المحتوى الرئيسى

> أوديب الثورة المصرية

05/25 21:08

كتب: هاني درويشيستمر المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية بمنطق الأب، الأب المصمم علي تكريس سلطة فوقية غير مستندة علي منطق يتجاوز الرعاية الحيادية غير الخلاقة، الساعية إلي تثبيت مفاعيل ثورة الأبناء عند حدود الأخلاق الحميدة، نازعا عن أبنائه الحق مبدئيا في الخروج عن طاعته الأبوية، وملوحا من حين لآخر بالترهيب والتهديد لمن يتخيل الجور علي القسمة العائلية. هذا النمط من إدارة الحياة السياسية بمنطق "كلهم أبنائي" هو استمرار ضمني لمنطق الرئيس السابق،لأنه يفترض تموقع السلطة في حيز "الألوهة"، بوصف المجلس وقد اتخذ من موقفه من الثورة رصيدا غير قابل للنفاد أو التحليل، واعتبار نقاوية موقف الجيش من عدم إطلاق النار علي المتظاهرين مجرد مذلة دائمة، والحقيقة أن بعض التفكير في موقع الجيش قبل الثورة يؤكد أن مؤسسته رعت حسا تواطؤيا مع المعارضة المدنية للتوريث، لكن الجيش نفسه لم يكن سيتورط في أي مواجهة مع الرئيس السابق حال تصميمه علي هذا السيناريو، بمعني آخرأزاحت الثورة التي دفع فيها المئات أرواحهم هاجس إخراج الجيش نهائيا من ملعب السلطة، ومن ثم خدمت الثورة الجيش بأقل مجهود من طرفه، بل أعادت تمركزه بعد أن أهان مبارك موقعه في السنوات العشرين الأخيرة. لقد أنقذت الثورة إذا الجيش من نفسه، وأخرجته من نفق مظلم كاد الولاء العسكري فيه للنظام السابق أن يحفر للمؤسسة قبر خروجها من التاريخ، بهذا الشكل يبدو الجيش عمليا مدينا للثورة لا متفضلا عليها بالرعاية الاحتكارية، الرعاية التي تصل أحيانا لحد الاحتقار، فنحن نسمع أن ضباطا يلقون القبض علي متظاهرين ويجبرونهم علي الهتاف باسم الرئيس المخلوع، أو أن بعضهم يحتقر من يراهم "عيال سيس" فيضربهم تحت التشفي من هتاف" ارفع راسك فوق أنت مصري" ، لهو مايبلور فكرة أن الولاء للرئيس السابق لازالت جزءا من ذهنية قواعد المؤسسة، وأن القيادات العليا التي تدخل الآن المجال السياسي باسم شهداء الثورة لم يوصلوا لرجالهم من الشرطة العسكرية أن الرئيس المخلوع بات مخلوعا، وأن هناك ثورة عرفت الولاء للوطن بعلم وهوية شجاعة لا بانضباط عسكري لصورة رئيس مسجون في قضايا فساد وافساد وقتل. منطق عناد الجيش يظهر أكثر لو أوقفنا زمن التطور وأعدنا ترتيب المتتالية السياسية كالتالي: لقد قالت القوي الوطنية منذ البداية لا لتعديل الدستوري ، نعم لإعلان مبادئ دستورية، لا لانتخابات برلمانية قبل الرئاسية، لا لأنفراد المجلس وحده بإدارة المرحلة ونعم لجمعية وطنية ومجلس رئاسي بموقع للعسكر، ورفض المجلس العسكري بعناد مدهش هذا الترتيب، صمم علي قلب الأمور، وكلما تعقدت حلوله لجأ إلي ما رفضه وكأن الأمر من بنات أفكاره، ناهيك عن لجوئه لترتيبات رفضها من الأصل وقد شوهتها الأحداث أو أذكت الخصومة حولها المجتمع، فمثلا، يتحدث المجلس العسكري الآن عن وضع دستور جديد للبلاد وتأجيل الانتخابات البرلمانية بعد أن تورط الإخوان وقوي الإسلام السياسي في الدفاع عن عكس تلك الترتيبات، الآن الإخوان يلوحون بالاعتراض، لقد جاء الاستفتاء بتعديلات تسمح لهم بالأنفراد فعليا بكتابة الدستور، وها هو المجلس العسكري يسحب منفردا هذا الامتياز، سيصرخ الإخوان قليلا ثم سيصمتون إذا ما ألقي لهم تطمين يخص مشهدا آخر، بينما المجلس العسكري لا يعترف أصلا بقصور تصوراته، سيقول إن الانفلات الأمني -وهي حقيقة- يمنع إجراء الانتخابات البرلمانية، لن يعترف بأن الأحزاب ملبوخة في فض لوغاريتم الخمسة آلاف عضو، لن يعترف بتأخر إصدار قانون المفترض منه تنظيم المعركة الانتخابية وهو قانون مباشرة الحقوق السياسية، لن يعترف أصلا بأن أنفراده بالترتيبات اسقطه في ازدواج الأولويات، وأن ميله للاحسم فيما خص الجرائم الطائفية جعل منها فصولا كوميدية نباهي بها الأمم، سنتوه قليلا مع مبررات أخري شكلانية وننسي أن أُس البلاء في منطق العناد الأبوي. بنفس المنطق ، مطلوب منا أن نقبل اعتذار الرئيس مبارك، وكأن الثورة امرأة حرون، يحاول مبارك إعادتها إلي طاعته، ولا نعلم بأي منطق يتخيل المجلس العسكري تمرير هكذا تلفيق، فحتي الآن التحقيق لايزال جاريا مع مبارك ورجاله دون حكم قضائي واحد يشفي غليل متابعي اللعب بمليارات الدولة، أو يطفئ صدر ضحايا الثورة من أهالي القتلي، ألا يعد ذلك تلاعبا بسلطة القانون؟ ألا يعد ذلك التفافا واضحا علي الثورة نفسها، ألم يعترف المشير بأن الرئيس السابق أمر الجيش بإطلاق النار علي المتظاهرين؟ ألا يستحق الرئيس السابق محاكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمي؟ أم أن المجلس العسكري يسعي فعلا إلي اعتبار الثورة "تربيته" علي كتف النظام، يستحق من بعدها فرصة أخري طالما تعهد بعدم تكرار الخطأ، علي الجميع أن يفيق من العقدة الأوديبية، لأن الغيبوبة هذه المرة ستكون نصف قرن آخر بعد اكتشافنا أننا كنا طرفا في فقرة الكاميرا الخفية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل