المحتوى الرئيسى

الثورة الجزائرية في شعر كمال ناصر بقلم:د.حسين ابو النجا

05/30 22:08

د.حسين ابو النجا الثورة الجزائرية في شعر كمال ناصر استهلال منهجي اذا كانت العادة تقتضي تقديم الاشكالية وبيان الدوافع والاسباب فان موضوعة الثورة الجزائرية واحدة من الموضوعات التي يجب ان تتفرد وحدها ليس لما كان لها من دور فاعل ،وانما لما لها حاليا ومستقبلا من حضور، ومن هنا فان كثرة تناولها لا تمنعها من القابلية للبحث اولا لانها العلامة الفارقة للامة في العصر الحاضر ، ولانها المصل الذي يقي الامة كلما اصابها الوهن ، وفي زمن مثل زماننا فاننا بحاجة ماسة الى كل ما يذكرنا باللحظات المضيئة في تاريخنا الموغل الان في الظلمة والحلكة والسواد ، وليس افضل من الثورة الجزائرية التي حققت للانسان العربي اضخم الانتصارات على الاطلاق منذ انتصار صلاح الدين في حطين الى اليوم ،واذا كان هناك من يحاول تنويمنا في العسل ، والهاءنا عن كل ما هو ثورة ، فانه ينبغي علينا ابقاء موضوعة الثورة الجزائرية حية كنموذج وكفاعل حقيقي في الوجدان العربي .نلجا اليها دائما من اجل ابقائها حية في النفوس كضمان فعلي من غدر الزمان،ومن تهاون الاصدقاء ،ومن آفة النسيان. اما فيما يتعلق بالشاعر فان كمال ناصر من الشعراء الرموز الذين لم تستطع السياسة على ما فيها من اغراءات ان تسرقه نهائيا من الشعر، فقد ظل يكتب الشعر حتى اخر حياته ، وهو من ناحية اخرى شاعر مناضل لم يتخل عن النضال ولو للحظة على الرغم من التهديدات، وعلى الرغم من انه كان يعرف انه مطلوب باصرار والحاح ، ومن البديهي ان تعلو قيمته وبخاصة انه استشهد من اجل القضية في عملية الفردان المشهورة التي راح ضحيتها في بيروت ثلاثة من كبار رجال المقاومة الفلسطينية ، وهو من ناحية اخرى الشاعر الذي كانت مرتبطا بالثورة الجزائرية ارتباطا من نوع خاص، فقد كان يمني النفس دوما بالالتحاق بالثورة الجزائرية ، وهو من جهة اخرى تاكيد ان الاسلام ظل يستوعب الجميع بالحب ،فكيف يمكن اعتباره ارهابا ، وكيف يمكن حصره في صراع مذهبي ضيق كما يحاول ان يشيع ذلك وحيد القرن . وفيما يتعلق بقصائد كمال ناصر في الجزائر فانني اقتصرت هنا على فصيدتين فقط هما "في رحاب الجزائر" و" اغنية جزائرية" ، اما قصيدته "الى جميلة" فانني لم اتطرق اليها على اعتبار انها لا تدخل في البطولة الجماعية التي نركز عليها الآن، وانما تضغط على البطولة الفردية وهو بحث اخر لا مجال له هنا، ولا باس من الاشارة الى ان قصيدة "في رحاب الجزائر" قد تضمنت في بعض اجزائها اشارة الى البطولة الفردية الامر الذي ارغم البحث على التخلي عن الابيات التي تناولت تلك البطولة وعدم التعرض اليها في هذا البحث. اذا كانت الثورة الجزائرية قد نفذت الى كل القلوب في كل مكان على اعتبار انها ثورة المقهورين ، فانها لا بد ان تنفذ الى نبض الفلسطيني واعماقه ، ليس فقط لانها ثورة ضد الاحتلال ، وانما لانها ثورة عربية تذكي فيه الحمية وتوقظه لكي يقاوم ، وتمنحه الامل في ان التخلص من الاحتلال ليس امرا مستحيلا وانما هو ممكن وقابل للوقوع، ومن هنا فانه كان من الطبيعي ان يتغني بالثورة الجزائرية المسلحة الشعراء الفلسطينيون في المنفى وفي الوطن على حد سواء ، ومن الطبيعي ان يكون كمال ناصر واحدا من الشعراء الفلسطينيين الذين اختلطت الثورة الجزائرية بدمائهم المتوزعة عبر المنافي ،على اساس انها هي التي يمكن ان تحول منافيه الى وطن حقيقي ينعم فيه بالدفء بعد الغربة ، فاخذ يكتب عنها القصيدة بعد القصيدة وهو لم يزل يانعا لم يكد يتخطى بعد الثلاثين .لقد كتب في انشودة الحقد قصيدتين طويلتين هما : "في رحاب الجزائر "و "الى جميلة" ، وكتب في جراح تغني "اغنية جزائرية"، ولكن طول كل منها يجعلها تعادل كاملة على اقل تقديرخمس قصائد. ومن المؤكد ان انشغال الشاعر بالثورة الجزائرية ليس مجرد انشغال شاعر بموضوعه ، وانما هو انشغال المناضل بقضيته، فالشاعر ليس اي شاعر ، وانما هو قبل ان يكون شاعرا مناضل باتم معنى الكلمة ،وان اصراره على النضال هو الذي قاده الى الشهادة ، فقد كان الشاعر يعرف نهايته ومع ذلك فانه لم ينحن له عود ، وعلى الرغم من مختلف التحذيرات التي كانت تؤكد انه مطلوب الا انه لم يفرط في النضال من اجل الحياة ، ولم يتراجع ، ولم يهن ،وانما استمر يعمل من اجل الوطن الى ان استشهد في بيروت مع كل من محمد يوسف النجار وكمال عدوان في افريل 1973، حين قاد عملية الاغتيال ايهود باراك الذي صار فيما بعد رئيسا لوزراء اسرائيل . ان كمال ناصر لم يعش التجربة مع الثورة الجزائرية كغيره من الشعراء ، ولم يعشها كما عاشها المناضلون في الجزائر ، وانما عاشها بشيء من هذا وشيء من ذاك، ومن المعروف انه حاول الالتحاق بالثورة الجزائرية كما يؤكد الشاعر يوسف الخطيب ولكنه لم يتمكن من ذلك لاسباب قاهرة ، فعاش الثورة باحساس متميز تجسد في قصائد لها طعمها الخاص. والباحث في قصيدته الاولى "في رحاب الجزائر" (194-198)يجد ان الشاعر ينطلق من ان الثورة الجزائرية ظلال وارفة يرتاح اليها المناضلون ، وانها تمثل لهم الامل والامنيات : يا جناح العذاب خلني ها هنا ساعة في الرحاب التقي بالمنى التقي بالصعاب وانطلاق السنا واول ما يلفت النظر هنا ، هو ان الشاعر متمسك باوزان الشعر التقليدي القادرة على استيعاب المعاني الفخمة كما يقال ، وان الشاعر الذي يغلب في العادة كلا من البسيط والطويل يؤثر هنا البحر الخفيف نظرا لانه يتقبل السرد القصصي ،ومع ان البحر معروف الا ان الشاعر لم يبدا بما هو متعارف عليه في الخفيف ، وانما ابتدأ بالعروض المجزوءة المقصورة المخبونة ذات الضرب المشابه، وهي عروض مستدركة ليست داخلة في الاعاريض المعروفة، ومن المتصور ان الابتداء بما هو غير مالوف يمكن ان يدل على ان الامر الذي سيتحدث عنه الشاعر جلل لم يكد يحدث من قبل ، ومن المعروف ان الثورة الجزائرية بشموليتها واتساعها نادرة لم تسبقها ثورة اخرى ، ولا يكتفي بذلك بل انه لحأ فيها الى تقفية الاعاريض بحيث تظهر الاعاريض بقافية وتظهر الاضرب بقافية غير قافية الاعاريض ، ولكي يمايز بين القافيتين جعل القافية في الاعاريض مقيدة مردوفة بالالف ، والقافية في الاضرب مطلقة موصولة بالالف ايضا، ومن المؤكد ان الشاعر حين يجمع في القصيدة الواحدة بين قافية مقيدة واخرى مطلقة بالالف فانه يميل الى ما هو نادر وقليل ، فالشعر العربي لم يكد يلجا الى القوافي المقيدة الا في النزر القليل ، كذلك لم يكن يلجا الى القافية المطلقة بالالف وانما كان يؤثر دائما المطلقة بالياء، ومن المعروف ان الكسر اقوى من الفتتح ، وان الفتح في القافية على الرغم من انه اقل من المضمومة الا انه في الشعر يكاد يزاحم المضمومة ان لم يتفوق عليها بكثير.ومن المعروف ان الالف من دون حركات المد الطويلة يستفرد بالامر في كل من الردف والوصل لا يشاركه فيما يذهب اليه اي شريك وذلك بحكم تمايزه عنها سواء في المخرج او في الطبيعة، ولا شك ان الشاعر حين يجمع في قافيتيه بين الباء الشفوية الشديدة والنون اللسانية ذات الغنة ، فان هذا يعني انه يريد ان تخرج الكلمات من اقرب المخارج ، وذلك بسسب كثرتها وتزاحمها ، كل شيء يريد ان يعبر عما يحمله من معاني الاعجاب والاعزاز والفخر بالثورة الرائدة، والشاعر حين يسبق الباء بالالف في روي الاعاريض والصدور يزيد في التضخيم ، لان الباء الساكنة بعد الالف تبقى في السمع اطول من جهة السكون، وانها من جهة الالف تحمل معنى الصراخ ، اما الالف بعد النون فانها فقط لكي لا يختفي النون فالغنة صوت انفي يدل على ان هناك حرفا قد اختفى مع الصوت المجاور ومن هنا فانه يحول بين الحرف اذا كان الحرف ساكنا والفناء في الصوت الذي يجاوره . ان الشاعر يطلب من جناحه ان يريحه من العذاب ويتركه مع الثورة حيث ينطلق سنا العرب وتتحقق الاماني ، ويستمتع بصحبة النسور الغضاب التي اقسمت ان تنال الحرية ولو بلمع الحراب : بنسور غضاب الهبت محدنا بين لمع الحراب واهتزاز القنا اقسمت بالتراب وشهي الجنا وصمود الشباب وجراح الضنا ان تعيش الرغاب حرة في الدنا ان اللغة التي يستخدمها الشاعر لغة تقليدية ينتشر فيها القنا والحراب ممزوجة باللغة المعاصرة الجنا الضنا في توليفة قادرة على التواصل بين الموروث والحاضر، ومن الجلي ان تعبيراته تدل على انه لم يكن هادئا ينظر الى الموضوع بحكمة وترو ، وانما تدل على انه كان يحترق به عن قرب من خلال التلاحم المباشر ، ومن خلال موقعه وسط الضنى يؤكد بان ما يحدث في الجزائر ليس خاصا بها فقط ، وانما هو امل لكل الشعوب التي تريد ان تتخلص من الضيم : يا جناحي هذي رحاب الجزائر كل شبر بها على الضيم ثائر تلك اكامها الخصيبة بالمجــــــ د وابطالها الكماة الاسـاور نلك ساحاتها المهيبة بالنو ر كصدر الايمان بالوحي عامر صمدت فوقها البطولات تعرى بين شدقي اهوالهـا والمجـازر وتغني في الحق انشودة النصـــ ر وتمضي مجنونة للمخاطــر وواضح هنا ان الشاعر انتقل من العام المطلق الى الخاص المقيد وهو الثورة الجزائرية التي تزرع في مختلف النفوس الايمان بالنصر ، فيطمئن الجميع ويحيون فيها البطولة وصمود الابطال بين اشداق الاهوال ، ومن المؤكد ان عودة الشاعر من غير المالوف في الايقاع الى ما هو مالوف تعبير عفوي عن ان البطولة الجزائرية حقيقة معترف بها ، وانها تخرق من جهة عين الاعداء ، وتبث النور من جهة اخرى في قلوب الاصدقاء،ويطلب التمعن في البطولة وهي تحمل الى العرب استباق النصر وروعة المجد لكي تكون الهاما لكل طائر، انه ينبغي التصميم على النصر او الاستشهاد ،واذا كان الشاعر قد اشرك معه المتلقي عن طريق التصريع فانه حين اختار القافية المقيدة المؤسسة انما اراد ان يجعلها تدوي في الاذن ، اولا لانها تشتمل على عدد غير قليل من حروف القافية ، وثانيا لان السكون يتردد في السمع خاصة بعد التاسيس فيكون مفعوله اقوى، ولا شك ان اختيار الراء رويا قد ضمن النجاح لقصيدته ليس لان الراء من الحروف الستة كثيرة الدوران في الشعر ،ولكن لان الراء تكريرية يتبعثر فيها اللسان في المخرج كانه يعمل في حرفين مثلين ، ومن هنا فان عدد حروف القافية يزداد فيتضاعف التاثير، ولا شك ان تكريرها يضفي على القافية نغمة اضافية تعوض بها كثرة التدوير في الخفيف ، ويمكن هنا الاشارة الى الاستهلال في البيتين الثاني والثالث فالشاعر لم يكتف بتكرار الابتداء نلك تلك ، وانما زاد عليه الاضافة والصفة والجار والمجرور بما في المضاف اليه من تشابه في الروي كما هو الحال في القافية الداخلية ، وزاد ايضا ان كلا الصفتين تنتهيان بالياء والباء والتاء مما وفر للقصيدة كل ما يلزم من اساليب حتى تستولي على المتلقى فيتعلق بها ان لم يكن من حلاوتها فانه من اجل كثرة هذه الاساليب وتعددها. يا جناحي صفق على ربوتها وتنقل على رباها السواحر رفة منك في سماء ذراها سوف تزهو بها على كل طائر حسبك اليوم ان تجيء حماها وهي نشوى بين القنا والخناجر رقصت في الجهاد تستبق النصـ روتلهو على السيوف البواتر قف طويلا على المكارم واخفق روعة وانتفض باشجى المشاعر والجناح الثاني للطائر يؤكد ان التوقف على المكارم في الجزائر في السماء والربى الساحرة ضرورة للزهو على الطيور،ففي هذه الربى يستبق الجهاد النصر، وترقص السيوف البواتر نشوانة بين القنا والخناجر، ان افعال الامر تتوالى:صفق،تنقل،قف،اخفق، انتفض لتطوف بمختلف الروابي التي تمتلئ بها الجزائر ، والتكرار الذي في ربوة وربى اسلوب اخر ينضاف الى الاول لكي يتوفر للقصيدة عنصر اخر من عناصر النجاح ، وثمة ملاحظة اخرى تتمثل في ان السواحر والمشاعر والحناجر وما سبق مثل المخاطر والمجازر والاساور كلها الفاظ جموع تفيد الكثرة ، مما يوحي بعمق الثورة وتغلغلها في مختلف اوساط الجزائر،ومختلف العرب في المشرق : سكر الشرق بالميامين لما حمل الصبح للوجود البشائر سره ان يرى البطولة تزهو بين عيني مناضل ومغامر حملتها في المجد اخيلة لتر وي للخلد حمر المآثر ثورة لا ترى الحقيقة الا في رؤى النصر او بظل المقابر سبقت مولد النضال وكانت حية في وجودنا والسرائر ان الاستهلال بالسين الاحتكاكية في الابيات الاول والثاني والخامس اضفي على الصوت قوة ولكنها ليست القوة الصارخة وانما هي قوة اليقين ، الامر الذي يؤكد ان الثورة التي تنور الغرب يفرح لها الشرق ويفخر بها لانها تحمل اليه البشائر، ولانها قبل اي ثورة اخري ثورة الحقيقة لديها واحد من اثنين اما النصر او الاستشهاد ، ثم ان صباح الامة العربية الجديد تنسجه روابي اوراس حيث المهج لا تخبو لها نار الى ان يستعيد التاريخ من جديد فرحته الكبرى: في روابي اوراس يمتشق النجـ م حساما مضرج النصل باتر وواضح ان الشاعر يعرف ان الاوراس معقل الثورة ، ومن نافلة القول ان التوجه الى اوراس يعني ان الشاعر يركز على البطولة الجماعية فالشعب الجزائري كله هو البطل وليس فقط الابطال الذين يحملون ارواحهم على اكفهم ،فلولا الضمائر الحية في الشعب لما استلهم المناضلون كل هذا الباس على الرغم من ان السلاح قليل وعزيز ، ومن اللافت للنظر ان الشاعر يستخدم هنا كلمة روابي بدلا من لفظ جبال وكانه يريد ان يقول ان الثورة الجزائرية ليست منحصرة في الجبال وحدها وانما هي متواجدة في كل مكان. روحها فوق كفها تتلظى شهوة بالدم الزكي العاطر عز في دربها السلاح فما ها نت وهانت على النضال الكبائر فمضت تنسج السلاح من البذ ل وتستلهم الفدا والضمائر ان الابطال حين يستمدون القوة من الشعب فانهم وهم يتنقلون بين الدساكر المختلفة يشعلون في الشعب نار الثورة واوار النصر ، ان التبادل المتواصل بين الشعب والثورة فيض سخي ، وبذل كاحسن ما يكون البذل ، فتتضمد الجراح بالجراح ، وتحن الضلوع الى الضلوع فتقع الرحمة ويتصل الرحم. ملء عين الوجود والمهج الظمـ أى وملء النهى وملء الحناجر حملت عبئها العتي وماجت تتلوى بين الربى والدساكر ليس تخبو وانما تشعل النا ر وتذكي اوارها والمجامر فهي من عنصر الخلود لهيب وهي من فيضه السخي الزاخر ضمدت جرحها جراح البوادي وحنت فوقها ضلوع الحواجر ومن اللافت للنظر ان التكرار في البيت الرابع مضافا اليه التقسيم قد اضفى على المعنى عنصرا موسيقيا جديدا ساعد على النفاذ الى الاعماق من دون حواجز ، وتاكد ذلك ايضا في البيت الخامس فحسن التقسيم والقوافي الداخلية وتكرار تراكيب الامر الذي ضاعف الايقاع ، وانضمت الموسيقى الداخلية الى الموسيقى الخارجية لكي تتعدد التفسيرات ويتعمق التاويل ، ان تعدد الاساليب وتنوعها يصل الى نتائج اكثر مما يصل اليها اي اسلوب احادي الوجهة ، ومن هنا فان المنسي المتواري خلف الظلال قد خرج من العتمة ،وصار في المركز يتلألأ كالشمس ، يكتب المفاخر من ناحية ويغني من ناحية اخرى نشوان بالنصر: واستعاد التاريخ فرحته الكبـ رى فعنى لها وشق الحناجر كان نسيا على ثراها فامسى يكتب اليوم في ثراها المفاخر ويغني على الربى الحمر لحنا ازلي التوقيع نشوان ظافر ومن الاوراس الى روابي وهران ليدل على على ان الثورة ليست كما تدعي فرنسا ثورة محلية قام بها بعض الخارجين عن القانون ، وانما هي قورة عارمة تجتاح البلاد من اقص الشرق الى اقصى الغرب : يا روابي وهران في موكب التيـ ه ويا نبعة الجهاد الطاهر ثم يتحول الشاعر من البطولة الجماعية الى الفردية في صورة الرئيس احمد بن بيللا الذي قهر الاستعمار ويداه في القيد فكيف كان يمكن ان يكون عليه الحال لو ان يديه كانتا متحررتين، وعلى اي حال فان التحول الى البطولة الفردية لا يزيد عن يكون عزفا فرديا على البطولة الجماعية ، ولا شك ان الابيات التي ركزت على الرئيس ستظهر في البطولة الفردية حين ياتي الحديث عن جميلة، ولعل الانحراف الى البطولة الفردية تمهيد الى الانتقال من المقاومة الى فرنسا المستعمرة. يا فرنسا تحطمت فيك للناس امنيات كنت للنور مطلعا ومنارا للمعجزات ذل في دربك السنا وهوى مثخنا ومات وواضح انه انتقل الى نغمة اخرى ، فقد انتقل من التام الى المجزوء ،في اشارة الى ان الامر حقيقة مؤكدة غير قابلة للجدل ، ومن الجلي ان الشاعر في هذه القصيدة يجمع بين اضرب لا تجتمع معا في قصيدة واحدة ، وزاد على ذلك انه جمع بين المالوف وغير المالوف في الخفيف كما سبق ان ذكرنا للدلالة على ان الثورة الجزائرية محيط هادر يستوعب ما لا يستوعبه غيرها ، ويرمي الشاعر فرنسا ثانية بالغي والخزي والعار ، فما تقوم به في الجزائر لا يندى له جبين العالم فقط وانما يندى له ابناؤها من عماليق الفكر ، فقد تحولت فرنسا من ولود منجبة خرائد الفكر الى أم خرائد تعبث بالنشيد الجبار، تحوله الى لعبة يتشدق بها العابثون: يا فرنسا العبيد والبغي علم اجنبي رحب الميادين سافر انت ابدعته فامسى يدوي في المخازي بكل بيت فاجر ان المثل الثلاثة "الحرية والاخوة والمساواة " صارت في الجزائر استعمار وعداوة وعبودية ، ومن هنا فانها صارت نموذجا عبئا على ابنائها من المفكرين الذين صنعوا مجدها على مر السنين : امسك المزدهي باحلى المعاني بات عبئا ينوء فيه الحاضر اطرقت فيه عبقريات جيل وانحنت فيه ذكريات عواطر قمم من خرائد الفكر مادت بين اشلاء زهوك المتناثر اين فولتير يدرك القوم لما طعنوا حرمة الحجى والشعائر ليرى قومه غداة اقادوا من فرنسا ماخورة العواهر إن الشاعر يطلب من فولتير ان يرى ما صار اليه حال فرنسا ، انها اليوم غير ، ففرنسا التي عرفها ليست هي فرنسا اليوم ، ففرنسا الفكر صارت فرنسا الهذيان على السين: كل علج على رخيص ثراها تاجر يرخص الضلال لتاجر زهرة زهرة اباح رباها فتخلى عن عطرها كل عابر النشيد الجبار امسى لغيبا بين اشداق عابث ومقامر رددته في السين شقر البغايا وتهادت به تهز الخواصر ان الزعماء السكارى قد أزروا بالمروءات والماضي المجيد ، فصارت في عهدهم توأما للبطش والبغي كذئب فاغر من الجوع اشداقه الكاسرة : يا فرنسا التاريخ عفو المروءا ت وعفو الماضي المجيد الغابر انظري شعبك الزري وهذا بعض ما خلفته فيك الصغائر الزعامات في ذراك سكارى ارهقت ليلها بخمرة غادر انت والبطش توامان على البغـ ي وذئب مضرج الشدق فاغر لفظتك الاجام من صدرها الدا مي فهشت لك الوحوش الكواسر ويطلب منها ان تخجل من نفسها بعد ان صارت هي التي ترمل النساء في الجزائر، وتيتم الاطفال ،وتوغل في جراحهم ، ولا شك ان الشتعر يبتدىء بالنداء فاذا ما التفتت اليهه فاجاها بالنظر الى ما الت اليه من وحشية: وقع اقدامك الرهيبة في الدر ب قلوب ثكلى وجرح غائر ويتامى مشردون وجفن فوق صدر الالام ظمان حائر فاخجلي يا سليلة الاثم والفحـ ش ان تخجل البغايا الفواجر ان ما تقوم به الشعوب هو العدالة وليست اي شيء اخر ، ويلح عليها بضرورة الاستماع الى صرخة العدالة وهي تدغدغ المجد والكبرياء في سماء تلك الشعوب وتجعلها تنهض من قاع الظلم لتطالب بحقها في تقرير المصير: واسمعي صرخة العدالة في سماء الشعوب تزجي البشائر اسمعيها تدغدغ المجد والكبـ ر وتسري خفاقة بالبوادر نفرت من مضاجع الظلم تعطي للضعيف المغلوب حق المصائر فانتشت في الشعوب بيض الاماني وتمطى من غفلة الدهر سادر ان ثورة الجزائر هي ثورة الشرق ، فانظري اليها وهي تدك قلاع البغي من اجل ان يتبدد غبار الوهم ، ولا باس هنا من الاشارة الى ان التحوير الطفيف في التكرار تنويع ينقل الصورة المفردة في الصرخة الى حركية مملوءة بالدلالات: ثورة الشرق هذه يا فرنسا فانظريها تجسدت في الجزائر واشهديها تطيح بالعسف والبغي وترمي اهل العروش القياصر اشهديها تجيش بين رؤانا تنفض الوهم في صدى كل خاطر ان تكرار اشهديها في البيتين الثاني والثالث نوع من تتبع التفاصيل ، واذا ربطنا فيها بين التقفية والتقفية في عجز البيت الاول "فانظريها" ايقاع يخلص تتبع التفاصيل من الرتابة ويمنع من الانصراف عن المعنى ، ويؤكد الشاعر انه ابتداء من اليوم لن يكون هناك عبيد وصعاليك ، ولا تواكل ولا خرافات ، وانما سيكون هناك انزياح الى الشرق في مواجهة الغرب : لا عبيد ولا صعاليك فيها لا مضافات لا قرى لا عشائر لا اتكالات لا خرافات تمشي فوقها مقلة فتعمى البصائر لا انحياز للغرب يدمي قواها وانحياز للشرق عذب المظاهر ان تكرار "لا" نحوا من ثماني مرات ليس للتوكيد وانما الغرض منه هو تعديد بعض الملامح التي يظن الشاعر انها من معوقات النهضة، واذا كانت بعض هذه الملامح ملحوظة في كل البلدان فان هناك بعض الملامح التي لم نعثر عليها في الجزائر كالمضافات ، ومن المؤكد ان الشاعر لجا الى استخدامها لانها موجودة في الواقع العربي ،وهو الواقع الذي ينظر الشاعر من خلاله الى الثورة الجزائرية ، واكيد ان الثورة الجزائرية في نظر الشاعر ثورة عربية ، ومن المؤكد ان انتماء الشاعر السياسي الى حزب البعث العربي هو الذي يغذي الفكرة، ومن المعروف ان الحزب هو الذي سجنه في فترة من الفترات ، وهو الذي انجحه في الانتخابات البرلمانية في الاردن سنة1956، قبل ان يدخل الى منظمة التحرير كعضو مستقل. هذه ثورة العروبة ماجت بالميامين والتظت بالكواسر كل حي على جحيم لظاها في الملم العصيب عبد القادر لم يدعه الردي فاقسم بالمو ت ليستعذبن فيه المخاطر وحرام عليه ان يطلع الدهـ ر على ملعب العروبة كافر ان الثورة في الجزائر تموج بالبواسل ، فكل حي هو الامير عبد القادر ، يرى ان المخاطر في سبيل الوطن عذبة مهما كان طعمها، فاقسم الا يطلع على العروبة كافر ابد الدهر ، ان الالفاظ الفخمة قد ادت وظائفها واسترجعت اشكال التعبير الاساليب التقليدية فتحلقت بين الاستعارات والتشابيه المتنوعة، والتشعيث في عبد القادر (تحول فاعلاتن الى فالاتن) قد اضفي على القافية نوعا من المغايرة فانكسرت حدة الرتابة. وواضح ان الشاعر قد انهى القصيدة بخاتمة مفتوحة ليدل على ان الثورة مستمرة وانه ما دام الجزائري يضحي فانه لا بد ان ينتصر ، واذا كان الشاعر في القصيدة السابقة قد استعان باسلوب الملاحم الفخم في كل من الحروف والكلمات والتراكيب فان التعبير الحماسي هو الذي جعل الشاعر يتخذ لنفسه اجنحة يحلق بها فوق الروابي ، وهو الذي استوعب الصخب والحماس المتدفقين ، ولكنه في "اغنية جزائرية " (292-294) يحاول ان يتحول من الملحمة الى القصيدة: انا من هناك من الجزائر احلام ثائرة وثائر انا ملء ثورتها لهيــ ب هادر وجراح هادر انا حبة من رملها الـ قدسي احيا في الخواطر ان الشاعر هنا لا يغترب عن وطنه فلسطين رغم اسم الاشارة الدال على البعيد ، وانما يعيش فيه من خلال معايشته للثورة ، فهو حبة من رملها ، وقبس هادر من لهبها ،وجرح عائر من جراحها، انها احلام الثوار، وهو لا يواصل مع الخفيف ولا مع كل من البسيط والطويل وانما مع الكامل في عروضه الثالثة المجزوءة وضربها الاول المرفل، واذا كان الوزن مختلفا فان القافية لا تزال هي هي مقيدة مؤسسة رويها راء كما في القصيدة السابقة ، ومعنى هذا انها باحتوائها على ثلاثة حروف من حروف القافية فانها تريد من جديد ان تؤكد ان ما في الثورة من معان اكثر من ان يحصى، وحين يلح الشاعر من جهة ثانية عن طريق النسق الاستهلالي أنا.أنا.أنا بانه هو نتيجة للثورة الجزائرية قد عاد الى نفسه بعد ان كانت ضائعة بين المنافي ، ومن هنا فان اناه ليست موغلة في الافراد ولكنها مغرقة في الجماعة: ُشدت الى صدري المنى وُشددت في درب المخاطر قلب عصامي ورو ح صامد وجموح شاعر ان عودة الاماني الى الصدور ليس بفضل قوة غير قوة الثورة، فالثورة هي الحدث، ومن هنا جاء البناء للمجهول مرتين ليؤكد على الحدث وهو البطولة الجماعية للشعب الجزائري ، فانطلق الى المخاطر بجموح شاعر، تتقد بين جوانحه نار شديدة الاوار توقظ البوادي والحواضر: النار بين جوانحي دمع حقود في المحاجر شبت فماج لهيبها بين البوادي والحواضر مجنونة تطأ السلا م فلا سلام ولا اواصر ان المحاجر والحواضر والاواصر ومن قبلها الخواطر والمخاطر جموع كثرة الغرض منها ليس بيان ما يعتمل في القلب من عواطف جياشة مشبوبة تتحد بالام الضحايا ، وانما هو برهان على الكثافة التي تعتمل في الصدر نحو الثورة من جهة وعلامة على كثرة ما في الثورة من ظواهر . سكرت بآلام الضحا يا وانتشت عبر المجازر ان المجازر التي ترتكبها فرنسا لا تهدم وانما تزيدهم اصرارا على اصرار، ويبرز هذا الاصرار في التضحية بالدم اباء ، والانفس قرابينا من اجل تحقيق الاحلام الكبيرة في وطن متحرر من ربق الاستعمار: ودماؤها تنزو ابا ء بين اجفان الخناجر سالت قرابينا لدى احلامها الحمر السواحر الدماء الزكية جعلت عرس الشهداء دويا لا يفتر في اي ناحية ، وهو الدوي الذي يؤكد ان كل مناضل في اي بلد لا بد ان يكون من الجزائر. شهداؤها في الافق حـ ط رحالهم لا في المقابر لا يصمتون فكلهم لحن دوي في كل خاطر انا من هناك مناضل انا من هناك من الجزائر ان تكرار انا من هناك اول الصدر واول العجز يؤكد ان النضال الحقيقي ليس في مكان وانما هو في الجزائر ، ولذا فان الشاعر لا يمكن الا ان يتعلق به وان يقترب منه ، وانه على الرغم مما في المسفات من بعد الا انه قريب من الثورة ، فالشاعر لا يعتبر نفسه من الجزائر مادة ، وانما هو منها روح ورؤى وحالة ايضا ، وان هذه الرابطة بينه وبين الجزائر اقوى من رابطة واقوى من ان يمسها احد: انا من هناك رؤى قيودي ظمآن يصرخ بي وجودي يتحول الشاعر من القافية المقيدة الى المطلقة ومن الراء رويا الى الدال ، ومن المعروف انه يجوز في الشعر التقليدي ان تتعدد القافية ،و ان يتغير الروي من حرف الى اخر ضمن انساق معينة، ومن المعروف ايضا ان الانتقال من الراء الى الدال انتقال من غرفة الى اخرى في البيت الواحد ، فالراء والدال من الحروف الستة كثيرة الدوران في الشعر ، ولكنه ينبغي هنا الاشارة الى ان الانتقال من المقيدة الى المطلقة انتقال غير مالوف في الشعر العربي ، ولعل الشاعر يريد ان يعود مرة اخرى الى التذكير بتفرد الثورة الجزائرية من خلال الانتقال من المالوف الى غير المالوف، ومما ساعد على التخفيف من حدة الانتقال ان الشاعر حافظ على الوزن في ادق صوره فلم يتغير الضرب كما تغيرت القافية، وانما ظل هو هو في المقطعين معا ما عدا التصريع في البيت الاول حينتحولت العروض فيه مما ينبغي الى ما لا ينبغي من اجل التماثل مع الضرب : سبعون عاما لم ينم سيفي ولم يخمد وقودي أنى تثاءب جاحد القمته سهم الجحود ولمعت في جنبيه نصـ ـلا حاقدا سهل الورود سبعون عاما والدم الـ مسفوك يجري في حدودي درب نما في صدره الـ معطاء مليون شهيد ولا يُعرف شيء عن السبعين عاما التي لم ينم فيها سيفه،فقيام الثورة لم يقع بعد سبعين سنة وانما بعد اكثر من قرن، نعم ان الجزائر ما انفكت تقدم الشهداء بين الفينة والفينة ومن ثورة الى اخرى، ولكن ذلك لم يرتبط بالسبعين، وعلى كل حال فان المليون شهيد بحاجة شديدة الى تدقيق اكثر، فالثورة الجزائرية قدمت اكثر من ذلك بكثير ان لم يزد عن ضعف ما يتردد على الالسنة، وتؤكد المقابر التي تكتشف من حين الى اخر ان التضحيات جسام ، وانها اكبر من ان تحصى ما دام يظهر فيها كل يوم جديد: اسال فرنسا انها تنبيك عن معنى الصمود عن خزيها لما استبا حت مجدها عبر الخلود وتعهرت لا فكر لا تاريخ في عين الوجود ان فرنسا يمكن ان تشهد للجزائر بالصمود ، وعلى الرغم من انها غارقة في الوحل الا ان شهادتها وهي العدوة بالحق خير ما يمكن ان تكون عليه شهادة ، ان الشاعر في طلب الشهادة من فرنسا لا ياتي بجديد فقد سبقه الى ذلك الامير عبد القادر: سلوا تخبركم عنا فرنسا ويصدق ان حكت منها المقال وفي مثل قوله ايضا: وعني سلي الجيش الفرنسي تعلمي بان مناياهم بسيفي وعسالي واذا كان الشاعر قد ضغط مرة اخرى على تردي فرنسا ، فانه في مقابل ذلك يضغط على فخر الجزائر بثورتها وفخر العالم بها، فالجزائري صار بفضل اندلاع الثورة المسلحة يشار اليه بالبنان في كل مكان. فاذا علمت وحن صد رك للجهاد وللمفاخر فاهتف مع التاريخ انـ ـي من هناك من الجزائر والملاحظ هنا ، ان الشاعر قد قفل مقطعه ببيتين مشابهين لابيات المقطع الاول ، وخاصة في القافية المقيدة التي رويها راء ، وهذا يعني ان المقاطع التالية ستخضع لنفس النظام ، ومن الضروري الاشارة هنا الى ان الشاعر لم يلتزم بعدد الابيات في كل مقطع ، فقد تكون المقطع الاول من 14بيتا بينما اكتفى الثاني ب 11 بيتا منها بيتان على نمط المقطع الاول، وعلى اية حال فقد ظل الشاعر يفخر بانه من الجزائر: انا من هناك ومن هنا في كل عاصفة انا وطني الكبير يحده قلبي على هذى الدنا وطني الكبير تحده لغتي وتشعله المنى وطني الكبير يحده التاريخ دربا مؤمنا ان الجزائر جعلت من وطنه الكبير وطنا قابلا ليس للعيش فقط وانما للفخر ايضا فهو من هنا ومن هناك عاصفة على المعتدين، وفي مجال الايقاع نجد ان الشاعر قد تحول هنا من الضرب الاول في العروض الثالثة للكامل الى الضرب الثالث او ما يعرف بثامن الكامل ، وهو ما لم يقل به احد، والملاحظ ان الشاعر قد حافظ على القافية المطلقة كما في المقطع السابق ، ولكنه اثر هنا النون رويا ، اولا ليعادل ين الشدة والرخاوة التي كانت موجودة في كل من الراء والنون، ومن المعروف ان النون صوت فيه غنة وان الغنة تمنع ان يتلاشى الحرف في غيره ان كان ساكنا متاثرا بالحرف المجاور له ، ومن حسن الحظ ان الشاعر حرك النون بالالف اي انه نصب المجرى، ومن البديهي ان المجرى في القصيدة الواحدة لا يتبدل من بيت الى بيت ، وانما يشترط فيه المحافظة على النوع من اول القصيدة الى اخرها، ولكن الشاعر هنا قد حول المجرى من مخفوض في المقطع السابق الى منصوب في هذا المقطع، ولعل الشاعر وهو ينوع في المجري يريد ان يستغل انتشار الالف والفتح في ابقاء السامع مقيدا الى القصيدة ، ومن المعروف ان الكسر في الروي هو الاشهر في الشعر العربي وذلك للامكانيات المتعددة التي يوفرها الكسر للشاعر، ومن المعروف ايضا ان الفتح اكثر شيوعا من الضم على الرغم من ان الضم اقوى من الفتح كما في الاملاء ، فكأن الشاعر قد وفر لقصيدته كل مجرى شائع حتى ولو لم يكن الامر مالوفا ، واللافت للنظر في هذا المقطع ايضا ان الشاعر قد كرر في الابيات الثاني والثالث والرابع نفس التركيب بنفس الكلمات وهو نوع من التكرار ليس من باب التفجع كما في القصيدة الجاهلية وانما يقع هنا من باب الافتخار والتاكيد على الانتماء ، وكرر في البيت الاول أنا اول الصدر واخر العجز فكانه يبتدىء بها وينتهي بها في نفس الوقت، والمؤكد انها ليست الانا الفردية وانما هي الانا المستغرقة في الجماعة ويعود الشاعر الى الافتخار بانه من الجزائر: انا من هناك ولم ازل في بعث امتنا هنا علقت بين نجومها الشـ هباء احتمل الضنا ونحت من صحرائها وسهولها لي موطنا في مصر في بغداد في لبنان امال لنا لا ندعيها انما احلامها تجري بنا ان الجزائر لا تسترجع مجدها الضائع فقط وانما تعيد الامة العربية الى المجد من جديد ، وتجعل المنسي نجمة شهباء تجري بها الاحلام ، ومن الطبيعي ان مصر ولبنان وبغداد ليست هي المقصودة وانما المقصود هو كل البلدان العربية على الاقل ، ويعود الى قفل المقطع ببيتين مثلما في المقطع الاول: وانا على اغصانها في بعثها المامول طائر فانشد معي واهتف معي انا من هناك من الجزائر واذا كان واضحا ان الشاعر في هذا المقطع قد التزم بعدد الابيات التي وجدناها في المقطع الثاني الا انه في اخر القصيدة قد باح بالمكنون واطلق العنان لانتمائه الحزبي فظهر صراحة ولكنه لم يرد ان يركز عليه والدليل انه انتقل بسرعة تاى التاكيد على ان الجزائر هي التي صنعت هذا البعث المامول . وواضح من خلا القصيدتين ان كمال ناصر حين يتحدث عن الثورة الجزائرية فانه لا يتحدث عنها مستقلة عنه او مستقلة عن غيرها من القضايا العربية وانما يربط بين الجميع ظهر ذلك ام لم يظهر ، وانه على الرغم من انه كتب عن كل ثورة عربية الا ان الثورة الجزائرية بقيت متميزة في نفسه لانها حققت احدى الركائز الاساسية التي حرص على ان تصدق في الواقع وهي ان الثورة لا بد وان تنتصر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل