المحتوى الرئيسى

فدائى.. فدائى.. فدائى

05/31 08:10

معذرة إذا لم أستطع الترحيب بكم، أو الجلوس معكم، أو تقديم الشاى لكم، فوقتى مشغول بالكامل. ليس عندى وقت للمسامرة أو المحاورة أو الظهور فى برامج التوك شو. فأنا شرطى يقظ، محظور علىّ النوم، محرمة علىّ الراحة، لا يمكن رشوتى، لا أتخلى عن سلاحى، لا أغض الطرف عن البلطجة، لا أحرق أقسام الشرطة وأطلق سراح المساجين، لا أقبل الرشوة، لا أسمح بالوساطة، لا أغض الطرف عن تطبيق القانون. بدونى يضيع الجسد تماما ويصبح مستباحا لأتفه الجراثيم، أظنكم عرفتم الآن من أنا؟ أنا شرطى أجسادكم، أنا الفدائى الذى يضحى بحياته لأجلكم، أنا خلية الدم البيضاء. ■ ■ ■ تنامون وأسهر، تلهون وأجدّ، تجلسون وأسعى. لا أتقاضى أجرا. لا أتلقى شكرا، أنا أضحى بحياتى ذاتها، وأرجو من الله أن يقبلنى من الشهداء. وُلدت فى النخاع. بعضنا يعيش عدة ساعات، وبعضنا يعيش عدة أيام، وبعضنا يعيش بضع سنين. من عظمة خالقنا عز وجل أن منشأنا من خلية واحدة، لكنها تتمايز وتختلف، فنخرج بأشكال متباينة ووظائف مختلفة. بعضنا فدائى - مثلى - مهمته أن يضحى بنفسه ويقوم بعمليات استشهادية. وبعضنا يفرز الأجسام المضادة، أو يُحفّز جهاز المناعة عند دخول جسم غريب. وبعضنا يتتبع خلايا الجسم التى ترسل إشارات تفيد بإصابتها بالسرطان لتقتلها. لا تندهشوا أن تطلب الخلية موتها إذا عرفت أنها تضر باقى الجسد، فلسنا أنانيين مثلكم، فكما قلت لكم نحن فدائيون. بالنسبة لى أنا أحمل داخلى حبيبات تحتوى على أنزيمات حارقة. يرسل جهاز المناعة إشارات أنه انفتح جرح فى جدار الجلد، وهناك جراثيم استطاعت اختراق صفوف الدفاع، وفى طريقها للدم لإحداث كارثة. نتلقى البلاغ ونتعامل معه بحزم دون تأخير. نحدد المكان بدقة، ننادى بعضنا البعض، نعرف أننا ذاهبون بلا عودة، وأننا سننال شرف الشهادة. نودّع خلايا الدم الأخرى ونوصيها بحسن العمل وطاعة الله فيما أمرنا، ثم نذهب لنهاجم الجراثيم. وعلى أنغام موسيقى داخلية، حماسية شجية، تغنيها كل خلايا الجسم التى تعرف بالخبر، أغنية تسمعها كل الكائنات باستثناء الإنسان. تقول كلمات الأغنية: «فدائى.. فدائى.. فدائى، وأموت أعيش ما يهمنيش». نتجمع، نهاجم، نلتحم جسديا بخلايا العدو، وكلمات الأغنية الحماسية تدوى فى أسماعنا: «وسط المخاطر هناك مكانى/ والنصر عمره ما كان أمانى/ جوه المواقع، بين المدافع/ وسط القنابل، أنسف أقاتل/ وأموت أعيش ما يهمنيش». نتسابق للهجوم، وكل واحد فينا يحرص أن يموت قبل صاحبه. نلتهم الخلايا فتصبح داخلنا، تنفجر الحبيبات التى تحتوى على المواد الكاوية، فتحرقه وتحرقنا. تموت الجرثومة وأموت أنا، وتدمع عيناى وأنا أسمع كلمات الأغنية: «لو مت يا أمى ما تبكيش/ راح أموت علشان بلدى تعيش». ■ ■ ■ وفى النهاية، وبينما أرقد على جانبى وألفظ أنفاسى الأخيرة، أرفع صلاتى الأخيرة لخالقى، وأقول له: «أمرتنى فأطعت، وطلبتنى فامتثلت، وضحيت بحياتى كما طلبت، فعساك يا خالقى وإلهى أن تكون راضيا عنى». [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل