المحتوى الرئيسى

الصناديق الخاصة.. باب خلفي للفساد و"سرطان" الموازنة في مصر

05/29 15:40

القاهرة - دار الإعلام العربية شن خبراء اقتصاديون وقانونيون هجومًا حادًا على "الصناديق الخاصة"، مؤكدين أن هذه الصناديق أصبحت بمثابة بوابة خلفية للفساد وإهدار المال العام، كما اعتبرها الخبراء ستارًا للمسئولين السابقين في نظام الرئيس المصري السابق من الوزراء والمحافظين ومديري الهيئات الخاصة للاستيلاء على أموال المواطنين، موضحين أن موارد هذه الصناديق تأتي من الرسوم التي يتم فرضها على المواطنين، ويتم توزيعها على المحظوظين بالدولة في شكل مكافآت وحوافز وهدايا. ووصف الخبراء هذه الصناديق بـ"السرطان" لعدم وجود أي تقديرات لحجم الإيرادات والمصروفات بها، بالإضافة إلى غياب الشروط المحاسبية التي يمكن من خلال مراقبة الأموال في هذه الصناديق، وطالبوا بضرورة خضوع هذه الصناديق لجهات سيادية وإدخالها ضمن إطار الموازنة العامة للدولة لضمان الشفافية. جاء ذلك في الوقت الذي تبرّأ فيه د. سمير رضوان، وزير المالية المصري، في تصريحات سابقة، من جملة الاتهامات التي رصدها تقرير الجهاز المركزي المحاسبات في مصر أخيرا -وهو جهاز رقابي يتبع الحكومة المصرية، حيث كشفت تقارير الجهاز عن أن إجمالي أرصدة الصناديق يقدر بمبلغ 1272مليار جنيه (الدولار الأمريكي يساوي 5.92 جنيه مصرية)، وأن قيمة المخالفات فقط التي تم حصرها في إنفاق حصيلة هذه الصناديق بلغت نحو 3955 مليون جنيه، وأكد الوزير المصري أن الوزارة تراقب تلك الصناديق لكن ليست لها سيطرة عليها؛ لأنها خارج الحساب الموحد للموازنة المصرية. وقال إن إجمالي أموال الصناديق الخاصة يبلغ حاليا 36 مليار جنيه فقط وليس 1272مليار جنيه كما كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو دليل آخر على التضارب في الأرقام الذي تظهره تصريحات المسئولين المصريين في الفترة الأخيرة، إلا أن وزير المالية المصري كشف عن نية الوزارة إدخال أموال تلك الصناديق في الموازنة العامة. الباب الخلفي للفساد أكد د. عصام درويش، عضو المجالس القومية المتخصصة في مصر، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مالك للتنمية الإنسانية، في تصريحات خاصة لـ"العربية نت"- أن الصناديق الخاصة بمثابة مجموعة من الموارد والرسوم المالية التي يتم فرضها على المواطنين ووضعها في صناديق تتبع عدة جهات، وقال إنه بالرغم من أن الهدف من هذه الصناديق هو أن تتجه مواردها لسد العجز في الموازنة العامة للدولة والصرف على الخدمات المقدمة للمواطنين، إلا أن صرف هذه الأموال يتجه ليأخذ مسارات أخرى، حيث تصرف على المحظوظين في الدولة على شكل مكافآت وحوافز وهدايا. أشار "درويش" إلى أن أموال تلك الصناديق توجد خارج إطار الموازنة العامة، مما يضعها في موضع شبهات، نظرا لأنها لا تخضع لأي جهات رقابية، ، موضحا أن تلك الأموال تُحَصّل من جيوب المواطنين البسطاء عبر رسوم الطرق "الكارتة" والغرامات والطوابع، رسوم النظافة، تذاكر المستشفيات، رسوم دخول الأماكن السياحية، مواقف السيارات، والدمغات الحكومية، بالإضافة إلى الرسوم الدراسية بالكليات والمعاهد، فضلا عن رسوم تأمين استخراج اللوحات المعدنية للسيارات. ووصف درويش الوضع الحالي لتلك الصناديق بأنه "كارثة"، قائلا: إن أي دولة في العالم تفصح عن كل ما يُحصل من أموال من المواطنين، وما تحصل عليه من إيرادات وما تنفقه من مصروفات، مطالبا بضرورة بدخول أموال هذه الصناديق في إطار الموازنة العامة، ووجوب المشاركة الفعالة في صياغة ورقابة الموازنة العامة من جانب قوى المجتمع المختلفة، بما يتطلب المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية، وبالتالي الشفافية المطلقة في عرض جهود الموازنة وليس فقط للأغراض الاقتصادية. لغز كبير فيما شن د. حمدي عبدالعظيم ـ رئيس أكاديمية السادات سابقا، الخبير الاقتصادي، هجومًا حادًا على هذه الصناديق، قائلا: إن أموال هذه الصناديق لا تذهب إلى الموازنة العامة للدولة، بل تعد "الباب الخلفي" للفساد وإهدار المال العام، موضحًا أن كل صندوق يحصل منه المسئولون على ملايين الجنيهات شهريا؛ نظرا لأنه لا توجد رقابة على هذه الصناديق، واعتبرها حمدي الستار الذي يحصل منه المحافظون والوزراء ومديرو الأمن وكل المسئولين في المحليات على ملايين الجنيهات شهريا، مناشدًا وجود رقيب وسلطة تنفيذية تخضع لها تلك الصناديق. وفرق "عبدالعظيم" بين ثلاثة أنواع من الصناديق، أولها صناديق الاستثمار في البورصة، وثانيها صناديق التأمين التكميلي وعددها حوالي 600 صندوق، وثالثها صناديق المحافظات، موضحا أن النوع الثالث الخاص بالمحافظات مبهم ولا توجد عنه معلومات كثيرة، في حين أن النوعين الأول والثاني يمكن بسهولة الحصول على المعلومات الخاصة بهما. ووصف صناديق المحافظات بأنها تحولت إلى لغز كبير، موضحا أن وزارة المالية تشرف بالفعل على الصناديق الخاصة، لكن وزير المالية حينما يعطي إذنًا بالصرف يعطي موافقة إجمالية، أي لا يعرف أين تُنفق هذه الأموال بالتحديد، مشيرا إلى أن هذه الصناديق ظهرت للتغلب على نقص اعتمادات وزارة المالية المخصصة للإنفاق على المشروعات. واعتبر د. حمدي أن هذه الصناديق تمثل أحد مبتكرات النهب الرسمي، وهي بمثابة أوعية موازية تتبع الوزارات أو الهيئات العامة وتنشأ بقرارات جمهورية؛ لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد لتحسين الخدمات التي تقدمها الهيئات العامة، لكن هذه الحصيلة لا تدخل إلى خزينة الدولة ولا علاقة للموازنة العامة بها، ومن ثم فلا تعرض تفاصيلها على مجلس الشعب، رغم أنه من المفترض خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات. سداد ديون مصر من ناحيته يقول د. عاطف سالم، أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس، إن قانون الموازنة ينص على أن تشمل الموازنة كل الإيرادات والمصروفات، فالموازنة العامة في مصر تتضمن فقط 20% من الإيرادات التي تمثل الضرائب وعوائد قناة السويس والبترول والهيئات الاستثمارية، أما 80% من الإيرادات فتذهب إلى الصناديق الخاصة، التي وصلت أموالها إلى 1272 مليار جنيه، وفقا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الأخير، موضحا أنه يُنفق جانب كبير منها في نشر إعلانات تهانٍ وتعازٍ ومكافآت لبعض العاملين المنتدبين من جهات أخرى أو تجهيز قاعات ومكاتب وشراء أراضٍ، وصرف كامل حصيلة بعض الصناديق كمكافآت دون الصرف على باقي أغراض الصندوق، مثل صندوق حصيلة تراخيص إنشاء مصانع الحديد والإسمنت، التي تم منح نسبة 1% من حصيلة حسابي الحديد والإسمنت للعاملين بالهيئة العامة للتنمية الصناعية والتي بلغت نحو 10.28 مليون جنيه بالمخالفة لأحكام المادتين 209، 224 من اللائحة التنفيذية لقانون الموازنة العامة للدولة. وأضاف "سالم" أن المادة (20) من القانون أعطت لرئيس الجمهورية الحق في إنشاء صناديق خاصة لأغراض محددة بإيرادات محددة.. وتُنشأ خارج الموازنة العامة للدولة.. وهذا التوسع في إخراج أموال عامة خارج نطاق الموازنة العامة للدولة لم يقتصر على سلطة رئيس الجمهورية وإنما تعددت القوانين التي تنص على هذا، فمثلا قانون الإدارة المحلية يعطي الحق لرؤساء القرى أو المراكز أو المحافظات في إنشاء صناديق خاصة لا تخضع أيضا للرقابة الحكومية، لذلك حدث توسع كبير في إنشاء الصناديق المالية،حتى أصبح من الصعب حصرها، لدرجة أن تقرير الجهاز المركزي قال إن ما أمكن حصره منها بلغ حوالي 10 آلاف صندوق. وقال إنه يمكن الاستفادة من هذه الصناديق في سداد ديون مصر، وزيادة الرواتب لتصل إلى المستويات العالمية، وإصلاح التعليم والصحة والنقل والمواصلات، وتحويل الموازنة من العجز إلى الفائض، لو أحسن استغلالها بالشكل الأمثل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل