المحتوى الرئيسى

"الربيع العربي" إذا ما ألْهَم شعوب الغرب!بقلم:جواد البشيتي

05/30 23:48

"الربيع العربي" إذا ما ألْهَم شعوب الغرب! جواد البشيتي "الربيع العربي" عَرَفْناه، وأوضح لنا بنفسه، محتواه السياسي والاجتماعي؛ فهو ثورة شعبية (كانت في معنى من معانيها كُفْراً بالمعارضة الحزبية السياسية الموجودة، ولا يعود الفضل، من ثمَّ، في اندلاعها وانفجارها إلى الأحزاب السياسية) جُلُّ طموحها السياسي أنْ تؤسِّس لمجتمع ديمقراطي يَنْعُم بما تَنْعَم به المجتمعات الغربية من قيم ومبادئ الديمقراطية؛ أمَّا في محتواه الاجتماعي ـ التاريخي فلا يَخْرُج "الربيع العربي" عن "الرأسمالية"، في بنيتها وقوانينها الاقتصادية ـ الاجتماعية. و"الربيع العربي" يمكن أنْ يشدِّد الحاجة (الفكرية) لدى خصوم النظام الرأسمالي إلى أنْ يَكْتَشِفوا فيه طريقاً (جديدة) إلى "ربيع غربي"، بمحتوى اجتماعي ـ تاريخي مختلف، فيَذْهَب بـ "الرأسمالية"، التي تملَّكها من "الغرور التاريخي" ما حَمَلَ بعض كهنتها على تصويرها على أنَّها "نهاية التاريخ"؛ وكأنَّ النظام الرأسمالي هو المحطَّة الأخيرة لقطار التاريخ. إنَّني لَمِنَ المؤمنين بضرورة وحتمية "النموِّ الديمقراطي" للمجتمعات الغربية، فتَنْتَشِر القيم والمبادئ الديمقراطية نفسها (تقريباً) من "أعلى" إلى "أسفل"، أي من "البنية الفوقية" للمجتمع حيث نمت "الديمقراطية السياسية"، واكتملت نموَّاً، إلى "بنيته التحتية"، أي نظامه الاقتصادي ـ الاجتماعي الأقرب إلى "نقيض (أو نقائض) الديمقراطية" منه إلى "الديمقراطية نفسها"؛ فليس من القيم والمبادئ الديمقراطية المزدهرة في "البنية الفوقية السياسية"، ولا من القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والحضارية، أنْ تظل قِلَّة قليلة من أبناء المجتمع تَمْلُك حصَّة الأسد من ثروته المادية، مع اقتران هذا التملُّك بانتفاء الحاجة المُتَمَلِّكين في إدارة (وتطوير) ممتلكاتهم الاقتصادية (التي تَكْتَسِب مزيداً من "الاجتماعية" و"العمومية" في العمل والإنتاج). وأحسبُ أنَّ شعوب الغرب، وقبل أنْ تَصْنَع "ربيعها المقبل"، ومن أجل أنْ تَصْنعه، تحتاج إلى أنْ تَفْهَم "الرِّبح" بما يُعرِّيه تماماً من لبوس "الشرعية (الأرضية والسماوية)" الذي ألبسوه إيِّاه مُذْ ظهرت الرأسمالية إلى الوجود؛ فإنَّ من الأهمية الثورية (والإنسانية والأخلاقية والحضارية) بمكان أنْ يعود الناس إلى كتاب "رأس المال" لماركس ليتعرَّفوا "المعنى الحقيقي والعلمي" لـ "الرِّبح"، وَلْيَقِفوا، من ثمَّ، من أصحابه موقفاً لا يختلف عن موقفهم (الأخلاقي والقانوني) من اللصوص والسُّرَّاق. وهذا إنَّما يعني أنْ يَقْتَنِع الناس، وأنْ يزدادوا اقتناعاً، بأنَّ "الشركة (أو المصنع) الرأسمالية"، أي التي يملكها (أو يملك معظمها) فَرْدٌ، أو بضعة أفراد، ليست بحدِّ ذاتها "سَرِقَة"؛ وإنَّما "أداة (يستعملها مالكها)" للسرقة؛ فإنَّ صاحبها، أو مالكها، لم يحصل عليها من طريق السَّرِقة؛ لكنَّه، وبفضل تملكه (الشرعي والقانوني) لها، يستعملها لسرقة ما يسمِّيه "ربحاً"، وما يصفه بأنَّه "ربح حلال"، مِمَّن ينالون منه "الأجور". الشعوب في الغرب الرأسمالي، والتي تأصَّلت فيها (في عقولها وقلوبها) قِيَم ومبادئ الديمقراطية السياسية، يمكنها الآن، أو من الآن وصاعداً، أنْ تَكْتَشِف في "الربيع العربي"، أي في الثورات التي تصنعها الشعوب بنفسها ولنفسها، طريقاً إلى "دمقرطة" حياتها الاقتصادية، فالشعب، ومن خلال الدولة الديمقراطية التي ازداد (وقوي) تمثيلها له، ولحقوقه ومصالحه، ينبغي له أنْ يشرع ينهي "الأُوتوقراطية الاقتصادية"؛ وهذا إنَّما يعني عملياً إقرار "تعديل دستوري (تاريخي)" يحقُّ بموجبه لـ "الدولة"، أو لهذه "الدولة"، أنْ تتملَّك ما مزيداً من الثروة المادية للمجتمع، وصولاً إلى تَمَلُّك معظمها، وأهم مصادرها؛ فليس من "الديمقراطية الاقتصادية ـ الاجتماعية" في شيء أنْ تظل قِلَّة قليلة من أبناء المجتمع تتملَّك حصَّة الأسد من هذه الثروة. وهذه الثورة في "حقِّ التملُّك" يمكن ويجب أنْ تُسْتَهَل بتملُّك "الدولة" لِنِسْبَة متزايدة من رأسمال كل شركة ضخمة، عملاً بمبدأ "استرداد أموال الأُمَّة". والثورة بهذا المعنى لا تعني تجريد المالكين الكبار لرأسمال هذه الشركة من ممتلكاتهم ورؤوس أموالهم (في الشركة نفسها) وإنَّما تقليصها، حجماً ونِسْبَةً؛ كما لا تعني نفي وإزالة وإلغاء ما تحتاج إليه الشركة نفسها (في نموِّها وتطوُّرها وتقدُّمها وازدهارها) من طرائق وأساليب وقوى وحوافز.. جاء العهد الرأسمالي القديم للشركة بما أثبت وأكَّد أهميتها. إنَّ "الديمقراطية الاقتصادية ـ الاجتماعية" لا تعني، ويجب ألاَّ تعني، في طورها الأوَّل، أو طور الطفولة، نفياً لأساس، أو أُسُس، النظام الرأسمالي؛ كما أنَّ المنفي من هذا النظام يجب أنْ يقترن باستبقاء كل ما هو إيجابي ومفيد وضروري منه. و"ربح" الشركة، التي تملَّكت "الدولة" نِسْبَةً كبيرة (متزايدة) من رأسمالها، يجب أنْ "يُوزَّع" بما يسمح للشركة بمزيدٍ من النموِّ والتطوُّر، وبما يقوِّي "حوافِز العمل والتطوير والخلق والإبداع" لدى "المالكين (الأفراد والدولة)" و"الإداريين" و"العمال"؛ ومن أجل هذا وذاك، يُضاف جزء من "الرِّبح" إلى رأسمال الشركة، ويُوزَّع المتبقي منه على شكل "حوافِز" للمالكين والإداريين والعمال. إنَّ المنتمين إلى هذه الفئات الثلاث يجب أن يصبحوا شركاء في "الرِّبح" وفي "الخسارة" حتى يبقى قَلْب الاقتصاد نابضاً بالحياة. الثري قديماً، وفي الولايات المتحدة، مثلاً، وبصفة كونها مركز النظام الرأسمالي العالمي، كان يسمَّى "مليونيراً"، أو يُوْصَف بأنَّه "مليونير"، فإنَّ قيمة ثروته الشخصية، أي أمواله الثابتة والمنقولة، ما كانت تتعدَّى ملايين من الدولارات، وإنْ كانت القوَّة الشرائية للدولار أكبر وأعظم؛ أمَّا الآن فالثري، أو الذي ينتمي إلى فئة كبار الأثرياء، هو "الملياردير"، أي الذي قيمة ثروته الشخصية (وثروة عائلته) تتجازو قليلاً، أو كثيراً، أو كثيراً جداً، ألف مليون دولار؛ وإلى هذه الفئة من كبار الأثرياء ينتمي مؤسِّس شركة "مايكروسوفت" بيل جيتس، وقيمة ثروته الشخصية 53 مليار دولار، والمستثمِر وورين بافيت، و"عملاق الطاقة" تي. بون بيكينز، و"عملاق الإعلام" تيد تيرنر. أكثر من عشرين ثريَّاً من هؤلاء (الأثرياء الكبار) تعهدوا بـ "التبرُّع" بخمسين في المئة (على الأقل) من ثرواتهم الطائلة لـ "الأعمال الخيرية"؛ وهُمْ الآن يقودون حملة (بقيادة بافيت وجيتس) تسمَّى "التعهُّد بالعطاء" لإقناع المئات من أمثالهم (في الولايات المتحدة) بالتبرُّع بمعظم ثرواتهم وهُمْ على قيد الحياة، أو بعد وفاتهم؛ ويزعمون أنَّ حملتهم تلقى استجابة قوية وواسعة، وأنَّ بعض "المُقتنعين" قرَّروا أن "يتبرعوا" بأكثر كثيراً من خمسين في المئة من ثرواتهم (لأعمال الخير). ما المعنى الاقتصادي التاريخي لهذه الظاهرة (الرأسمالية) الجديدة، والتي نراها فحسب في البلدان التي فيها يتركَّز التقدُّم الرأسمالي بأوجهه كافة؟ الرأسمالي، في عهد الرأسمالية التي عَنُفَت فيها، واشتدت، المنافسة الاقتصادية، كان مضطَّراً (أي تضطَّره القوانين الموضوعية للمنافسة الاقتصادية) إلى أن يكون "متقشِّفاً"، و"بخيلاً"، و"غير مُحبٍّ للتبرُّع بمالٍ لأعمال خيرية"، فمعظم ربحه كان ينبغي له أن يوظِّفه، توصُّلاً إلى بيع السلعة التي يُنْتِج بسعرٍ أقل من السعر الذي تباع به على وجه العموم؛ ولو فعل غير ذلك، أي لو كان مُسْرِفاً مُبذِراً، من "أخوان الشياطين"، لَعَجِزَ عن درء مخاطر المنافسة عن رأسماله، ولَهَلك اقتصادياً. ذلك العهد الاقتصادي الرأسمالي (مع ما يناسبه من أخلاق شخصية لربِّ العمل) أصبح، تقريباً، أثراً بعد عين، فالرأسمالي غدا يتمتَّع (مع رأسماله) بـ "حصانة الاحتكار"؛ ولقد غذَّى لديه "السعر الاحتكاري" المَيْل إلى أن يصبح من "أخوان الشياطين"، أي مُسْرِفاً مبذِّراً، مُسْتَفِزَّاً لمشاعر الفقراء والجياع.. لقد خَلَت السوق، تقريباً، من "القوى (الاقتصادية الموضوعية)" التي لا ترحم الرأسمالي الذي يَغْلُب ميله إلى "الاستهلاك" ميله إلى "الاستثمار"، فرأيْنا ظاهرة الرأسماليين الذين تطبَّعوا بطباع، وتخلَّقوا بأخلاق، أسلافهم من "الأسياد" و"الاقطاعيين". لا شكَّ في أنَّ معدَّل الربح (على وجه العموم) هو الآن في البلدان الرأسمالية الغربية أقل، وأقل كثيراً، من ذي قبل، ويميل إلى مزيدٍ من الهبوط؛ لكنَّ هذه الظاهرة (الاقتصادية التاريخية الموضوعية) تتَّحِد اتِّحاداً لا انفصام فيه مع ظاهرة تضخُّم حجم الرِّبح، فالرأسمالي يكافِح ذلك المَيْل بأنْ يوظِّف رأسمالاً أعظم، فيحصل، من ثمَّ، على ربح أكبر؛ وإنَّ جزءاً عظيماً متعاظماً من هذا الرِّبح (المتضاءل نسبةً ومعدَّلاً، والمتعاظم حجماً) ما عاد يُسْتَثْمَر، أي ما عاد يتحوَّل إلى "رأسمال". إنَّه يُنْفَق بما يَجْعَل الرأسمالي (وعائلته) يحيا حياة فيها من الإسراف والتبذير ما يجعله شيطاناً رجيماً. لقد أفْرطوا في الإسراف والتبذير، مُكتشفين أنَّ ظاهرة تركُّز رأس المال (القومي والعالمي) في حيِّز ضيِّق من طبقة الرأسماليين، أي في فئتهم هُمْ، قد سمحت لهم بأنْ ينفقوا الجزء الأعظم من أرباحهم الفاحشة (الاحتكارية) إنفاقاً استهلاكياً، فيه من سَوْء الأخلاق (الطبقية الرأسمالية) ما يجعله "الرذيلة" بعينها؛ ثمَّ اكتشفوا إذ أفرطوا وتمادوا في بذخهم الطبقي أنَّ لديهم من الثروات والأموال "القارونية" ما يفيض، ويفيض كثيراً، عن حاجتهم إلى شراء كل شيء، وإلى استهلاك كل شيء، وإلى الاستمتاع بكل شيء! هذا الفائض، والفائض كثيراً، عن تلك الحاجة هو ما شدَّد لديهم، أو لدى بعضهم، المَيْل إلى "الفضيلة"، وإلى "التبرُّع" بجزء كبير من ثرواتهم الفاحشة لـ "الأعمال الخيرية". "ازمة الاستثمار" في النظام الرأسمالي العالمي اشتدت وعَنُفَت؛ أمَّا التناقض الذي تنطوي عليه هذه الأزمة فنراه واضحاً جليَّاً إذا ما عَلِمْنا أنَّ البشرية تحتاج، وتزداد احتياجاً، إلى مزيدٍ من الاستثمار في ما يمكن أنْ يدرأ عنها مخاطر وشرور الفقر والجوع والمرض والكوارث الطبيعية..، وإذا ما عَلِمْنا، في الوقت نفسه، أنَّ الحاجة إلى هذا الاستثمار قد انتفت (لأسباب طبقية ـ موضوعية) لدى هؤلاء الأثرياء العظام، فإنَّ حصَّة الأسد من أرباحهم ما عادت بمَصْدَر تغذية للرأسمال، وأصبحت تفيض، وتفيض كثيراً، عن حاجتهم إلى حياة فيها من التنعُّم ما يُبْطِر صاحبها ويُتْرِفه، فَلِمَ لا يتبرَّعون بجزء من هذه الثروة الفائضة عن حاجتهم تلك لـ "الأعمال الخيرية"، مُضيفين إلى أمجادهم الاقتصادية أمجاداً إنسانية وأخلاقية، ومُظْهرين النظام الرأسمالي الذي أظهرهم على العالمين على أنَّه نظام إنساني، مُحِبٌّ لعمل الخير، ويمكن أن يُحوِّل الرأسماليين من "طبقة" إلى ما يشبه "الجمعية الخيرية"؟! الرأسمالي من هؤلاء تضاءل (حتى تلاشى تقريباً) المَيْل لديه إلى "الاستثمار"، أي إلى تحويل أرباحه الفاحشة (الاحتكارية) إلى "رأسمال"، مع أنَّ البشرية تشتد لديها الحاجة إلى مزيدٍ من الاستثمار ضدَّ "اللاآدمية" في حياة عشرات ومئات الملايين من البشر؛ وقوي لديه المَيْل إلى "فضيلة (أخلاقية وإنسانية)" هي العاقبة الحتمية لإفراطه في حياةٍ فيها من الرَّذيلة والتنعُّم والإسراف والتبذير ما يجعله للشيطان أخاً. إنَّها لجريمة تُرْتَكب في حقِّ الجنس البشري أنْ يبلغ شخص من الثراء الفاحش ما يَجْعَل "تبرُّعه" بنصف ثروته، أو أكثر، لـ "الأعمال الخيرية" أمْراً في منتهى اليسر والسهولة؛ وإنَّ في هذه الظاهرة (الرأسمالية) الجديدة لخير دليل على انتفاء الضرورة التاريخية للرأسمالية التي أمعنت في خَفْض منسوب "الآدمية" في حياة عشرات ومئات الملايين من البشر، مشدِّدةً الحاجة، من ثمَّ، إلى مزيدٍ من الأعمال الخيرية، التي كان الكهنة من قَبْل يستمتعون وحدهم بتأديتها؛ ولقد كُسِر اليوم هذا "الاحتكار" إذ شرع الأثرياء من أمثال بافيت وجيتس يتبرَّعون بـ "فوائض ثرواتهم الفاحشة" لـ "الأعمال الخيرية"، التي لم نعرف ماهيتها بَعْد. "الربيع الغربي"، أو "الحراك الشعبي"، المقبل للمجتمعات الديمقراطية الغربية، لن يكون، في سعي (ووعي) الشباب الثوري هناك، ضدَّ "الملكية الخاصة (أو الشخصية)" على وجه العموم، ومن حيث المبدأ؛ وإنَّما ضدَّ كل "ملكية خاصة" يَحُول بقاؤها بين المجتمع وبين انتقاله (الضروري والحتمي) من "الديمقراطية السياسية" إلى "الديمقراطية الاقتصادية ـ الاجتماعية"؛ وهذا النمط من "الملكية الخاصة"، والذي فيه، وبه، تزدهر "الأُوتوقراطية الاقتصادية"، إنَّما هو كل "ملكية خاصة" يمكن اتِّخاذها "أداةً" للسرقة، أي كل "ملكية خاصة" تُنْتَج فيها "القيم المادية (أو الثروة المادية)" من خلال "العمل بالأجرة"، فإنَّ "العمل"، و"العمل وحده"، هو مَصْدَر الثروة المادية للمجتمع. "السيادة السياسية للشعب"، والتي هي جوهر الديمقراطية، لا معنى لها إلاَّ إذا كانت (أو أصبحت) تضرب جذورها عميقاً في الاقتصاد، أو في "البنية التحتية" للمجتمع؛ فإنَّ الوهم بعينه أنْ تقوم للشعب سيادة سياسية حقيقية إذا ما ظلَّت فئة اجتماعية ضئيلة تبسط سيادتها (شبه المُطْلَقَة) على الحياة الاقتصادية. إنَّ الدَّمج بين هذا "التوسُّع الديمقراطي"، أي ابتناء ما يشبه الهيكل العظمي الاقتصادي لـ "الديمقراطية السياسية"، وبين المحافظة على كل ما هو إيجابي ومفيد وضروري من الرأسمالية، هو التحدِّي التاريخي الكبير الذي حان للأمم والشعوب الديمقراطية في الغرب مواجهته؛ وأحسبُ أنَّ "ربيعاً شبابياً ـ شعبياً غربياً" كالذي شهدته، وتشهده، البلاد العربية هو الطريق إلى هذا التغيير التاريخي، الذي فيه، وبه، يبدأ (ولا ينتهي) التاريخ. والأمر لا يحتاج إلى كثيرٍ من التأمُّل والخيال، وكأنَّنا نعتزم الإتيان بمعجزات، فليس من مشكلة تظهر إلى حيِّز الوجود من غير أن يلازمها، وجوداً، الحلُّ، قوى ووسائل وأساليب، وإنْ استلزم نُضْج، أو إنضاج، الحل زمناً أكثر أو أقل. وأحسب أنَّ الداعين إلى تخطِّي النظام الرأسمالي مدعوون، في المقام الأوَّل، إلى تطليق "التجربة السوفياتية" ثلاثاً، وإلى إظهار فَهْمٍ لها على أنَّها تجربة لا تعود بالنفع والفائدة إلاَّ على دعاة "الرأسمالية الأبدية"، فمن شرورها ومآسيها وعِظَم سلبياتها استمدَّت الرأسمالية في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، مزيداً من القوَّة، ونجحت في تصوير نفسها على أنَّها النظام الذي لا يمكن تخطيه إلاَّ إذا قرَّرنا واخترنا العودة إلى الوراء بالمعنى التاريخي. ليس الرأسماليون أنفسهم، وإنَّما من يتولُّون إدارة منشآتهم ومؤسساتهم هم الذين يُنْسَب إليهم الفضل الآن في "النجاح الاقتصادي"، فالرأسماليون الآن هم فئة طفيلية، مغتربة تماماً عن الإنتاج والإدارة، يحيون حياةً اقتصادية تشبه "حياة البداوة"، فهم ينتقلون من مكان إلى مكان في الاقتصاد القومي، وفي الاقتصاد العالمي، بحثاً عن العشب والكلأ، اللذين هما كناية عن "التملُّك بالأسهم". وهذا إنَّما يعني أنَّ الحاجة الاقتصادية ـ التاريخية إليهم قد انتفت، وأصبحت أثراً بعد عين، ويمكن، من ثمَّ، الاستغناء عنهم، وإحالتهم على التقاعد التاريخي، كما يعني أنَّ "الإدارة" يمكن أن "توظَّف" بما ينزع عنها الصفة الطبقية الرأسمالية. ومع هذا التغيير، الممكن واقعياً وتاريخياً، في جوهر النظام الاقتصادي، بوجهيه القومي والعالمي، يصبح ممكناً أن تمتد الديمقراطية إلى "البناء (الاقتصادي) التحتي" بعدما ظلَّت زمناً طويلاً حبيسة "البناء الفوقي"، وأنْ يتأكَّد، من ثمَّ، قولاً وفعلاً وممارَسةً، أنَّ البديل التاريخي من الرأسمالية لا يقوم على إلغاء ونفي الديمقراطية التي جاءت بها الرأسمالية، وإنَّما على الاحتفاظ بها، وزيادتها وتوسيعها، والارتقاء بها إلى درجتها العليا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل