المحتوى الرئيسى

غادة نبيل تكتب: محكمة!

05/26 14:04

" هل يجوز لمن أقسم يميناً بالله تعالى أن ينزل على رأى الجماعة ولو خالف رأيه أن يخالف هذا القسم أو ينقض هذا العهد مع الله قبل أن يكون مع الجماعة؟".الكلمات لمحمود غزلان عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين استنكاراً وتعليقاً على قرار عبد المنعم أبو الفتوح ترشيح نفسه للرئاسة . والمعروف أن الأخير صرح علناً فى مؤتمرات وغيرها بعد الثورة أن قيادات الإخوان المسلمين كانت قد أصدرت تعليماتها بعدم الخروج فى ثورة 25 يناير باعتبارها مظاهرة " لكن لأن التمرد أتى لأول مرة بشئ طيب فإن الإخوان احتضنوا شباب الثورة " . لن أعلق على كلمة " تمرد " التى تذكر بما هو أقسى منها للدكتور أحمد شفيق صاحب مصطلح " فورة " بدلاً من ثورة لكن المعلومة الأخيرة بلسان أبو الفتوح ليست مفاجأة لأى مواطن كان يعيش وما زال فى مصر , منذ ما قبل ثورة 25 يناير وحتى الآن , ولن نخوض فى الدور الوطنى لعناصر الإخوان فى الصفوف الأولى وقت موقعة الجمل فلا يصح شكر مصرى على مصريته أو وطنيته .أكتب اليوم عن تصريح محمود غزلان الذى بدأت به هذا المقال .معلوماتى الإخوانية قليلة وهذا تقصير أنا مسئولة عنه . استلفت ذهولى رغم هذا , الحديث عن القسم بالله تعالى فيما يبدو كشرط تطالب به الجماعة أعضاءها على قرارت كنت أتصور اكتفاءهم فيها بالتصويت وحصر الأصوات المؤيدة والمعارضة . فوراً تذكرت محاكم التفتيش التى كانت تجلس لتأخذ قراراتها بحرق الناس  , بأدلة وأفكار العصور الوسطى .لم أنتبه فى كلام السيد غزلان إلا لأمرين : الأول فكرة القسم وحلف اليمين الذى ما زلت حتى اللحظة غير متأكدة هل يكون شرطاً صريحاً على أى وكل قرار يتخذ أم بضغط غير مكتوب أو ملفوظ ولكن موحى به كسلوك جماعى مستحب  (كى ينفى العضو عن نفسه الدخول فى دائرة المكروه والممنوع وغير ذلك مما قد يجعل مواقفه شائكة أو ملتبسة فى أعين " إخوانه " ) .إن فكرة القسم التى تلوح أمامنا كأداة " جبر " على موقف كالدفع الأخلاقى/ الدينى على قول الحقيقة لدى الشهادة فى المحاكم , فى كل العالم , تضع المرء أمام اختيار أخلاقى خالص فى مواجهة مع الضمير عبركتاب مقدس يؤمن به إن كان يؤمن . وعن نفسى , لا أعرف كيف تتعامل المحاكم فى أوروبا مع من هو ملحد لدى طلب شهادته و لكن أعرف أنه يكون مطالباً بنفس القسم " أن يقول الحقيقة , الحقيقة الكاملة ولا شئ غير الحقيقة " دون وضع يده على كتاب أو ما شابه .الذى أذهلنى وأنا أقرأ , هو أن جماعة يفترض أنها أصلاً دعوية _ وطورت نفسها _ قد أعطت لنفسها صلاحيات يتقاطع فيها الدعوى والسياسى إلى حد الحجر على حرية المنتمين لفكرها كعصام أبو الفتوح وأن يتخذوا قراراً أو يرجعوا فى رأى أو موقف , وهو أمر ينتمى إلى صميم العمل الحزبى والسياسى القائم على الاختلاف والخلاف أصلاً . لكن ها هى الجماعة تحظر حق الخروج على رأيها بعد ما يوصف بـ " الشورى " بوصفه " نقضاً للعهد مع الله قبل أن يكون مع الجماعة " بنص كلام عضو مكتب إرشادها .الأمر الثانى يتعلق بما لا يعنينى هنا عما قد يكون فعله أبو الفتوح جراء الحنث بيمينه , وربما يكون الرجل قد صام أياماً ثلاثة كفارة ليمين وقع . أقول لا يعنينى لأنى لست مفتشة ضمائر ولكن المعيار الدينى هنا ماثل بقوة فى اللغة والمفاهيم والتعاطى النفسى من ردود الأفعال على حرية المعتقد والقسم وغيره  . المثير أن الجماعة تبدو مفتشة ضمائر على نحو رهيب لأن عضو مكتب إرشادها لم يصاحب أبو الفتوح ويلازمه كظله بعد " الرجوع الظاهرى عن القسم " ليتأكد من كون الأخير قد صام أيام الكفارة أم لا .ورغم عدم توافر شرطى الرؤية أو المعرفة اليقينية تلك , يخرج علينا محرضاً ضد الرجل بوصفه " ناقضاً للعهد مع الله " بما لم يره . تماماً هذا ما حدث معى ومع كثيرين غيرى فوجئوا بأسمائهم فى كشوف على الإنترنت تدعى عليهم سب الله ( حاشاه سبحانه ) فى جلساتهم الخاصة وأنهم من أعداء الإسلام . فهل جلس أصحاب الاتهام مع المتهمين فى بيوتهم ورافقوهم إلى أعمالهم وكافة مجالسهم ودخلوا قلوبهم  ورصدوا سلوكهم  قبل  الافتراء بالباطل والكذب ؟ . أتذكر ما كان قد طُلب من مفكرنا د. نصر حامد أبو زيد رحمه الله الذى طالبه من كفروه بالاستتابة ونطق الشهادتين فى قاعة محكمة ولأنه يعتز بكرامته وبدينه معاً رفض أن يفعل ذلك فى مصر , لكن كما عرفنا لاحقاً كان لا يفتتح محاضرة له فى هولندا أو أوروبا إلا بالشهادتين أو البسملة علامة إيمان ليس إقراراً أو خوفاً أو متاجرة .الإيمان ليس لأحد غير موضوع الإيمان لدى المؤمن أى خالقه أو معبوده . الأمر الثالث فى مأساة طريقة تفكير/ تكفير بعض أعضاء الجماعة للآخر ولا أقول هنا أنهم يتهمون أبو الفتوح بالكفر , هو أن نقض العهد فى الإسلام من الأمور الكبيرة الفاسدة التى ترتبط فى التاريخ الإسلامى بما فعله يهود المدينة مع النبى ( صلعم ) وتحالفهم مع القبائل المعادية للإسلام بعد عهدهم معه . من هنا فإن خطورة التوصيف الدينى لحق أى إنسان , أو مواطن , وعصام أبو الفتوح مجرد نموذج , فى أن يختلف و " يخرج " على رأى الجماعة يعنى أن فكر الجماعة أصلاً لا يقبل منطق الاختلاف وحق الخروج والابتعاد والمخالفة الطبيعية النابعة من الحرية الفردية وأصالة التحرك المستقل بل والفرق بين الخروج من الملة والخروج على رأى جماعة أو مجموعة من الأشخاص لا قدسية أو عصمة لهم أو لقرارتهم المتخذة بالإجماع , أى صور الانشقاق الحزبى السياسى والدينى الذى تشوب رؤية الجماعة له كل هذا الخلط . لا حق للاختلاف . هذا هو المعنى بكل بساطة . الأشد إيلاماً وخطورة هو التلويح بأن سلوك كهذا يطابق نقضاً للعهد كذلك الذى ذكرناه ليهود المدينة منذ أكثر من ألف عام .إن مجرد تصوير أى سلوك أو فكر مجتهد أو مختلف ومعارض بوصفه مساوياً _ دينياً وأخلاقياً _ لمعنى نقض العهد مع الله  أو كأنه فكر أو سلوك ضد الله ... هذا مربط الفرس ومكمن كل ما تنكره جماعة الإخوان المسلمين طوال عقود ادعت وما زالت تدعى فيها ابتعادها عن العنف وعدم حمل السلاح وتقريب الأقباط والتزام موقف " حضارى " حيال المرأة . فالعنف هو الفكرة التى تقوم على الإكراه والإجبار ولو لم يحمل صاحبها السلاح .أن يوصف حق الإنسان الطبيعى والأصلى فى الاختلاف بأنه نقض للعهد مع الله هو أمر يمثل حكماً إيحائياً بـ " تكفير " ناقض العهد , فطالما أن الله هو الطرف الثانى أو الأول فى أية قضية , من الحتم أن يكون الإنسان هو المذنب .هذا الإقحام  المزمن هو ما ليست جماعة الإخوان على استعداد للتخلى عنه . وللتوضيح فإن كلامى ليس عن الذات الإلهية , بل عن الرؤية الكامنة لدى رموز إخوانية قيادية فى التعامل مع الآخر المختلف ومع الله جل شأنه .إن أى نقاش بين أى إثنين يتوقف من اللحظة التى يبدأ أحدهما يستخدم فيه أداة الإرعاب والتفزيع أياً ما كانت . وفى عالمنا العربى والإسلامى بخاصة  لا أداة تنافس الدين أو تفوقه فى هذا الاستخدام .ينسى أو يتناسى كل من يعتمد الحجية الدينية ككاتم صوت نهائى أن الله أعطانا كل شئ وأول وأثمن الأشياء العقل والحرية .. حرية أن نؤمن به أو نكفر .وتتوالى ثرثرتهم عن الديمقراطية ولكن " داخل " منطقة الإيمان , أو " داخل " حظيرة الحزب , أو " داخل " سياج الإيدلوجيا حتى يفاجأ الإنسان بالنقطة آخر السطر , أو ربما فى بدايته , وأن لا حق له فى سطر تالٍ أو فى جملة اعتراضية أو تعقيب وإلا يتم فصله . هكذا نعرف عن الأحزاب وتعرف الأحزاب عن علاقاتها بأعضائها . أما أنا التى لم أكن يوماً عضواً فى حزب وأبحث بعد الثورة عن حزب يناسب أفكارى , فقد أصابتنى سكتة نفسية قصيرة بينما أتأمل " إصرار " جماعة الإخوان المسلمين على عدم قبول حتى فكرة موازية لموقف أبو الفتوح , أى انسحاب أو تباعد من يخالفهم ( هو يؤكد انتماءه للجماعة)  , بل  و" التحريض " المعنوى المكتوم ضده بتصريحات تتهم حقه فى الاختلاف الذى نشأ مع الكون الذى قام على الاختلاف , بوصفه ليس حقاً بل نقضاً للعهد مع الخالق , مما يوحى بحكم دينى أخلاقى تلوثه الإدانة المسبقة والنظرة الجامدة اللاغية للاختلاف والداعية إلى التعامل " السلبى " مع ناقض العهد هذا ! .فما الذى ننتظره من جماعة يحكم فكرها وقراراتها مبدأ القسم بيمين الله الذى سيبدو مفروضاً أو ضاغطاً ولو غير مطلوب صراحة من الأعضاء ؟ . ما الذى يعنيه أن أختلف مع أهلى بالمنزل فيهددون بمساواة اختلافى معهم فى الرأى السياسى أو الإنسانى باختلافى مع الله أو نقضى لعهد البنوة طالما هناك آيات قرآنية صريحة عن كيفية معاملة الوالدين ولو كانوا كفاراً ؟ .الديمقراطية الغائبة داخل أى تنظيم سياسى أو دعوى أو غيره بين أعضائه هى التى تعرفنى ما الذى سيفعله ذلك التنظيم أو تلك الجماعة أو حزبها , إن هى وصلت إلى الحكم وليس العكس , أى عكس ما يردده عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان بتساؤل مذهول ماذا سيفعل أبو الفتوح لو جاء للحكم .من نافلة القول أن  هذا ليس دفاعاً عن عصام أبو الفتوح أو ترشيحاً له فلن أنتخبه , لكنه دفاع عن حق الاختلاف ومبدأ الرجوع عن الرأى وتغييره , بل تغيير أى معتقد .كنت أثق فيما قاله د. عمرو حمزاوى قبل أن ينطقه من أن العلاقات الداخلية فى أية جماعة أو تنظيم  إن كانت تقوم على الديمقراطية فذلك الحزب ( لا أتكلم عن أية أحزاب هنا ) يكون جديراً بالانضمام إليه وإلا فلا .أما فكرة نقض العهد وتوابعها فذكرتنى بالماسونية , وللحقيقة , بالمافيا , التى لديها رد واحد على انسحاب واختلاف أعضائها  : القتل .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل