المحتوى الرئيسى

مجلس التعاون في عيده الثلاثين: إنجازات وتحديات

05/30 08:17

ذكاء مخلص الخالدي تأسس مجلس التعاون بين دول الخليج العربي أو ما أصبح معروفاً بمجلس التعاون الخليجي في أيار(مايو) 1981 بعد فترة وجيزة من بداية الحرب العراقية - الإيرانية وبروز العراق وإيران كقوى إقليمية ذات قدرات مالية وبشرية وعسكرية لا يستهان بها، ما جعل دول الخليج الست بثرواتها النفطية الكبيرة وعدد مواطنيها القليل وانتشارهم على مساحة واسعة من الأرض، ومحدودية عديد جيوشها، تشعر بحساسية وضعها في مقابل حجم التحديات الأمنية في محيط غير مستقر مثل منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج العربي بخاصة. وأقنعها بالرابط القوي بين أمنها جميعاً والإيمان بمصير واحد. ونص اتفاق المجلس على ثمانية عشر مجالاً من مجالات التعاون بين الدول الأعضاء يمكن إعادة تقسيمها إلى ستة رئيسية هي: السياسة الخارجية والدفاع والأمن والاقتصاد والاجتماع والقانون. وزاد التركيز الذي أظهره المجلس على التعاون في مجالات السياسة الخارجية والأمن والدفاع، من إضفاء الطبيعة الأمنية على الاتفاق وقلص في نظر المراقبين، أهمية الأهداف الاقتصادية المعلنة لسببين أساسيين: الأول، تعثر كل مشاريع التعاون والتنسيق والتكامل الاقتصادي العربي التي بدأت منذ تأسيس الجامعة العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والثاني، تشابه الظروف الاقتصادية والسكانية لدول المنطقة والمتمثلة بطبيعة الأرض الصحراوية غير الصالحة للزراعة وشحة المياه وصغر حجم السوق الداخلية وعدد السكان، وضعف القاعدة الإنتاجية باستثناء النفط والصناعات المعتمدة عليه وتبني سياسة دولة الرفاهية والانفتاح الاقتصادي على الخارج، وارتفاع الميل الحدي للاستيراد بسبب ارتفاع مستويات الدخل وضعف التجارة البينية. لذلك لم يعتبر المراقبون أهداف التكامل الاقتصادي بين دول المجلس عملية مجزية بمفهوم التكامل وظل اعتبارهم الهدف الأمني هو الهدف الطاغي على تأسيسه. لكن اهتمام المجلس بتحقيق أهداف التنسيق والتعاون الاقتصادي ووضع لبنات التكامل الأولى، ظهرت بإنشاء منطقة التجارة الحرة بين دول المجلس في 1983. ولجعل التكامل الاقتصادي عملاً مؤسسياً، تقرر بعد مرور 20 سنة على توقيع الاتفاق الاقتصاد الموحد في 1981، توقيع اتفاق آخر مُحدث في 2001 بهدف تحقيق مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس ضمن برنامج زمني محدد. واعتبر الاتفاق الجديد متطوراً جداً مقارنة بالقديم وتناول قضايا مثل الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والاقتصادي والتكامل التنموي. ويشمل الأخير تنمية الموارد البشرية والتعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والنقل والاتصالات والبنية التحتية. ويمثل الاتفاق نقلة نوعية كبيرة في عمل المجلس بانتقاله من موضوعي التعاون والتنسيق إلى موضوع التكامل الاقتصادي في شكل صريح. كما تضمن آليات تنفيذ الاتفاق والمتابعة وجهاز تسوية المنازعات. ويعتبر أول اتفاق على مستوى الدول العربية يتعرض لموضوع التكامل التنموي، أي أن على الدول المعنية تطبيق سياسات تساعدها على تحقيق تنمية متكاملة في كل المجالات والتي تتطلب التنسيق بين خطط التنمية الوطنية بما فيها الاستراتيجية الشاملة للتنمية الطويلة الأمد. وتنفيذاً لبنود الاتفاق الاقتصادي الجديد، أنشئ الاتحاد الجمركي في الأول من كانون الثاني (يناير) 2003 وكان الهدف الأساس من قيامه تحرير التجارة بين دول المجلس باستعمال تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، ما يسمح بانتقال السلع بين دول المجلس من دون معوقات جمركية أو غير جمركية. وأعطت الفترة الانتقالية 2003-2009 الدول الأعضاء فرصة للتأقلم مع بعض جوانب الاتحاد الجمركي. وأظهرت دراسات مفصلة أعدها المجلس أن قيام الاتحاد الجمركي أثر إيجاباً على حجم التجارة البينية. فبينما ارتفعت بنسبة 7,5 في المئة سنوياً خلال الفترة 1993-2002، قفزت بعد قيام الاتحاد الجمركي لترتفع بمعدل تجاوز 20 في المئة سنوياً. وفي الأول من كانون الثاني 2008 أعلن عن إطلاق السوق الخـليـــجـية المـشـتركة. ولأجـل الـدخـول إلى المـرحـلـة الرابـعـة مـن مراحل التـكـامل الاقـتـصـادي وهـي مـرحـلة الاتـحـاد النـقـدي، وقع اتفاق يـهـدف إلى تـبـني عـمـلـة واحـدة في الأول مـن كـانون الـثـانـي2010. لـكـن التـحـضير وأنواع التـنسـيق المطـلوبة للـوصول إلى هذه المرحلة يعتبر شائكاً ومعقداً وتحتاج دول الخليج إلى الكثير من الإصلاحات النقدية والمالية التي تحكم أعمال البنوك ومتطلبات السيولة وتصنيف القروض. والأهم من ذلك قلة الالتزام بقواعد الوحدة النقدية خصوصاً ما يتعلق منها بالسيطرة على حجم الإنـفاق العـام وتنـويع موارد مـوازنـة الـدولـة وتـوحـيـد المؤســسـات المالية والنقدية، مثل بنك مركزي موحد ومؤسسات أخرى تضمن تنــفيذ الـسـياسات ذات العلاقة على مـسـتوى الإقـليـم. وبـسبب هذه الصعوبات أعلنت دولـتان هـما عُمان والإمارات العربية المتحدة عدم استعدادهما للدخول في الوحدة النقدية حالياً، بينما أجلت بقية الدول الأعضاء إصدار عملة نقدية موحدة إلى عام 2013. ويعتبر مراقبون أن بداية مجلس التعاون الخليجي كانت متواضعة وجاءت عيارات التأسيس بسيطة وموجزة، ولم يكن أحد يتصور أنها سـتتـجسد بـعد ثـلاثـين سـنة بـهـذا الـقـدر مـن الإنجـاز خصوصاً عندما تقارن بمشاريع التكامل العربي الأخرى والتي مر عليها أكثر من ستين سنة. إلا أن هذا لا ينفي أن المجلس سيظل يواجه الكثير من التحديات التي تتمثل في تزايد الاختلاف في معدلات الرخاء الاقتصادي بين الدول الأعضاء متمثلة بمعدل الدخل الـفردي بيـن دول مـثل قـطـر والـكويـت والإمـارات مـن جـهـة، ودول أعضاء مثل السعودية والـبحــريـن وعُمان من جهة أخرى. ففي عام 2008 مثلاً، بلغ معدل الدخل الفردي السنوي في قطر 76,4 ألف دولار وفي الكويت 60 ألفاً، وفي الإمارات 53,4 في مقابل 21 ألف دولار في عُمان و 19,8 ألف في البحرين و 19,2 ألف دولار في السعودية. أما التحديات الأخرى فتـشـمل استمرار الاعتماد على إيرادات الغاز والنفط كمحرك جوهري للاقتصاد على رغم التنوع الذي تحقق في اقتصادات الدول الأعضاء ككل. واسـتمرار الاعتماد على العـمالة الوافـدة فـي وقـت تـرتـفـع مـعـدلات البطالة بين المواطنـين خـصوصـاً الـشـباب المـتعلم. كما لا زالت الإنجازات دون مستوى القرارات، ما يحبط حماس المواطن الخليجي وإحساسه بأنه مركز اهتمام المجلس. ويتطلب ذلك مشاركة أكثر فعالية من منظمات المجتمع المدني في متابعة تنفيذ قرارات المجلس وفي تقويم النتائج دورياً. وأخيراً لا زال الهاجس الأمني الذي تـسـبب في إنشاء المجلس في 1981 هو المـسيـطر عليـه بسبـب ظروف المـنطقة الخاصة والوضع الدولي المضطرب الذي تمثل أخيراً في دعوة الأردن والمغرب إلى الانضمام، ما يزيد تعقيدات التنفيذ ويتـطلب مـراجعة شـاملة للاتفـاقات الموقعة والإنجازات المتوقعة. * نقلا عن "الحياة" اللندنية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل