المحتوى الرئيسى

الثورات العربية تفاءل العقل والإرادة بقلم:أ.سمر أبور كبة

05/25 22:28

الثورات العربية تفاءل العقل والإرادة أ:سمر أبور كبة من الخطأ أن نضع كل الدول العربية في سلة واحدة عندما نتحدث عن الثورات أو الانتفاضات الشعبية. فلكل بلد ظروفه الخاصة به. لكن الملاحظ أن أغلب الدول العربية تشترك في هم واحد وهو التهميش السياسي وسوء الأوضاع الاقتصادية مع معدلات كبيرة في البطالة، ومن هم دون مستوى خط الفقر، وزيادة الأمية، والأهم هو غياب المشروع الوطني والنظرة التفاؤلية للمستقبل. ،وكما يبدو، فإن الطبقات الحاكمة قد فهمت طبيعة العلاقات الاجتماعية لتستغلها محاولة المحافظة على السلطة. فترى الحكام يعتمدون على عنصرين أساسيين في مسك زمام الأمور. الأول هو الارتكاز على القبيلة أو القومية حيث يستغل الحاكم مصادر الثروة لتمكين قبيلة أو قومية على أخرى، وذلك لإنشاء شبكة من المصالح تكون له سند قوي في الحفاظ على السلطة، وهذا مافعله صدام حسين في قمع انتفاضة 1991، وما يفعله القذافي وعلي عبد الله صالح. فهؤلاء يحركون شبكة المصالح المرتبطة بهم من أجل كبح الثورات والتمرد أو خلق ثورة مضادة. أما العنصر الثاني فهو ارتكاز السلطة على المؤسسة الدينية من خلال الدعم المادي وذلك لتكريس خطاب ديني واحد، وغالبا ً مايكون طائفيا ً لضمان شق الصف حسب نظرية فرق تسد. فتعمل المؤسسة الدينية كما في النظرية التقليدية الأولى بإشاعة الروح القدرية والغيبية في تفسير الأمور. فليس بالإمكان أفضل مما كان. وتقوم تلك المؤسسات بإصدار الفتاوى التي تحرم الخروج على ولي الأمر بحجة عدم إشاعة الفوضى، مهما كانت الظروف والنتائج عن عدم الخروج. ولتلك المؤسسة الدينية مايدعمها الكثير من الأحاديث في التراث الإسلامي في النهي عن الخروج على الحاكم. بالإظافة لذلك، تقوم تلك المؤسسات بدعم الحاكم بحجة الحفاظ على المذهب أو الطائفة الحقة محولة الأداء السياسي إلى أداء طائفي انطلاقا ً من تفسيرات دوغمائية للدين، ومن خلال نشر فكرة الفناء والتحول إذا ماوصل الآخر لمراكز السلطة واتخاذ القرار. فيشكل الشباب في العالم العربي اليوم الفئة الأكبر عددا والأهم نوعا والأقدر فاعلية وفي جميع المستويات وخاصة في العملية الإنتاجية. وبالرغم من أن المجتمعات العربية هي مجتمعات شابة وحيوية أساسا، إلا أن هذه الفئة الواسعة من السكان هي الأكثر عرضة للتحديات المصيرية الكبرى وأكثر استهدافا من غيرها من قبل الحكومات الاستبدادية التي تخشى غضبهم وثورتهم، وفي ذات الوقت، فهي لا تهتم بأوضاعهم المعيشية وبمستقبلهم باعتبارهم أجيال المستقبل ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بتوظيف طاقاتهم الإنتاجية بشكل أفضل وذلك بتوفير فرص العمل التي تؤمن لهم لقمة العيش الكريمة وهامش من الحرية والاستقلالية التي تجعلهم أحرارا في التعبير عن حقوقهم وتطلعاتهم وتحرك في نفوسهم جميع الطاقات والإمكانات الإبداعية الخلاقة. والاهم من كل ذلك وقف هدر طاقات الشباب الذين يمتلخهم المجتمع الاستهلاكي الجديد من جذورهم ويتركهم يركضون لاهثين وراء بضائع المدنية الزاهية ولا يستطيعون مجابهة بريقها الأخاذ، مما يدفع البعض منهم الى استخدام وسائل غير قانونية والانخراط في أعمال العنف والمخدرات وغيرها من الطرق اللامشروعة. في هذا الجو من التهميش والقمع تتصاعد حازمات الحرمان والشعور بالغبن وتنحسر فرص العمل وإشباع الحاجات ويتراكم البؤس والقمع والحقد وتتحول بذلك طاقات الشباب الخلاقة إلى بؤر متنوعة تغلي بنار خامدة سرعان ما تتفجر لهيبا حارقا وعنفا مشروعا وغير مشروع، كما حدث في تونس ولحقتها مصر وسوف تصل رياح التغيير الجذري الى جميع المجتمعات العربية وغيرها. عندما بدأ الشعب التونسي بتقديم قربانه السياسي حيث تكفل البوعزيزي بذلك فاحترق جسد عربي احرق وسوف يحرق بعده الكثير من البشر ، عندها كانت القيادة السياسية في تونس قد نسيت تاريخ شعب (قرطاجة) وقائدها التاريخي الشهير (حنبعل) وهكذا فعل شعب قرطاجه عندما نسئ المسئولين عنه أن يقرؤه كل صباح ليدركوا تاريخ شعبهم. فعندما تم استدعاء تاريخ الفراعنة في مصر على يد شباب في ميدان التحرير هب (بلطجية) من حراس تلك الأهرامات في محاولة للقضاء على تلك الأيدي التي مسحت المصباح السحري لتاريخ الأهرامات ومن بنوها فمن جر أحجارا تزن ملايين الأطنان ليس بعاجز عن أن يجر ماسوها وهذا ما حدث. وكما يبدو في الثورات العربية أن مصطلح (بلطجية ) أصبح المصطلح المضاد لقوة التاريخ المجتمعي وهذه فكرة يتوجب على المختصين محاورتها علميا وعمليا من اجل فهم تلك العلاقة الغائبة بين الشعوب العربية وقياداتها تاريخيا. علي الطريق هناك الليبيين الذين قال قائدهم التاريخي عمر المختار للايطاليين (نحن شعب نموت آو ننتصر) فلذلك لم يكن أمام الليبيين سوى استحضار تاريخيهم الذي جاء بسرعة البرق يحمل السلاح والبنادق ، فلقد تصرف القذافي عندما أدرك صورة التاريخ الحقيقي الذي غُيبه عنه سنوات طويلة ليس بجنونه وهرقطاته المعروفة إنما تصرف بتاريخ مجتمعه لذلك يمكن مشاهدة تلك السرعة الهائلة التي تسلح فيها المجتمع الليبي سواء من هو مع الثوار أو مع القذافي. اعتقد القذافي بأنه خلال العقود الأربعة استطاع أن يجعل الشعب الليبي ينسى التاريخ بينما احتفظ هو بذلك التاريخ ، لذلك يتحدث القذافي اليوم والثوار عليه بنفس اللغة والكل منهم يدّعي انه عمر المختار فالشعب يريد أن يتحرر من قائده والقائد يريد أن يتحرر من الشعب فالجميع بشعار شخصية تاريخية هي شخصية (عمر المختار). اليمن يتصارع بقوة التاريخ الاجتماعي أيضا فالرئيس نسي نفسه خلال العقود الماضية ولكن الشعب كما يبدو في ساحتي التغيير والتحرير يفتح صفحات التاريخ مرة أخرى، وكما أسلفت التاريخ وحده يمسك بزمام الأمور عندما يفقد المجتمع السيطرة عليها ، الصراع ليس على السلطة ، فالسلطة هنا رمز للتغير لأنها ستملاء فورا بشخص بديل ولن يستغرق ذلك دقائق ولكنها معالجة لنفس الأخطاء السابقة في ثلاث دول سبقت اليمن والرابعة والخامسة وغيرها على الطريق. في اليمن يختلط معطى القبلية مع معطى السياسة في أجساد وعقول بشرية تشكل اصل الجسد العربي في نسبه ومعانيه ومعطياته ، ما نراه اليوم في اليمن ليس هو ذلك المجتمع الفقير الذي يتهم بأنه يتعاطى القات ، انه معطى مختلف يستجلب كل قوى التاريخ فمنبع التاريخ العربي سيضل نفس المنبع وبنفس التركيبة القبلية ولن يستطيع احد ردم تلك المنابع القبلية مهما كان ومهما كانت براعته السياسية. سيضل اليمن بشكله القبلي مهما تضاعف الضغط التاريخي عليه ومن لا يتعامل مع اليمن بهذه الحقيقة لن ينجح ، لذلك فإن صراع القبائل اليمنية ليس صراعا سياسيا انه صراع يمثل صورة مصغرة لكل مجتمعات العرب وتاريخها في المنطقة، اليمن والتاريخ قلق مستمر وتاريخ قبلي في ذاكرته وفهم يصوغه واحد من أقوى أنواع الإسلام في العالم. في الخليج العربي يمارس الفرس محاولاتهم الدائمة بأن يكونوا طرفا في سبيل إذكاء الطائفية وتتولى إيران هذه المهمة فقد بقيت الجزيرة العربية عصية عليهم طوال تاريخهم منذ معركة (ذي قار) وحتى اليوم ، ولكنهم اليوم يستخدمون المذهب الذي اعتنقه الكثير من أبناء العرب ولذلك يحاول الفرس اليوم استخدامهم لتغطية التاريخ بغطاء من الحقوق الجغرافية والحقوق الوطنية. في منطقة الخليج ليس هناك تاريخ عميق وبعيد لتلك الفئات التي تحاول الخروج على مسار التاريخ حيث ضلت إيران فارسية بكل أبعادها ومع تعاطفها المصطنع مع العرب من أتباع المذهب الشيعي فهي لا تقدم لهم الاحترام حتى في إعطائهم حقهم التاريخي في تسمية الخليج العربي فهي تسميه الخليج الفارسي وهذا يطرح السؤال المهم لمن المذهب الشيعي اليوم للفرس آم للتاريخ الإسلامي...؟ الخليج العربي اليوم كمجتمعات وثقافة بحاجة إلى مشروع فكري حقيقي لبتر القضية التاريخية في المذهب من سياقها الفارسي وإعادتها إلى أصلها الإسلامي بعيدا عن تصورات مختلطة بين تاريخ الفرس ومذهب آل البيت رضوان الله عليهم ، وهذا يتطلب نشر المرجعيات المحلية في الخليج وتكثيف الاستقلالية التاريخية وربطها بمصدرها وليس بتبنيها. العالم العربي اليوم يحمّل سياسيا ما لا يحتمل فالكثير يردد إنها ثورة الحريات وبعضهم يسميها ثورة البطون وهي في الحقيقة التي نراها اليوم هي ثورة الثروة لملء البطون فكل ثورات العالم العربي وبكل بساطة حسابية استخدمت عبارات الثروة وتوزيعها بشكل يعادل تقريبا خمس مرات أكثر من استخدام الحقوق السياسية. فالتاريخ الحقيقي للشعوب والمجتمعات يشبه الأشجار في نموها جذور تخترق الأرض لتوفر قوة لحمل السيقان والأوراق والأغصان التي تنمو فقط إلى الأعلى وليس إلى أي اتجاه أخر وإذا ما تلاعب احد بشجرة التاريخ وحاول تغيير مسارها نحو اليمين أو اليسار فإنها تعاقبه في نهاية المطاف ، لذلك لن ينجو من تلك الثورات سوى أولئك الذين يدركون تاريخ مجتمعاتهم ويتقاسمون معهم الحياة بدلا من الانفصال عنهم. تبلغ نسبة الشباب في العالم العربي أكثر من 60% من عدد السكان. ويبلغ عدد الفئات العمرية بين 15-29 سنة عام 2009 حوالي 113 مليون شخص، حسب احدث تقديرات الأمم المتحدة. وهو ما يساوي ثلث مجموع سكان العالم العربي وحوالي 47% منهم تقريبا حسب تقديرات أخرى. يطمح إليه الشبان العرب من المحيط إلى الخليج اليوم – بعد أن تخلوا عن استسلامهم الكلي تجاه كل صنوف القهر والظلم – هو أن تتحقق مطالبهم المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد والمشاركة السياسية، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وتوفير فرص العمل، والارتقاء بالخدمات العامة، وهي حتماً ليست مطالب تعجيزية يتحدون بها الأنظمة الحاكمة، بل هي أبسط حقوقهم المشروعة. كان الأمل ولا يزال في أن تقتنع الأنظمة العربية بوجوب تحقيق مطالب الشعوب، من دون أن تضطر حشود الشباب للاندفاع إلى الميادين لاحتلالها، ومن دون أن تراق قطرة دم واحدة قبل أن ترضخ تلك الأنظمة "مرغمة" للقبول بتلك المطالب، أو تجبر على الرحيل مدحورة مذمومة. وإذ نجحت الثورة في مصر وتونس في تغيير الحكام بالنزول إلى الشارع، فليس على بقية الحكام العرب إلا أن يقرءوا الدروس المستفادة من تلك الأحداث، ويبدأوا الإصلاح والتغيير، بعد أن وصلت الرسالة صريحة وواضحة بأن الشعوب العربية تنشد الحياة الكريمة بعزة وشرف، لا أن ينتظروا أن تخرج الشعوب للتظاهر والاحتجاج ضدها، وربما لإعلان الثورات وتغيير الأنظمة إلى الأبد. إذن، لانستطيع أن نفسر كل الحركات الثورية من خلال نظرية واحدة. فلكل بلد ظروفه الموضوعية والتي يمكن أن لاتؤدي لثورة أو تؤدي لحرب إثنية أو طائفية إن حدث تحرك شعبي. لكن، يبقى الوعي الشعبي هو الوحيد الذي يمكن أن يتغلب على التصور القبلي والطائفي لمفهوم الدولة ويمكن أن يسيطر على الأداء الشعبي ليخلق متنفسا ً للشعوب بأن تثور وهي موحدة بلا خسائر تذكر فيخلق سببا ً مقنعا ً للثورة متجاوزا ً عقلية الحاكم بطريقته في الحفاظ على السلطة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل