المحتوى الرئيسى

مهرجان «ماطا» يعيد إحياء المنافسة بين فرسان القبائل الجبلية في شمال المغرب

05/27 09:09

أعاد مهرجان أقيم في قرية صغيرة في مدينة العرائش (شمال المغرب) التعريف بتقليد مغربي عمره سبعة قرون، وهو عبارة عن طقوس احتفال رمزية تجسد الانتصار على العدو، وتبرز مكانة الفارس في القبيلة الذي يعرض نفسه لمخاطر شتى من أجل حماية الأرض والدفاع عن شرف القبيلة. الأمر يتعلق بلعبة تسمى «ماطا» حيث يتنافس فرسان من مختلف القبائل للظفر فيها بدمية تحمل نفس الاسم، صنعتها نساء القرية وفتياتها من القصب والقماش البسيط، على شكل عروس. وتحيل كلمة «ماطا»، على معان كثيرة، منها ركوب صهوة الجياد والإسراع بها والتنافس مع فرسان آخرين، على العروس «ماطا» التي تصنعها نساء القرية وفق تقاليد وطقوس خاصة، قبل أن تتفق بنات القرية، في يوم الاحتفال بعد الظهر، على ائتمان أحد فتيان القبيلة عليها وتحذيره من أن تسقط في يد فرسان القبائل المتنافسة الأخرى، ليبدأ الكر والفر بين هؤلاء وأولئك في أجواء احتفالية يشارك فيها أهالي القرية من مختلف الأعمار. ويختلف الناس حول أصول هذه اللعبة، لكنهم يجمعون على أنها لعبة حربية، ممزوجة بمعاني الحب وتقاليد الكرم والوفاء والتطوع خدمة للآخر، وطموح للدفاع عن شرف القبيلة وقيمها وتقاليدها، وهي مبارزة في الفروسية تجري في أحضان الطبيعة، ويتنافس فيها أمهر فرسان قبيلة «بني عروس» والقبائل المجاورة على دمية «ماطا» رمز الخصوبة عند الإنسان. وفي هذا السياق، نسب إلى الباحث جعفر الوهابي العلمي العروسي، قوله إن هذه اللعبة التي تميز شمال المغرب تحث الناس على التحلي بالشجاعة ومقاومة العدو. ويضيف أن الكلمة مشتقة في اللغة العربية من امتطاء الجياد، وتحيل أيضا على الجدية في المبارزة، وأشار العروسي إلى أن كلمة «ماطا» تعني في اللغة الهندوسية «الأم»، وفي اللغة الإسبانية القتل والمصارعة «ماتادور». وهي شبيهة بلعبة «البوزكاتشي» الأفغانية التي يتنافس فيها الفرسان الأفغان على جثة ماعز، إلا أن اللعبة الأفغانية تتسم بالخشونة والخطورة. وأطلقت الكلمة، كما قال، على عدد من العائلات في الغرب بل واشتهرت بها إحدى العصابات المسيحية في القرون الوسطى. وأوضح العروسي، أن لعبة «ماطا»، التي تتفرد بها منطقة جبالة في شمال المغرب، تمارس من دون سروج، والهدف، هو توطيد العلاقة بين الفارس وفرسه، وإبراز تلك المكانة الخاصة للفرس في حياة الإنسان المغربي، وكيف كان الفرسان يقفون بالمرصاد للذود عن ديارهم وأهاليهم من هجمات العدو «المسيحي» الذي كان يرغب دوما في اقتطاع هذا الجزء من أفريقيا وضمه إلى شبه الجزيرة الأيبيرية. وظلت قبيلة بني عروس وغيرها من قرى جبالة المجاورة لها متشبثة بلعبة «ماطا» التي تقوم على تنظيم سباق للفروسية، وعلى الفارس الذي سينجح في الظفر بالعروس الدمية التي صنعتها نساء القرية من القصب والأقمشة، أن يتمكن بدهائه ومهاراته وشجاعته من الفرار بها من القرية المضيفة، إلى قريته، محققا بذلك الانتصار والتفوق لقريته، وهو ما يمثل وصمة عار في جبين القرية أو القبيلة التي ائتمنته فتياتها عليها. وتشارك في مسابقة «ماطا» ثمانية فرق تمثل مختلف قبائل جبالة ويتشكل كل واحد منها من عشرة فرسان يتنافسون فيما بينهم من أجل الظفر بالدمية «العروس»، التي تحتفظ بها قبيلة الفريق الفائز لموسم كامل. ويقول أهالي قبيلة بني عروس، إن سباق «ماطا» ينطلق بعد صلاة العصر، بعد قضاء الجزء الأول من اليوم في «التويزة» وهي عملية تنقية الحقول من الأعشاب والطفيليات، التي تنبت في فصل الربيع، وتعرف أيضا بـ«دق الزرع»، وتجري هذه العملية في جو احتفالي أيضا حيث تصدح النساء بالغناء وترديد الأهازيج على إيقاع المزامير والطبول، وهو اللون الغنائي المعروف بـ«العيطة الجبلية». وأطلق على المهرجان اسم مهرجان ماطا الربيعي الأول، وأقيم على مدى ثلاثة أيام بمنطقة الزنيد بقرية «أربعاء عياشة» بإقليم العرائش، (شمال المغرب)، وأشرفت عليه الأميرة للا آمنة، عمة العاهل المغربي الملك محمد السادس، رئيسة الجامعة الملكية المغربية للفروسية. وأقيم خلال المهرجان أيضا معرض للصناعة التقليدية والمنتوجات المحلية، من منسوجات صوفية، ومنحوتات خشبية، وأزياء تقليدية إضافة إلى مصنوعات جلدية تتعلق بالفرس. كما نظمت حفلات موسيقية أحياها مشاهير «الطقطوقة» الجبلية، وهو نوع من الغناء يسود في المنطقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل