المحتوى الرئيسى

سؤال القلق: مصر رايحة على فين؟

05/28 08:03

كما كان يحدث طوال السنوات الخمس الأخيرة، استوقفنى مواطن فى الطريق ليسألنى دون سابق معرفة: هى مصر رايحة على فين؟.. وهو سؤال عاد ليشغل الناس ويضغط على أعصابهم، بعد أن ساد الظن أنهم عثروا على إجابة له فى ميدان التحرير يوم 25 يناير.. فإذا به يعود ليطل برأسه بقوة.. وكأن شيئاً لم يحدث. ولم تختلف إجابتى عما كنت أقوله وأكتبه كلما وجه إلىّ هذا السؤال، وخلاصتها أن مصر ستتجه إلى حيث يريد المصريون، وأن عليهم أن يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم، وليس على غيرهم، وأن يبحثوا عن إجابة مشتركة له فيما بينهم، حتى لا يبدو كأنهم يبحثون عمن يختار لهم المسار الذى تتجه إليه سفينة الوطن. ولا معنى لعودة هذا السؤال لكى يلح على الناس إلا أنهم تنبهوا إلى أن ما حدث فى ميدان التحرير كان إجابة عن سؤال آخر، هو: لحد إمتى ح نفضل ساكتين ع الجماعة دول؟.. أجابوا عنه بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام».. وهو ما تحقق بالفعل، وغار النظام فى ستين داهية، ليحل محله فراغ شبه كامل سياسياً، وأمنياً، وفكرياً، وإدارياً، واستثمارياً، ملأه البلطجية والأرزقية ومثيرو الفتن الطائفية.. بينما أحلام الناس بوطن متحرر من القهر والحاجة.. ترفرف فى سمائه أعلام العدل والحرية، لاتزال مقيدة فى جدول أعمال التاريخ.. فكان طبيعياً أن يعودوا للتساؤل: هيه مصر رايحة على فين؟ شواهد كثيرة تراكمت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، تؤكد أن المصريين لم يعثروا ـ حتى الآن ـ على إجابة مشتركة لسؤال المستقبل، ولم ينجحوا بعد فى امتحان التوافق السياسى، آخرها ما حدث فى الأسبوع الماضى، ومن عناوينه البارزة: ■ مؤتمر مصر الأول الذى دعا إليه «المهندس ممدوح حمزة» يفشل فى إعلان أسماء المجموعة الأولى من أعضاء المجلس الوطنى الذى قرر المؤتمر تشكيله لكى يكون مجلساً استشارياً يعاون المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارة شؤون البلاد.. بسبب اعتراضات على بعض الأسماء المختارة. ■ مشادة فى الجلسة الأولى للحوار الوطنى، الذى كلف مجلس الوزراء «د. عبدالعزيز حجازى» بإدارته، بسبب اعتراض ممثلى ائتلاف شباب الثورة على مشاركة أعضاء سابقين فى الحزب الوطنى المنحل والمحظور فى الجلسة، تنتهى بانسحاب الائتلاف من الحوار وإعلانه أنه سينظم حواراً موازياً فى إحدى المناطق الشعبية. د. حجازى يتهم الداعية «صفوت حجازى» ـ الذى وصفه بأنه مقرب من رئيس الوزراء ـ بأنه يقود مؤامرة لإفشال الحوار. جلسات الحوار تنتهى من دون إصدار توصيات، والإخوان المسلمون يتهمون د. حجازى بأنه حجب التوصيات ولم يطرحها للتصويت لأنها لا تتفق مع آرائه، ويقررون عدم المشاركة فى جولات الحوار التى ستجرى فى المحافظات وينسحبون منه. ■ الإخوان المسلمون يقاطعون «مؤتمر الوفاق الوطنى» الذى كلف مجلس الوزراء «د. يحيى الجمل» بإدارته، يعاونه اللواء «ممدوح شاهين» ـ عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ـ لأنه يتناول المسألة الدستورية، وهى فى رأيهم مهمة اللجنة التأسيسية التى سيشكلها مجلسا الشعب والشورى القادمان.. ومشادة فى الجلسة الثانية منه، تدفع «د. يحيى الجمل» للتحذير من مؤامرات تستهدف إفشال الحوار. ■ خلاف حاد بين القوى التى شاركت فى الثورة، حول الدعوة لمليونية أمس فى ميدان التحرير، وحول أهدافها، بين الذين وصفوها بأنها محاولة للوقيعة بين الثورة والقوات المسلحة، وقاطعوها ومنهم حزب الوفد، والإخوان المسلمون، والسلفيون، وعدد من ائتلافات واتحادات شباب الثورة، والذين دعوا إليها أو وافقوا على المشاركة فيها ومنهم حزبا التجمع، والجبهة الديمقراطية، وعدد كبير من ائتلافات واتحادات شباب الثورة.. والإخوان المسلمون فى الإسكندرية يقررون إقامة مليونية موازية تعترض على مليونية التحرير. تلك كلها شواهد تؤكد الحقيقة التى كانت معروفة قبل 25 يناير، وهى أننا نحن المصريين، كنا نعرف جيداً ما لا نريده، ونتفق جميعاً أن النظام الذى كان قائماً لم يعد صالحاً للبقاء، لكننا لم نكن ـ قبل 25 يناير ـ نعرف جيداً ما نريده، ولم نتفق على الحد الأدنى من ملامح النظام السياسى الذى يحل محله، لذلك عجزنا ـ حتى الآن ـ عن ملء الفراغ الذى ترتب على رحيله، فنحن مختلفون حول مدة المرحلة الانتقالية، وعلى مهامها، وعلى الجهة التى تديرها وعلى أسلوب هذه الجهة فى إدارتها وعلى أولوياتها: هل نبدأ بإجراء الانتخابات أم بوضع الدستور؟! ونحن مختلفون حول طبيعة النظام السياسى الذى يأتى به هذا الدستور، هل يكون رئاسياً نقياً أم برلمانياً نقياً، أم مزيجاً بينهما وبأى نسبة؟! ومختلفون حول هوية الدولة التى يقيمها.. هل هى دولة دينية خالصة كما يدعو إلى ذلك السلفيون، أم دولة مدنية خالصة كما يسعى لذلك الليبراليون، أم دولة دينية بطربوش مدنى كما يطالب الإخوان المسلمون؟! وبسبب هذه الاختلافات، عاد سؤال القلق: مصر رايحة على فين؟.. ليشغل الناس، وحسم هذه القضايا ليس مهمة رجل الشارع، الذى لا يعنيه إلا أن يعيش حياة كريمة تخلو من القهر والفقر، ولكنه مهمة النخب السياسية، التى ينبغى عليها أن تعود جميعاً إلى مائدة الحوار وأن تتوصل إلى مشتركات وطنية لكل هذه الأمور، يتحدد على أساسها سيناريو المستقبل، فالثورات لا تستحق هذا الاسم، إلا إذا زرعت على أنقاض الماضى زهور المستقبل!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل