المحتوى الرئيسى

«زيارة السيد الوزير» مسرحية لبنانية تطرح جدلية الشعب ـ الدمى

05/31 09:43

في عمله المسرحي الأول اختار المخرج اللبناني هشام زين الدين أن يستقبل «السيد الوزير» في زيارة على خشبة مسرح بابل في بيروت لتكون الحادثة التي تقلب حياة أهل إحدى القرى اللبنانية، وإن كانت لفترة قصيرة، رأسا على عقب، ليطلقوا العنان لتطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية منطلقين من الواقع اللبناني الذي يعكس تأثير وقع سلطة السياسيين على الشعب وفي علاقة الطرفين التي يحكمها ما يمكن أن يطلق عليه «الولاء الأعمى» بأسلوب كوميدي يحمل بين طياته رسالة تراجيدية لواقع اجتماعي لبناني. وفي مسرحية «زيارة السيد الوزير» الكوميدية السياسية التي نجح من خلالها زين الدين في إيصال رسالته عبر عدد من الممثلين اللبنانيين، معظمهم خريجون جدد من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، أظهروا قدرات تمثيلية لافتة، ومن بطولة الممثل هشام خداج الذي أبدع في أداء دوره. رسالة اجتماعية درامية بنيت على كتاب سبق لزين الدين أن أصدره في عام 1992 ومحوره واقعة مألوفة في لبنان تحصل في قرى لبنانية عدة وهي «زيارة طارئة» لوزير يضطر خلالها المرور في أحد بيوت الضيعة لقضاء حاجته. زيارة خاطفة لـ«مرحاض» تتحول بالنسبة إلى أهل القرية إلى احتفال وحدث اجتماعي وسياسي يدور خلاله «نقاش حاد» حول خلفية هذه الزيارة وأبعادها السياسية بعدما يجمع أهالي القرية على أنها وضعت «عبدو» الرجل الذي كان له شرف استقبال الوزير في منزله في مرتبة اجتماعية متقدمة عن مواطنيه مانحين إياه لقب «الأستاذ» ويحتفلون به على وقع الزغاريد ورقص الدبكة مستفسرين عن «طبيعة» الوزير وشكله «هل هو يشبهنا؟ ويقضي حاجته مثلنا؟». لكن «حسونة» ذاك القروي الساذج الذي اعتاد أن يسخر منه الأهالي هو الوحيد الذي استطاع أن يقول الحقيقة ويسخر بدوره من جهل أبناء القرية وخيالاتهم التي لا تمت إلى الواقع بصلة. وفي حين أفقدت هذه الزيارة أهالي القرية صوابهم، فهي لم تشغلهم عن تحضير أنفسهم ومطالبهم لاستقبال الوزير في طريق العودة وطرح مطالبهم عليه، التي لا تتعدى بالنسبة إلى «عنتر»، الانتساب إلى الجيش لخدمة وطنه وبالنسبة إلى زوجته الإنجاب، فيما أمنية «عبدو» ليست إلا الحصول على وظيفة في بيروت.. لكن، وبعد انتظار طويل يظهر «حسونة» متنكرا بـ«مظهر وزير» ليترك بسحر حضوره تأثيره على أهل القرية الذين يصبحون في حالة يعجزون خلالها على التفاعل مع وزيرهم لما له من «وقار سياسي»، وهم رغم ذلك، يستطيعون إعلان مطالبهم التي يعد «الوزير المتنكر» بتنفيذها، إلى أن يصارحهم «حسونة» بحقيقة أمره فيرفضون تقبل الحقيقة أو الخروج من «الحلم»، الذي لطالما كان مستحيلا بالنسبة إليهم، إلى الواقع. جدلية «الشعب – الدمى» التي اعتمد عليها زين الدين في المسرحية كانت حاضرة أيضا في ديكور العمل وهي معلقة على حبال الغسيل، نجحت في إضفاء لمسة خاصة مدعمة بحوارات كوميدية «لاذعة» ورؤية إخراجية ناضجة. ويعرف زين الدين عن مسرحيته بالقول: «هي كوميديا سياسية هادفة وساخرة ذات مضمون سياسي اجتماعي، تعالج مشكلة الولاء الأعمى من قبل الإنسان العادي للزعيم، تتهكم على العلاقة التي تربط الناس العاديين البسطاء بحكامهم، وتبالغ مسرحيا عن طريق الكاريكاتير في إظهار تشوهاتهم النفسية والسلوكية، كأن صانعي المسرحية يريدون القول للجمهور: نحن نراك بهذه الصورة، فانظر في مرآتنا واضحك على نفسك». وهو يؤكد في الوقت عينه أنها لا تندرج في إطار المسرح النخبوي، بل تتعمد الانفتاح على الجمهور ضمن الشروط الأكاديمية والجمالية، من خلال إعطاء عنصر الفرجة المسرحية حقه، والإصرار على جدية الطرح في الفكرة والأسلوب والتمثيل والرؤية الإخراجية. وعن هذه الجدلية التي تجمع بين الشعب والدمى، يقول: «المسرحية تطرح مسألة تحول الشعب إلى دمى يخضع لأوامر زعيمه، هذا الأمر الذي يظهر من وقوف الدمية إلى جانب المواطن على خشبة المسرح تحت سيطرة من يحركهما». وفي عصر غلب على المسرح اللبناني الطابع التجاري كانت «زيارة السيد الوزير» خطوة في رحلة الألف الميل التي يجهد بعض «الفنانين المجاهدين» على السير بها، ويلفت زين الدين إلى أنه ضد ما يمكن اعتباره مسرحا موجها إلى فئة معينة دون غيرها، وهذا ما نجح في أن يصل إليه من خلال عمله الذي يقول عنه: «هو عبارة عن خلطة جمعت بين الثقافي والشعبي، نجحت من خلالها في إيصال رسالتي، وأكبر دليل على ذلك النجاح الذي حققته المسرحية حيث استطاعت أن تستقطب أشخاصا من خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل