المحتوى الرئيسى

الوظيفة الاجتماعية للمكان في عائد إلى حيفا بقلم:د.حسين ابو النجا

05/27 12:38

د.حسين ابو النجا تعتبر رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني واحدة من الروايات الفلسطينية القليلة التي يفرض فيها المكان نفسه من خلال العنوان ، ومن هنا فان المكان يستمد " قيمته من نظام النص الذي ينتمي إليه""1 ، ومعنى هذا أن المكان هو الذي يحدد الهوية وهو الذي تدور حوله الدلالات والمعاني المختلفة من خلال " إدراجه في سياق محدد""2". وأول ما يلفت النظر في المكان ان حيفا ليست مكانا عابرا في حياة سعيد س، وإنما هي مستقرة في وجدانه لا تكاد تتزحزح قيد أنملة ، تتذكر التفاصيل الدقيقة للغاية دون أي خطأ على الرغم من مرور عشرين عاما ، وعلى الرغم من كل التحولات الاجتماعية والسياسية التي ما فتئت تتوالى خلال العشرين عاما التي تحدثت عنها الرواية، ومن البديهي انه ستترك "أثرها على المكان"3" ، وأنها "تتضمن معان عديدة"4". إن أهمية المكان في عائد إلى حيفا لا تكمن في التفاصيل الكثيرة أشارت إليها الرواية بقدر ما تكمن في الخروج من حالة الاندهاش إلى حالة الوعي التدريجي، فالمتتبع يلاحظ أن سعيدا يتحول كلما تطور الحدث من حالة إلى حالة وهو يجابه المكان الذي يحيل عليه عنوان الرواية"5" ،، وان الوعي يتدرج في كل مرحلة نتيجة " لحسه المكاني"6" إلى أن يصل إلى النضج عندما يتمنى أن يكون ابنه خالد قد التحق بالكفاح المسلح ،مما يؤكد أن ما حدث في حيفا "في غياب الفضاء الوطني "7" قد أحدث نقلة نوعية في درجة الوعي السياسي والاجتماعي معا. وإذا كانت المدينة بعامة هي المكان الذي تلتقي فيه الأعراق المختلفة فانه في عائد إلى حيفا ملتقى أعداء ، ومن هنا فانه يخلق مجاورات جديدة تتكشف عن لوحة للعالم مشبعة بضرورة داخلية حقيقية" 8" . والباحث في مكونات المكان في عائد إلى حيفا يمكن أن يميز بين ثلاثة أنواع من الأمكنة ، مكونات ذهنية خارجة عن الحدث ولكنها موجودة في وجدان الشخصية لنحو من عشرين سنة ، ومكونات واقعية تلقي بظلالها على النص ولكنها خارجة لا تدور فيها الأحداث ، ومكونات واقعية داخل النص تجري فيها الحوادث ""9، وتؤدي وظيفة التهذيب والترتيب"10". ومن المؤكد أن هذه المكونات الذهنية هي الأماكن التي تقدم المكان من خلال الذاكرة والمخيلة"11" وهي التي تشغل مخيلة سعيد من اجل المحافظة على الهوية والانتماء،بينما المكونات الواقعية خارج النص توحي وتنبي بما سيقع قبل الدخول إلى الحدث ،أما المكونات الواقعية فهي التي يعيشها من خلال الرواية من حين الدخول إلى لحظة الخروج ، وهي التي تهتم بالتنظيم الدرامي للأحداث"12" . وإذا تتبعنا المكونات الذهنية نجد انها كثيرة منها :– الهادار- تلال الكرمل العالية - شارع هرتزل- المركز التجاري- شارع النبي- شارع ستانتون- المرج الذي كان مرج بن عامر- مستشفى اوغست فكتوريا- الميناء- الأزقة المتفرعة عن الشارع الرئيسي المتجهة إلى الميناء- البوابة الحديدية للميناء- بيت غاليم - وادي النسناس-شارع الملك فيصل-ساحة الحناطير- الحليصة- رام الله- شارع الحلحول-الرصيف الواطي - أشجار السرو الثلاثة التي تنحني قليلا فوق الشارع- بيت الخوري- شارع الملوك. وواضح أنها من الكثرة إلى حد يصعب معه التأكيد على أي منها دون الوقوع في خطا الاختيار،وان المراد بهذه الكثرة هو تجسيد المكان تجسيدا إنسانيا موضوعيا""13 من ناحية ، وإراحة النفس من جهة أخرى حين تعايش الذكريات بالغة القدم"14"، فيتأكد الإحساس " الضمني بالمكان"15" وواضح أنها تجمع بين المفتوح والمغلق، والمتصل والمنفصل، والقريب والبعيد ، والمرتفع والمنخفض ، وأماكن الإقامة الدائمة التي تفيد الاستقرار وطلب الأمن "16" ، وأماكن الإقامة الوقتية القابلة للتغيير بفعل الزمان "17" وأماكن الانتقال‏ العامة وأماكن الانتقال الخاصة ، الأمر الذي يحيل إلى فضاء أوسع واشمل من المكان "18"، ويوحي بان القضية وان كانت تبدو في الظاهر قضية مكان الا أنها في الحقيقة"قضية كيان"19"،وان بإمكان الإنسان "من خلال الحركة الفكرية والخيالية"20" تحقيق "الانتماء الحميمي""21. وبديهي أن الجمع بين الأمكنة القريبة والبعيدة تأكيد" للوجود وتثبيته"22" فيما يوصف بالمنفى والوطن"23"، أما فيما يتعلق بالأمكنة العالية والمنخفضة فإنها تتعلق بالسمو والضعة والحلم والواقع والتوازن والتكامل "24" والتجربة الأدبية للكاتب "25" حيث يتحول المكان إلى مرآة ترى فيها الأنا صورتها"26"، و تعبير عن الحنين إلى الفضاء الأول"27" مقابل حالات الانهيار والضياع "28" في المنافي، ومن هنا فإنها يمكن ان تعكس "مسائل العصر29"" الفلسطينية. ولا شك أن "اتساع الشعور والقدرة ""30بين المدينة الأصل والمدينة الفرع يولد الإحساس المؤلم بين حلم الوطن وحقيقة المنفى"31"، ومن هنا فانه لا بد أن يحمل أيديولوجية معينة "32" تلازم بين فعل المكان في الزمان ورد فعل الزمان على المكان"33". وإذا أضفنا إلى هذه المكونات ما هو بين الذهن والواقع مما لا يؤثر على الحدث من قريب ولكنه يوحي بدلالات تفيد الشمول والعمق 34" " مثل: البوابة الحديدية الخضراء- الدرج - لاقطة الباب النحاسية - خربشات أقلام الرصاص على الحائط- صندوق الكهرباء - الدرجة الرابعة المكسورة من وسطها - حاجز السلم المقوس الناعم الذي تنزلق عليه الكتف - شبابيك المصاطب ذات الحديد المتصالب- الباب الخشبي المغلق والمدهون حديثا والمغلق بإحكام-غيروا الجرس- قرقع المزلاج بصوت مكتوم . ولا شك أن الجمع بين مختلف الأمكنة الممتلئة التي كانت منذ عشرين سنة وبالضبط حين وقعت الإحداث ، وبين ما يقترب من الحدث يمكن أن يقترب من معنى الوطن مكانا في علاقته الضدية بالمنفى"35" وبديهي أن هذه الأماكن لا يستخدمها سعيد وحده وإنما يستخدمها كل الذين يسكنون معه في البناية،ومن المؤكد أن العزف على المفرد والجمع يفيد "استشراف ما يحتمل وقوعه"36". وواضح أن السكن في بناية يوحي بأن القضية ليست فردية بقدر ما هي جماعية ، وان العودة إلى البيت لا طعم لها إذا اكتسبت طابعا فرديا ، فالبناية بأهلها جميعهم وليس بعضهم دون البعض الآخر مع ما في البناية من دلالة على الوطن حتى لا تكون مجرد كلام بلا معنى "37" ومن المنطقي أن السكن في عمارة متعددة الطوابق يعني أن المجتمع كان قد تحول من مفهوم البيت والدار إلى ما يسمى بالشقة ، وهي عادة مرحلة تدل على ان التغير قد أصاب المجتمع العربي في الصميم ، وان تكاليف المعيشة قد ارتفعت ، وان السكان في زيادة ""38. وإذا كان استخدام السلم تعبيرا رومانسيا واقعيا في الرسم، فان تقوسه ونعومته التي تنزلق عليها الكتف يفيد النظام من ناحية ،ويضفي البهاء من ناحية ثانية ولو على المستوى البصري قبل أن يدل على الصعود والرفعة والتمتع بالإنشاءات الجمالية حين يصل إلى البيت ويطل عليها فتعود للوجود وجاهته"39". ومن المؤكد أن وضع بوابة حديدية خضراء للبناية لا يخلو هو الآخر من دلالة ، ومن المعروف أن البوابة حماية للبناية من التلصص ، فهي تخفي ما يمكن أن يحدث في الداخل، وهي من جهة أخرى توحي بان الإسرائيليين لا يراعون الحرمة وأنهم لا يرتدعون عن تجسيد ما أرادوه بشكل سافر وخبيث"40 " رغم وجود الحديد. ولا شك أن جعل الباب خشبيا ومغلقا بإحكام يتوغل في الدلالة على أن ما سيقع من حوار نوع من السراب ، وان الإغلاق بإحكام يوحي بان العلاقة بين القادمين والساكنين أكثر من هشة وعدائية41""، وان من المستحيل الوصول إلى قناعات مشتركة مهما تم من تنازل ، وإن الحدود التي فتحت بعد الحرب ستغلق بعد أن تأكد انه لا شيء حقيقيا قد تغير، وانه كان بإمكان الناس أن يجعلوا بلادهم أفضل مما رأوها بالفعل لان علاقتهم بها متوغلة في لا شعورهم "42" بينما لا يكاد الآخر يحس بها على الإطلاق. أما قرقعة المزلاج بصوت مكتوم فهي تعبر عن معاناة "43" قادمة سيلقاها كل من سعيد وصفية معا حين يصطدمان بالواقع الجديد بعد عشرين سنة ، وتعطي الانطباع بأنه لا مجال مطلقا لأي أمل مما يؤكد من جديد أن الرواية تتحرك في فضاء "44" القحط بمعنييه الحقيقي والرمزي.وإضافة إلى ذلك فان تغيير الجرس انتقال من الجزئي إلى الكلي ، ومن الاتساع إلى الضيق ، نعم أن التغيرات أمر طبيعي فالأشياء لا تستقر على حال ، ولكنه في مثل ما تذهب إليه الرواية لا يزيد عن ان يكون تجنيا على التاريخ وسفرا إلى المجهول ، الأمر الذي يقطع تماما كل جسور التواصل والخلاص "45"، ومن الطبيعي أن التغيير بمعنى من المعاني محاولة لتأكيد الإحساس بالغربة الذي تحس به مريام البولندية منذ أن سكنت البيت ، وان هذا الإحساس يحسم المسالة ،وأن الانقسام الجدلي "46" ليس أكثر من مسالة وقت لا غير. وإذا انتقلنا إلى الأمكنة الواقعية فإنها اقل بكثير مما سبق ، و لا غرابة في ذلك لان المدينة في ذهن الشخصية ،ولان من طبيعة البيت المحدودية في الفضاء إضافة إلى أن الأحداث تفرض هي الأخرى منطقها الخاص فتقلل من الأماكن بما يتناسب مع الحدث ، وذلك حتى لا تكون كثرة الأمكنة عبئا على البنية السردية من جهة ،وحتى يتم من ناحية ثانية التعاطي معها بجدية"47". وتتكون من غرفة جلوس فيها خمسة مقاعد اثنان قديمان وثلاثة جدد ، وطاولة مرصعة بالصدف عليها مزهرية من خشب فيها خمس ريشات طاووس ، وعلى إحدى الجدران صورة للقدس يقابلها سجادة شامية صغيرة ، أما الستائر فقد كانت ذات خطوط زرقاء متطاولة . ولا شك أن جعل الحدث يدور في البيت دون أي مكان آخر مرده أن الشخصية مرتبطة بالبيت والأسرة والعائلة، وعلى اعتبار أن البيت مكان اجتماع على المحبة والتوادد ، يتزود فيه أهله بالراحة، ولكن البيت الآن مشغول بغيرهما ،وانه لم يعد بيتا للتالف والارتياح، والدليل أن "دوف" لا يكاد يحتمله ، فهو يحرص على ألا يعود إليه إلا متأخرا ، مما يدل على انه لا علاقة نفسية تربطه به ولا اجتماعية ،ومن ثم فانه يهرب دائما وينزلق أبدا كالزمن ""48. إن البيت لديه على العكس من سعيد محل للمبيت ليلا لا غير، وبغض النظر عما في القول من عودة الى اللغة ، إلا أن ذلك راجع الى التكوين الاجتماعي له الذي لم يهيئ له مناخا اسريا سويا، خاصة بعد أن عرف أن أبويه عربيان ، ولما كان الوقت قد فات فانه كان من الصعب عليه التخلص مما قد غرس فيه يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة ، وهذا ما جعله يشعر بانقسام داخلي أفقده وعيه بالعالم ووعيه بذاته""49 فلم يتمكن من ايجاد ضالة في "البحث عن قيم أصيلة في عالم منحط "50". ولا ريب في إن الإشارة إلى المدخل الذي بدا اصغر مما كان وأكثر رطوبة، تثير من الدلالات ما يتعالق والقضية ، ولعل الصغر يشير إلى أن الحل الفردي والجزئي الذي يقوم به سعيد غير مجد ، ومن البديهي أن نعته بذلك يتضمن الاعتراف بالخطأ ، فالحل لا ينبغي أن يكون جزئيا ، وإنما يجب أن يكون كليا يعود فيه الجميع ليس للزيارة وإنما للعيش، ويتضمن من جهة اخرى الإيحاء بان ما سيحدث أفق ضيق ومساحة محددة ليس فيها من الرحابة ما يمكن أن يسمح بتقريب وجهات النظر ولو على الدلالات السياقية الداخل نصية "51". ولا شك أن بقاء السجادة الشامية الصغيرة على الجدار و صورة القدس على الجدار المقابل يؤكد أن الانتماء الحقيقي للبيت ، وان الصراع ليس بين عائلتين يتشاطران بمستوى معين بيتا واحدا ، وإنما هو صراع بين رؤيتين متباينتين ، وما الحدث إلا كالعادة مجرد تمثيل"52" لذلك الصراع. كما أن بين صورة القدس وبين السجادة انعكاسا حقيقيا للانتماء إلى المنطقة والى القومية التي تهيمن عليها وليس لمريام القادمة من بولندة والتي يمكن بصورة من الصور ان تمثل تهديدا للاتصال بالعالم الخارجي الواقعي والمحتمل "53". أما فيما يتعلق بالمقاعد فان القول ببقاء كرسيين من أصل خمسة وان الكراسي الثلاثة المفقودة قد استبدلت بغيرها ولكن من دون تناسق ليس جهدا ضائعا أو تبذيرا "54" ، وإنما هو لبيان الفرق بين الساكنين على المستوى الحضاري من اجل إبطال الادعاء بتطوير البلاد وتقدمها ، والحق أن عدم التناسق ليس فوضى نظام وإنما هو في الحقيقة مظهر غير جمالي يدين به الكاتب مريام ،ويشير إلى أن التناسق هم وانشغال يعكس الحقائق لمن يريد أن يكون البيت مكانا انسيا تتحاجج فيه المدركات المكانية بواسطة العلاقات الإدراكية البصرية""55. وإذا كان الداخل من اختصاص المرأة فان الإشارة إلى عدم التناسق طعنة لمريام لأنها هي التي تعيش في البيت أطول بكثير مما يعيشه دوف وهو الموقع الاجتماعي الصحيح للمرأة ""56 ، وهو من ناحية أخرى المكان الذي يمكن أن تحقق فيه ذاتها، ولكن التأكيد على أنها لم تقم بما ينبغي برهان على أن إسرائيل تكذب كلما تتحدث ،وهكذا فان الكتابة عن الكتابة وان كانت صعبة إلا أنها يمكن أن توظف لتجلية الجوانب الأكثر بروزا والأكثر إثارة والتباسا"57" وإذا كانت لذة النص ممكنة دائما فيما بين مداهمتين"58"، فإن الستائر التي كانت صفية قد نسجتها بالصنارة استبدلت بأخرى فيها خطوط زرقاء متطاولة تشير إلى العلم الإسرائيلي ، ومن المؤكد أن الستائر المصنعة غير تلك المنسوجة بالصنارة وان كلا منها يدل بالضرورة على إحساسات متباينة ، فصفية كانت تمارس الحرية في بيتها ،أما مريام فإنها على المستوى النفسي تؤكد مرة أخرى بأنها دخيلة ،وأنها لا تجد نفسها مهما تمظهرت في مكان محدد"59" آو مشتتة أو متباعد وذلك لانها لا تملك لا الدافع ولا المغزى"60" ولا شك أن التطاول في خطوط الستائر الزرقاء من وجهة نظر أخرى إشارة إلى العنجهية الإسرائيلية التي تتطاول بالقوة على التاريخ وتزيفه كما تريد دون أن تمنح دلالات الحدس والتوقع واستشراف المستقبل"'61 ، وإذا اشرنا إلى أن دوف عسكري وانه وضع حين دخل قبعته على الطاولة فانه يمكن أن تفهم ردة فعل سعيد حين أراد أن يطفئ السيجارة فأزاح وهو يبتسم بسخرية القبعة جانبا ، وفي هذا إشارات متعددة يمكن التركيز منها على انه حين الحوار لا يجب التلويح باستخدام القوة ، لان كل ما يمكن تفعله القوة هو التفريق بين الأب والتسبب في بعد المأساة الوجودية"62". وإذا انتقلنا إلى الطاولة المرصعة بالصدف والتي بقيت هي الأخرى كما هي دليل على ان أهل البيت قبل عشرين سنة كانوا على مستوى حضاري ارقي بكثير من المستوى الذي ظهرت عليه مريام بعد عشرين عاما كاملة مما يسقط من جديد كل الادعاءات الإسرائيلية وهكذا تتوالى سلسلة العلامات اللانهائية""63 التي تجعل من الموقف الإسرائيلي محالا على كل المستويات. ويتصل بالطاولة المزهرية، ومن المعروف أنها كانت من زجاج ولكنها صارت من خشب، وناهيك عما يمكن أن يرمز ذلك إلى ان الدعاية الإسرائيلية دائما جوفاء لا تستند إلى براهين منطقية قادرة على الإقناع ، وان كلامهم لا يأنس لان الفهم لا يأنس إلا بالعدل والصواب"64" . كما أن تحول المزهرية من الزجاج إلى الخشب إشارة إلى أن الحوار الذي سيدور بعد قليل حوار متصلب أكثر مما هو حوار يبحث عن الوصول إلى قناعات متقاربة، ويمكن أن يشير أيضا إلى أن صفية تضفي على البيت من الجماليات ما يؤهلها حقيقة إلى أن تنتمي إلى عالم العناية أفضل من العالم الذي تنتمي إليه مريام فهي تحاول بشؤونها الخاصة"65"بينما لا تهتم مريام بذلك ، اللمسة الجمالية من حق صفية وليس من حق مريام . وبديهي أن الطاولة المرصعة بالصدف نتيجة للإيقاعات التي تتكثف وتتعاقب"66 " تخرج عما هو أثاث إلى دائرة الإطار، حيثما يتم التعبير عن الوجود من خلال الإيحاء بان كل ما في البيت هو تاريخ شخصي للأسرة ودلالة حقيقية على الوجود القومي والانتماء الاجتماعي. وتتصل بالمزهرية ريشات الطاووس، ومن البديهي أن في نقصها من سبع إلى خمس إشارة إلى الإهمال واللامبالاة خاصة أن مريام لا تعرف ما الذي حدث لها ، وأنها لا تحس بها، ومن المعروف أن ريش الطاووس ملون وان للألوان دلالات جمالية تبعث على الفرح ولا يحس بها إلا المرهف، ومن المؤكد أن الألوان تتناسب مع الحلم الذي جاء به سعيد قبل أن يقتله دوف باللافهم واللا تفسير واللاتطبيق الوحدات الثلاث المتلاومة في عمليات غادامير التأويلية"67". ومن المؤكد أن هذه الأماكن وان كانت تشغل الاهتمام إلا أن هناك منها ما قد وردد أكثر من مرة كالمزهرية الخشبية وريشات الطاووس الناقصة ، وقد أدى تراكم كل ذلك إلى شحن جو حجرة الاستقبال بتوتر محسوس سرعان ما تمتلئ به الغرفة حين يستبد وطء الحوار بين دوف وسعيد ، ويضطر سعيد إلى أن يهدد دوف بان الذنب سيكون منذ اللحظة ذنبه هو وليس ذنب احد غيره. وهكذا فان البيت الذي كان رمزا لتقوية الأواصر وللوطن صار قطيعة وعداوة ، وان استعادته امر يحتاج الى حرب ""68 ، وهو ما جعل سعيدا يؤكد لصفية إن البيت وان كان بيتهما إلا انه ينكرهما، وهو إحساس يجعل كل شيء مختلفا تماما ، وان إصلاحه يحتاج إلى أن يتوحد فيها التاريخ والجغرافيا معا من اجل البحث عن الحرية والديمقراطية الحقة "69"،ومن اجل ان تتأجج كينونة المقاومة الفلسطينية"70". ومن المؤكد الآن أن المكان المتخيل في الرواية لا يمكن أن يتحدد مسبقا إلا بالقصر ،وان المكان الفني مهما تحدد على مساحة "71"يمكن أن ينقلب رأسا على عقب حسب التطورات التي تطرأ على الحدث أثناء العمل وليس قبله أو بعده وهي الموضوعية المطلقة" "72إذا أردنا توجيه عجلة التاريخ من اجل عالم أفضل"73".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل