المحتوى الرئيسى

بيشوى رمزى رياض يكتب: ثورة الغضب الثانية والانقلاب على الديموقراطية

05/30 16:50

أثناء متابعتى للتظاهرات التى شهدها ميدان التحرير، فى السابع والعشرين من مايو، والتى أطلق عليها "جمعة الغضب الثانية"، قرأت عددا من اللافتات التى تعبر عن المطالبات التى يسعى إلى تحقيقها المتظاهرون. وكان أكثر مالفت انتباهى فى هذا الصدد بعض اللافتات المكتوب عليها "الدستور أولا"، بالإضافة إلى لافتات أخرى تطالب بمحاكمة رموز النظام السابق، و"إعدام" كل من الرئيس السابق حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى. ولايمكننا أن نتجاهل أيضا مطالبات أخرى انقسم حولها المشاركون، كتشكيل مجلس رئاسى مدنى يتولى الحكم فى البلاد. بالرغم من أن الهدف الرئيسى لانتفاضة الشعب المصرى، لم يقتصر على إسقاط النظام السابق، إنما امتد إلى تأسيس نظام مدنى يقوم على مبادئ الديموقراطية والمواطنة والحكم الرشيد، والتى تجعل من سيادة القانون والعدل والمساواة أساسا للحكم فى البلاد، وهو ما افتقدناه طيلة السنوات الماضية، إلا أن هناك ظواهر عديدة بدأت تلوح فى الأفق، لم تتوافق مع المبادئ المذكورة، والتى ينبغى أن نرتكز عليها فى تأسيس مصر الجديدة التى نتطلع اليها. لقد بدأت تلك الظواهر مع أحداث الشد والجذب التى شهدتها الساحة المصرية، بين الأقباط والمسلمين، نتيجة أحداث طائفية شهدتها بعض الكنائس، رد عليها الأقباط بالاعتصام أمام مبنى ماسبيرو، وهو الأمر الذى ابتعد تماما عن تلك الروح التى أرستها انتفاضة يناير. وقد تزايدت المخاوف لدى الكثيرين نتيجة التعامل الحكومى مع الأزمة، من خلال اللجوء إلى رجال الدين للقيام بدور الدولة فى حل مثل هذه المشكلات، وهو ما أثار شكوك الكثيرين حول المصير الذى ستؤول إليه البلاد خلال الأشهر القادمة. فى الواقع إن المطالبات التى رفعها بعض متظاهرى السابع والعشرين من مايو، كانت امتدادا مهما لتلك الظواهر السلبية التى تتناقض تماما مع الروح التى أظهرها الشباب المصرى فى التحرير، إبان ما يحلو للبعض أن يطلق عليه الثورة "الأولى". فالفكرة التى أثارها بعض "الثوار" حول تأسيس دستور جديد للبلاد، قبل انعقاد برلمان جديد، يعد بمثابة انقلاب على الديموقراطية التى طالب بها الشعب، إبان انتفاضته المجيدة، فالشعب المصرى قد قال كلمته فى استفتاء مارس الماضى، عندما وافق بأغلبية كبيرة على التعديلات الدستورية الأخيرة، وهو ما يعنى أن يظل الإعلان الدستورى حاكما للبلاد حتى انعقاد البرلمان الجديد، ومن هنا فإن مبادئ الديموقراطية تقتضى الالتزام بكلمة الشعب التى أعلنتها صناديق الاقتراع. وبالرغم من هناك مخاوف كبيرة لدى قطاعات كبيرة من المجتمع، حول ما قد تشهده الانتخابات البرلمانية القادمة، من احتمالية وصول الإخوان المسلمين للحكم، خاصة فى ظل عدم وجود أحزاب ليبرالية بارزة على الساحة فى الوقت الحالى. وهو ما قد يهدد الهوية المدنية للدولة المصرية، فإننى أرى أن السبيل لحل هذه المعضلة هو أن تعلن القوات المسلحة المصرية أنها الضامن لاستمرارية تلك الهوية، على غرار الدور الذى يلعبه الجيش فى تركيا، لاسيما أن القوات المسلحة المصرية قد لعبت الدور الأبرز، إبان الثورة المصرية،عندما انحازت إلى صفوف الجماهير، وكانت داعما قويا للثوارالمصريين. من ناحية أخرى فإن المطالبات المتزايدة بالمسارعة فى محاكمة رموز النظام السابق، وإعدام بعضهم، يعد انتقاصا من سيادة القضاء المصرى، كما يعكس أيضا حالة من عدم الوعى لدى الكثيرين ممن خرجوا بمثل هذه المطالبات، التى لا تهدف إلى شىء سوى التشفى، وإثارة المشاعر. فإذا كانت الثورة المصرية قد قامت من أجل تحقيق العدالة، فإن هذا لا يقتضى أن نستبق أحكام القضاء أوالتشكيك فى نزاهته، كما أن المحاكمات السريعة لن تؤدى إلى استعادة الأموال المنهوبة أو المهربة للخارج، وهو ما يظهر جليا فى اشتراط الوفد السويسرى الذى زار مصر على إبراز أدلة واضحة على عدم شرعية تلك الأموال من أجل إعادتها إلى الحكومة المصرية. أعتقد أننا فى حاجة الآن إلى الهدوء وإعادة التفكير من جديد، حول ماهية المرحلة القادمة، وكيفية إدارتها، خاصة وأننا فى مرحلة فارقة فى تاريخ البلاد، ستشكل ملامح وهوية الدولة المصرية فى السنوات القادمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل