أوراق خاصةمسيرة ومطالب‏!‏

يبدو أن النفس الطويل لشباب‏25‏ يناير هو الدرع التي تحمي ثورة المصريين من التفتت أو الذوبان في انشغالات الحياة اليومية‏,‏ فالحياة في مصر لم تتغير كثيرا عما كانت قبل رحيل الرئيس حسني مبارك عن السلطة في‏11‏ فبراير‏. ولا يعقل أو ينتظر أن تتغير الحياة في ثلاثة أشهر أو أربعة, فتغيير النظم عملية مستمرة تستغرق سنوات قد تطور أو تقصر حسب الإرادة الجماعية للشعب ومدي صحة رؤيته وتصرفاته, لكن المؤشرات لا تدل بأي حال من الأحوال أن عملية تغيير النظام قد بدأت فعلا, هي لم تبدا بعد, لا برحيل مبارك ولا بحبس رجاله ومساعديه وفاسديه, ولا بالموافقة علي تعديل بعض مواد الدستور الموقوف العمل به, ولا بالموافقة علي البيان الدستور, ولا حتي بتغيير الوجوه والقيادات في الوظائف العامة.. المسألة أعقد من ذلك..وهذا موضوع آخر.. ونعود إلي شباب25 يناير, والمسيرة التي قرروا أن ينظموها من ميدان التحرير إلي مجلس الوزراء ومنها إلي المجلس العسكري في وزارة الدفاع, وهذا حق مشروع مادامت هي مسيرة سلمية.. لكن يتوقف المرء كثيرا عند مطالب المسيرة..فالمسيرة في الأصل سياسية, بينما أغلب المطالب فئوية أو فنية.. والقرار في السياسة مختلف تماما عن القرار الفني في أي عمل أخر, فقرار السياسة يخضع لمعايير واعتبارات كثيرة قد لا تلتزم بالمعايير العلمية أو الفنية..مثل سعر رغيف العيش في مجتمع فقير, مجانية التعليم, بطاقات التموين والدعم..الخ, ولا يمكن صدوره بمعزل عن الرأي العام والتوافق المجتمعي. لكن القرار الفني لا يمكن اتخاذه دون الالتزام بهذه المعايير وإلا تحدث كارثة, مثل جعل الحد الأدني للإجور بـ1200 جنيه, حل مشكلة البطالة, إلغاء جهاز الأمن الوطني أمن الدولة سابقا..الخ.. ويمكن أن يصدر منفردا بآراء الخبراء والباحثين وإذا وضعت رغبات الرأي العام فيه قد تفسده.. ومطالب المسيرة خلطت بين إصدار الدستور قبل إجراء الانتخابات وهو قرار سياسي وبين الحد الأدني للأجور وهو خليط من قرار سياسي فني, لأنه يلزمه موارد وتمويل واتفاقات مع القطاع الخاص في ظل ظروف صعبة جدا.. الثوار هم حصن هذا المجتمع من أجل الوصول إلي النظام الجديد, لكن عليهم أن ينتقوا المطالب بدقة متناهية حتي لا تبدو مستحيلة التنفيذ! المزيد من أعمدة نبيـل عـمــر