأصوات تتعالى وثمة "معركة" تنشب بين الحضور.. المحزن والمثير للاشمئزاز.. على الأقل بالنسبة لى، هو أن الصراع والخلاف لم يكن بين أيديولوجيات أو توجهات كما توقعت قبل الحوار، بل كان الخلاف بسبب رفض البعض وجود شخوص بعينها داخل القاعة! ربما مر هذا على البعض مرور الكرام ولكنه كان بالنسبة لى صادماً.. لأنه ببساطه شديدة منافيا لأبسط مبادئ الحوار وهو تقبل الآخر على شاكلته بحاضره وتاريخه والتعامل معه على أنه رأى ربما يؤخذ به وربما لا، قد يلقى استحساناً من البعض وقد لا يلقى أى استحسان. كانت هذه البداية بالنسبة لى بمثابة إنذار بالإجهاض المبكر لهذا الوليد المنتظر خروجه من رحم الحوار.. وهو أيضاً إجهاض لطفل "الديمقراطية" الذى بدأ يتشكل وبدأ المصريون يشعرون بركلاته ونبضاته منذ قيام الثورة، ولكنه للأسف أصبح مهدداً وبشده فلن تقوى أى حضانة على استيعابه إذا كان المناخ العام مناخاً إقصائياً وسيودعنا الطفل غاضباً ويعلم الله وحده متى يأتى حمل آخر ينتزع الوطن من براثن الديكتاتورية الفكرية، فالثورات لا تقوم كل يوم وصحة هذا الوطن السقيم لن تتحمل حملاً آخر فى وقت قريب. كم هو مؤلم أن ترى وطنك فى يد نخبه من أبنائه فتطمئن وتسعد.. ثم تفاجأ بأن هذه النخبة عاجزة عن مجرد إدارة حوار وأنها أقل تحضراً وفهما للحرية والديمقراطية من عموم البسطاء ممن ضربوا للعالم فى الميادين أروع الأمثلة فى حضارة الفكر ورقى التوحد. لم يدفعنى إلى كتابة هذه السطور إلا محاولة التنفيث عما يدور بداخلى من غضب وخوف على مستقبل كدنا نلمسه لنجده فجأة يفر من يدنا مرة أخرى.. أقصى أمنياتى الآن أن ينتزعنى أحدهم مخبراً بأن ما تابعته لم يكن الحوار الوطنى المرتقب ولكنه كان حلقه من "الهزار الوطنى" وأن الحوار لم يبدأ بعد.. وحينها سأخبره بأنه هزار سخيف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل