المحتوى الرئيسى

حمدى رسلان يكتب: مصر فى كرب

05/28 08:25

مصر الآن تمر بأصعب الأوقات عبر تاريخها المعاصر، فتجربة الديمقراطية الوليدة يجب أن تأخذ وقتها، وستظهر معها بعض السلبيات التى يجب أن نتفادها فيما بعد، ولكن للأسف لا الوقت ولا الظروف يسمحان لنا بأخذ هذا الوقت، حتى نصلح من أنفسنا ومن أخطاء التجربة التى نمر بها. سرعة الأحداث وتطورها وتلاعب بعض قوى الشر داخلياً وخارجياً، والجهل السياسى المتمثل فى البعد عن الحياة السياسية لعامة المصريين طوال عهودٍ ماضية نتيجة سياسات متعمدة ذلك، ثم الجهل الهجائى والمتمثل فى الأمية ونسبتها المرتفعة بين المصريين مما يجعلهم عجينة سهلة التشكيل من أى تيار سياسى أو أى جهة أخرى، وتجعل آراءهم آراء منقادة وراء آراء الآخرين، الذين ربما تخلص نواياهم أو لا تخلص لخدمة هذا البلد وأهله. وحكومة تسيير الأعمال برئاسة "شرف" ليس بيدها عصا سحرية لعلاج أخطاء السياسات السابقة للنظام البائد فى عدة أشهر، لأنها أخطاء متشعبة، ولها جذور ممتدة فى كل مجالات الحياة بمصر، حتى إنها أثرت بالفعل على تفكيرنا وسلوكنا، وفى بعض الأحيان عدم ثقتنا فى تصديق أى كلمة أو تصريح لمسئول. وتحميل هذه الحكومة كل العبء الثقيل ومطالبتها بنتائج فورية وإيجابية يشعر بها كافة المصريين، هو ظلمٍ لها، بل تحجيم لقدراتها واستعجال لفشلها، لأنها تضطر فى النهاية تحت ضغط المطالب أن تسلك طريق الاقتراض من البنك الدولى الذى بالطبع سيضع شروطه التى تضر فى النهاية بمصلحة المواطن البسيط. وقد تضطر فى سبيل الإصلاح السياسى الذى تطالب بهِ جميع القوى السياسية الداخلية أن تضع بعض القوانين المتسرعة التى لم تستوف جوانب الدراسة اللازمة لها، مما يجعلها بحاجة إلى مراجعة من جديد لتفى بمتطلبات كافة القوى السياسية، وبذلك يضيع بعض الوقت والجهد بلا فائدة نتيجة التسرع. ثم الشىء العجيب وهو سرعة إنشاء أحزاب جديدة وكثرة عددها، لنخرج من نطاق المعنى اللفظى للكلمة وهى (حزب) لتتكون فتات أحزاب كلُُ منها يتألف من عدة آلاف، بدلا من أن نتجمع فى ستة أو سبعة أحزاب قوية، ولكن للأسف أصبح صاحب كل فكر رئيس حزب، وأصبح لكل حزب حزمة تدافع عنه وعن مبادئه وتحاول جذب التوكيلات لزيادة عدد الأعضاء، وبدأ الحلم بمقاعد مجلسى الشعب والشورى فى الانتخابات القادمة، ولبعض الأحزاب الحلم بكرسى الرئاسة. أما أخطر الكُربات التى تمر بها مصر، فهى كربة تسييس الدين (المسيحى والمسلم فى آنٍ واحد) فظهور السلفيين بهذه القوة أو الدفع بهم لمقدمة الأحداث، وتصويرهم على أنهم همج ومتوحشون ورافضون للدين المسيحى، هو مقصود من بعض القوى التى تعمل فى الظلام بعد أن كانت تسند هذا الدور من قبل للإخوان المسلمين، وبعد انكشاف أمرهم وحرق ورقة الإخوان عندما انخرط الإخوان فى الحياة السياسية، كان لابد من وجود البديل لهم، وبالطبع كان السلفيون هم الأقرب للعب هذا الدور. أما الإخوة المسيحيون، فهم الضلع الأضعف فى هذا الوطن، وهم من تلعب بهم أصابع الفتن، فيكفى لإثارة فتنة وإشعال نارها، أن تحرق كنيسة أو تفجرها، أو أن تقتل مسيحيا خارجا من كنيسته بعد الصلاة، أو حتى التهديد بفعل ذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة، ثم نسبتها لجماعة ما أو فصيل ما من هذا الوطن. ولذلك أراد الإخوة المسيحيون التمسك بالفرص المتاحة لنيل حقوقهم، والتعبير عن تخوفهم حول توجه الدولة نحو التيار الإسلامى، لأنهم ظنوا أن هذا التيار سيقضى عليهم فى سنوات أن وصل إلى الحكم، فبدأوا بتشكيل تيارات موازية، وأصبحت البلاد تتجه (لمسلم مصرى) و(مسيحى مصرى). وأصبحنا نرى مظاهرات تحمل شعار الدولة الإسلامية وتطبيق شرع وحدود الله، ومظاهرات واعتصامات تحمل الصليب وصورة العذراء تعلن تخوفها من الطرف الآخر، وأصبح الطرفان خصمين، فى ظل تشدد واضح من بعض الإسلاميين فى الداخل، وتطرف وتصلط فى الآراء من بعض أقباط المهجر وبالتحديد فى الولايات المتحدة، ليقود هذان الطرفان سفينة الوحدة الوطنية نحو الغرق فى بحرٍ من الظلمات والمستقبل المجهول. ونسى الجميع أننا لا نتكلم عن شريعة أو دين، وأننا لا نفاضل بين الأديان ولا نختار أخيرها، ولكننا نتحدث ونتحاور ونتناقش حول مصير وطن وأمّة ظلت على مدار التاريخ متماسكة وقوية، أراد الله لها أن تمر بكبوة فى هذا التوقيت من الزمان، وتريد مساعدة أبنائها حتى تنهض من هذه العثرة والكبوة، ولن تسأل هذه البلد هذه الأيدى التى مدت لها لمساعدتها، هل هى أيدى مسلمة أم أيدى مسيحية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل