المحتوى الرئيسى

الإشكال التربوي العربي و الثورات الشعبية بقلم:الخمالي بدرالدين

05/30 21:24

إن طرح إشكالية التربية ، في سياق ما نعيشه اليوم من ثورات شعبية جماهيرية ، وحراك اجتماعي وسياسي هم جميع البلدان العربية ، بنسب متفاوتة في الحدة ، وسقف المطالب ، وطريقة التعاطي التي سلكتها الأنظمة في الرد على الحركات الاحتجاجية ، أصبح أكثر من أي وقت مضى ضرورة قصوى وملحة ، بحكم أن المنظومة التربوية المهترئة التي راهنت عليها الأنظمة العربية ، من أجل تأبيد تمسكها بالسلطة ، قد أظهرت بالملموس مدى ضعفها الوظيفي ، ونتائجها الكارثية على المجتمعات العربية ، لخطورة الظواهر اللاأخلاقية و اللا تربوية التي أنتجتها منذ عقود ، وتجذرت في سلوكيات المواطن العربي ، لتصبح واقعا لا مناص من التعامل معه اليوم بكثير من الصرامة ، خاصة ونحن نرفع شعارات التغيير و الإصلاح و إسقاط الاستبداد و الفساد بجميع مظاهره . وهذا الأمر لا يخص بلداً بعينه ، إلا أن ما يميز كل بلد عربي عن غيره في التعامل مع الظاهرة التربوية ، هي قدرة النخبة المثقفة على طرح الأسئلة و اتخاذ المواقف ، وتحمل المسؤولية التاريخية أمام الشعوب ، لتنبيهها إلى ضرورة إعادة النظر في منظومة القيم ، وبناءها على أسس أخلاقية أصيلة ، مادام الخلل واضح و جلي و بشهادة الجميع ، حتى الآباء و الأمهات و التربويين بعد عقود من الاستلاب الممنهج الذي فرضته المؤسسات الرسمية ، تحت تأثير الايديولوجيا و حكم الحزب الواحد و الرأي الواحد و الزعيم الخالد ، التي شوهت المفاهيم و خلطت المضامين ، و ولدت الخراب المخطط في الاقتصاد و السياسة و الأخلاق . ومدى قدرة هذه النخب على إيجاد إجابات واضحة عن الإشكالات التربوية العويصة، التي فتكت بالسلم و الأمن، وبالحياة الأسرية و الاجتماعية، بحكم اشتغالها المعرفي و الثقافي و مسؤوليتها المبدئية في توجيه الرأي العام و الوقوف بجانب الشعب ، بل و من منطلق مسؤوليتها الموضوعية باعتبارها طرفا في الأزمة و مشاركا في إنتاجها ، كنتيجة حتمية للمواقف السلبية لبعض النخب ، و صمتهم اللامبرر إزاء ما تعانيه الجماهير الشعبية من عسف و شقاء ولن نعدم النماذج إذا أردنا أن نضرب الأمثلة ، إلا أن أخطر ظاهرة تعرفها مجتمعاتنا العربية هي ظاهرة العنف و التعنيف ، وشقائقها من إرهاب و قمع وتعذيب ، وجريمة ، والتي هي وبدون شك منتوجات محلية الصنع ، و التركيب و التسويق ، والماركة مسجلة باسم الديكتاتورية العربية الأسطورية ، التي بدأت قلاعها تتهاوى ولكن لقاء أثمنة مرتفعة تدفعها الشعوب اليوم من دمائها و حياة فلذات أكبادها فالعنف اليوم أصبح هو اللغة السائدة، سواء كان رمزيا أو لفظيا أو فعليا، و أصبح يمس شرائح كبيرة من المجتمع بما فيها الأطفال، مما ينذر بكارثة وشيكة يمكن أن نسقط على إثرها في الهاوية فما شاهدناه خلال الثورتين التونسية و المصرية من عنف موجه ، مارسه النظامان السابقان من خلال بلطجيتهم المسلحة ، والتي تألفت من السوقة و المجرمين و رجال الأمن المستخفين ، أظهر الوجه البشع للأنظمة التي ادعت لعقود أنها حامية الأخلاق و الفضيلة ، وأظهر بالمقابل فئة عريضة من أشباه المثقفين الذين تصوروا بمواقفهم الانبطاحية مع الأنظمة ، أنهم كانوا يدافعون عن الشرعية ، وما شاهدناه بعد ذلك من نهب واعتداء وانفلات أمني ، كان أمراً فائق الغرابة ، بعد ظهور مجموعات مذهبية وايديولوجية ، تريد الانحراف بالثورة خاصة في مصر، نحو مسارات العنف و الفتنة الطائفية . بل إن موضة إحراق الذات ، لم تبقى محصورة في بني البشر ، بل انتقلت لتجرب على أجساد الحيوانات المسالمة كتأثير سلبي رهيب للظاهرة على سلوكات الأطفال ، خاصة إذا علمنا أن عدد الذين أقدموا على حرق ذواتهم من أجل أهداف سياسية أو اجتماعية ، قد فاق العشرات منذ أن أطلق شرارتها محمد البوعزيزي رحمه الله بتونس . لذلك فالإشكال التربوي حاضر بثقل كبير ، في معادلة الصراع الذي تخوضه الشعوب اليوم ضد الديكتاتورية ، من جهة لأن الأنظمة و الحكام في النماذج الماثلة أمامنا ، أبانوا عن انحطاط أخلاقي رهيب ، وعن سقوط مدوي على مستوى الخطاب و الممارسة ، وعن لجوء هم المباشر إلى استخدام العنف كإجابة وحيدة اتجاه المطالب الشعبية بالإصلاح . ومن جهة أخرى لأن الشعوب ، وبقدرة خلاقة على إخراج الجميل و الطاهر فيها و في قلوب أبناءها الشرفاء ، لم تعد تقبل بالانحراف السلوكي و الأخلاقي والمذهبي ، الذي لا زالت بعض مظاهره تطفو ، لتعكر صفو الثورات ونقاءها ، بل إن بعض تلك الانحرافات هددت بالقضاء على مكاسب الثورة ، خاصة في مصر ، حيث تحاول فلول النظام السابق اللعب ، على التناقضات المذهبية و الدينية ، لدفع المجتمع للاقتتال الطائفي و إشعال حرب أهلية بين أبناء الوطن الواحد. لذلك فالثورة لن تكتمل ، إلا إذا حملت إجابات حقيقية على الإشكالات و الظواهر الأخلاقية المزمنة ، لأن التأطير الشعبي على ثقافة السلم لا العنف و التربية على المفاهيم الوطنية ، التي ترتفع بالوطن عن المزايدات السياسية المرحلية ، ليس فقط رهينة بزوال الأسباب المتمثلة في النظام و الحاكم ، بل بزوال الآثار و الرواسب التي تراكمت منذ عقود في سلوك الأفراد و المواطنين ، وفي صلب المؤسسات التربوية ، كالأسرة و المدرسة و الجامعة والطائفة الدينية و القبيلة التي تحتاج إلى التغيير و إسقاط أنظمتها ، التي أنتجت بالتوازي مع الأنظمة ، جملة من الظواهر التي كانت إلى أمد بعيد ، غريبة عن مجتمعاتنا ، التي نفتخر بكونها مسلمة . كما أنه بالنسبة لبعض الشعوب العربية التي مرت بتجربة مريرة من الصراع ، مع ظاهرة الإرهاب كالصومال و اليمن و الجزائر ، أصبح الرهان على التغيير السلمي خيارا استراتيجيا وتربية المواطنين على نبذ العنف بشتى أنواعه ، و مواجهة مظاهره مسؤولية تاريخية تحملها النخبة على عاتقها من أجل التغيير الايجابي ، وعدم السقوط في فخ السلطة التي جعلت من ممارسة العنف وسيلتها المفضلة لقيادة الشعوب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل