المحتوى الرئيسى

كلب في سيارة الحكومة بقلم:بلال حسن التل

05/25 22:26

كلب في سيارة الحكومة بلال حسن التل لا أحد في الأردن مقتنع, بأن هناك إرادة حقيقية, لمكافحة الفساد والمفسدين. بل ان كل الدلائل تشير إلى عكس ذلك كله. ففي ظل حكومة يتم تسفير سجين محكوم في واحدة من أهم قضايا الفساد, التي شغلت بال الأردنيين, ثم لا يعرف أحد من هو المسؤول عن تهريب هذا السجين, ولا يعاقب أحد من المسؤولين عن الاحتفاظ بالسجين المحكوم وفق أحكام القانون, ولا يستقيل الوزراء المعنيون على الأقل بهذه القضية. في ظل حكومة من هذا الطراز لن يثق أحد بمقولاتها عن مكافحة الفساد. بل يميل الأردنيون أكثر إلى تصريحات رئيسها في حكومته السابقة, صاحبة ملف الكازينو, وتزوير الانتخابات النيابية والبرلمانية, بأن الفساد أقوى من الحكومة, وان مؤسسة الفساد قادرة على تزوير الانتخابات البرلمانية والبلدية, من دون علم الحكومة ومن وراء ظهرها ورغم أنفها؟ وفي هذه الحالة ما جدوى وجود الحكومات وما قيمة كل شعاراتها عن الإصلاح, ومكافحة الفساد إذا كانت مؤسسة الفساد أقوى من الحكومات؟! ليست واقعة تسفير السجين خالد شاهين, وحدها المؤشر على قوة وعربدة الفساد في بلدنا, فهناك عشرات المؤشرات التي تؤكد على تجذر الفساد والفاسدين فيه. وعلى هزهم لأكتافهم استخفافا بكل شعارات وتصريحات الحكومة حول مكافحة الفساد. ولعل اقل ممارسات الفساد التي يلحظها المواطن الأردني آناء الليل وأطراف النهار, سيارات وباصات الحكومة التي تذرع البلاد طولاً وعرضاً, على حساب جيوب دافعي الضرائب من المواطنين المسحوقين, في ظل النظام الضريبي الجائر في بلدنا. وسيارات وباصات الحكومة التي تذرع البلاد طولاً وعرضاً, لا تفعل ذلك أداء لمهمة رسمية. بل ان تقارير ديوان المحاسبة تؤكد ان هذه السيارات والباصات الحكومية تنشط في الأفراح والأعراس وفي النزهات العائلية. بل أكثر من ذلك, فقد سبق وان ضبطت دوريات ديوان المحاسبة سيارة حكومية فارهة, خصصت للمديرة العامة لأحد المؤسسات, فخصصتها عطوفتها لكلبها المدلل, ليقوم بنزهته اليومية في سيارة الحكومة مع سائق يتقاضى راتبه من الحكومة. تماماً مثلما يتم الصرف على وقود السيارة وصيانتها من خزينة الدولة, لينعم كلب السيدة بنزهته اليومية. تماماً مثلما تنعم كلاب كثيرة بأموال الأردنيين دون وجه حق. ليس كلب السيدة وحده مظهر الفساد الوقح, لاستخدام سيارات الحكومة الفارهة, التي لا تدل على اننا دولة فقيرة مديونة مأزومة. ففي سجلات ديوان المحاسبة ان دورياته ضبطت أحد المسؤولين في سيارته الحكومية مخموراً, يمارس الرذيلة على قارعة الطريق مع إحداهن. وقد حاول في البداية العربدة على دورية الديوان, ولكنه رضخ في النهاية, ووافق على العودة إلى بيته بسيارة أجرة. إن ممارسة المسؤول المخمور, والسيدة صاحبة الكلب المدلل, تدل على ان الفساد في بلدنا لم يعد مؤسسياً فقط. بل صار وقحا. حتى لا نقول جريئاً فالجرأة من صفات الصالحين لا الفاسدين. ليست السيارات الفارهة وحدها مظهر الفساد الوحيد في بلدنا, الذي يدلل على اننا نتصرف لا كدولة نامية فقيرة, مديونة بل على العكس من ذلك, فهناك المباني الضخمة, والأثاث الوثير الذي يتبارى المسؤولون في بلدنا بتغييره كلما خطر في بال أحدهم, دون مراعاة لإمكانيات الدولة وقدراتها. وإذا كان الفساد في بلدنا, مؤسسياً ووقحاً, فقد صار ثقافة لا علاقة لها بالدرجة العلمية. بل على العكس من ذلك, فمن العلامات المقلقة في بلدنا ان الفساد يزداد لدى حملة الشهادات العليا. بدليل الفساد الذي يمارسه رؤساء الجامعات الرسمية, أو اغلبهم على اقل تقدير. ويكفي القول ان أحدهم, كان يتقاضى بدل سكن قيمته ستة آلاف دينار, لكنه أصر على بناء سكن كلف الجامعة, مئات آلاف الدنانير, في حين أصرت زوجة رئيس جامعة رسمية, على تغيير رخام السكن الوظيفي بمبلغ وصل الأربعة إلى عشرة آلاف دينار. كما يكثر الحديث عن أساطيل السيارات المخصصة لرؤساء الجامعات, في حين تتضاءل الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في هذه الجامعات. أفلا يدل ذلك على ان الفساد في بلدنا ثقافة لا علاقة لها بالشهادة. بل على العكس, فكلما ارتفعت الشهادة العلمية للفاسد ووظيفته, ارتقت أساليبه في الفساد وممارسته. وعلى ذكر الجامعات والشهادات العلمية, نقول ان رائحة الفساد المنبعثة من جل الجامعات الأردنية تزكم الأنوف. خاصة لجهة بيع أساتذة هذه الجامعات للبحوث والدراسات لطلبتهم. وفي ظل مراودة بعضهم لطالباتهم عن أنفسهن. وفي ظل عدم قيام الكثيرين منهم ببحوث حتى لغايات الترقية, وفي ظل غياب البحث العلمي الحقيقي عن هذه الجامعات. فإذا كانت جامعاتنا تعاني من كل هذا الفساد, وهي التي يفترض بها ان تقود مسيرة التنوير والإصلاح على مستوى الوطن افنستغرب بعد ذلك تنزه كلب في سيارة حكومية؟! إن مظاهر الفساد المؤسسي في بلدنا كثيرة. وإذا كان الحديث تركز على الفساد المالي, فإن الفساد الإداري أكبر واخطر. ذلك ان وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب من أكبر الآفات التي تبتلى بها الدول. وقد ابتليت بها دولتنا, خاصة من خلال التعيينات خارج نظام الخدمة المدنية, وعبر العقود والتي صارت شبه القاعدة خاصة في التعامل مع أبناء المتنفذين. لست بصدد استعراض كل الدلائل والمؤشرات, التي تؤكد تجذر الفساد في بلدنا, ووقاحته ومؤسسيته, رغم وجود كل التشريعات والمؤسسات التي أوكل إليها مهمة مكافحة الفساد. فمن الواضح ان مؤسسة الفساد تستهين بمؤسسات الرقابة الدستورية, بدليل ان ديوان المحاسبة يضطر إلى إعادة المراسلة حول المخالفة الواحدة لأكثر من ثلاثين مرة في كثير من الأحيان, دون ان يجد آذانا صاغية. وكثيراً ما يتم حفظ مراسلته. مما يدلل على قوة الفاسدين, وتغول مؤسسة الفساد, وركونها إلى حصانة ما, والى قدرة الفاسدين على استغلال الثغرات في التشريعات النافذة, خاصة في ظل ركاكة الكثير من التشريعات وتضاربها, وقدرة الفاسدين على استثمار هذا التضارب, وتلك الركاكة. مما يستدعي مراجعة شاملة لمنظومتنا التشريعية. وعند الحديث عن استهانة البعض بمؤسسات الرقابة, لا بد من التوقف عند المؤسسات المستقلة التي تتوالد في بلدنا توالداً سرطانياً والتي صارت من أكبر مؤشرات الفساد في بلدنا خاصة في ظل عدم خضوع معظمها للميزانية العامة للدولة, ولإشراف مؤسسات الرقابة. وفي ظل النفس الاستعلائي الإمبراطوري, الذي يسيطر على قيادات هذه المؤسسات, الأمر الذي صار لا بد معه من إعادة النظر جذرياً في وجود هذه المؤسسات إن كنا جادين في محاربة الفساد, وعدم تحصين الفاسدين. كما صار من المهم إعادة النظر في فساد مجالس الإدارة, ودور ممثلي الحكومة في هذه المجالس, التي صارت هي الأخرى من مظاهر الفساد الذي يفتك في بلدنا. لا تستطيع مقالة قصيرة كهذه ان تحصر مظاهر الفساد, الذي تمأسس في بلدنا. لكنها تستطيع ان تطلق صيحة النذير, مؤكدة ان الأردنيين لم يلمسوا حتى هذه اللحظة جدية في محاربة الفساد, بل على العكس, فهناك المزيد من الحماية له, بدليل تسفير الفاسدين من سجونهم إلى أرقى فنادق العالم. وحتى يلمس الأردنيون جدية حقيقية في مكافحة الفساد ستظل الكلاب تتنزه بسيارة الحكومة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل