المحتوى الرئيسى

اوباما بين خطابين !بقلم:جمال محمد تقي

05/25 21:27

اوباما بين خطابين ! جمال محمد تقي منذ حملته الانتخابية الاولى كان اوباما متحمسا جدا في اخلاصه لتنظيف اماكن الجرائم التي ارتكبها سلفه ، وبنفس الوقت كان يسبغ على انتقاداته لاداء سيء الذكر ـ جورج بوش الابن ـ طابع الدعوة للتغيير ، علما ان اكثرية تلك الانتقادات كانت متواترة في اغلب وسائل الاعلام الاوروبية قبل ان يستعملها اوباما في حملته الانتخابية ضد مرشح الحزب الجمهوري وقتها ، وبعضها كان يرد على آلسنة قادة دول العالم ، وخاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية ، التي كان يضطلع بادراتها وعلى التوالي ، كولن باول ثم كوندوليزا رايس ، فالاستياء العالمي من التهور الامريكي بقرارات الحرب في افغانستان والعراق كان شائعا ، وكانت المواقف الفرنسية والالمانية شعبيا ورسميا مثالا حي على التحسس الاوروبي من سياسة التفرد الامريكي ، ومن عسكرة السياسة الخارجية ، ومن توتير الاجواء العالمية بالحروب الاستباقية ، وجر العالم الى سباق صناعة الاعداء ، ناهيك عن الامتعاض الروسي والصيني من محاولات الادارة الامريكية لمصادرة ارادة منظمة الامم المتحدة ومجلس امنها . دول العالم جميعا حريصة على تجنيب بلادها بلاء العمليات الارهابية ، ايا كان مصدرها ، لكنها ليست جميعا على استعداد لتبني التشخيص والعالج الامريكي لهذه الظاهرة العالمية المعللة باسباب متشعبة يصعب معها اعتماد اسلوب واحد لمعالجتها ، فهي في الشرق الاوسط غيرها عند الحركات اليسارية او القومية المتطرفة او المافيوية في اوروبا ـ الجيش الجمهوري الايرلندي السري ، حركة ايتا الباسكية ، الالوية الحمراء ـ او عند الجماعات اليابانية المتطرفة او عند جيش الرب في اوغندا ، او عند المافيات الارهابية في امريكا الجنوبية ، او عند مجاهدي خلق او عند حزب العمال الكردستاني ، خاصة وان الاتهام الامريكي يضع اكثر من مليار مسلم في موضع الشبهة ، ويكرس خطابا عقائديا بالي ، وله جذور منبوذة تاريخيا وخاصة عند المسلمين جميعا ، بل عند كل عارف ببواطن الامور او ببواطن كتب التاريخ في هذا العالم الذي شب على طوق التصنيفات والمركزيات ، وترهات الحروب المقدسة ـ الحروب الصليبية ـ . اغلب دول العالم تدرك ان مشكلة الشرق الاوسط المزمنة ، مشكلة الشعب الفلسطيني المنكوب بالاحتلال الاسرائيلي المحصن بالدعم الامريكي والغربي هو جوهر حالة اليأس وحالة التطرف التي تعيشها اجيال عديدة من الفلسطينيين المشردين من ارضهم ، والمحاصرين فيها والذين يعانون الامرين تحت مرآى ومسمع العالم اجمع ومن دون ان يحرك هذا العالم ساكنا ، وما زاد الطين بلات ، هو الدعم الامريكي للانظمة الديكتاتورية الفاسدة في معظم الاقطار العربية بسبب تبعية هذه الانظمة للسياسات الامريكة الحريصة على مصالحها الحيوية فيها ـ النفط والمواقع الاستراتيجية ـ . ان تصويت اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة بالضد من السياسات الاسرائيلية التي ترفض الاستجابة لقرارات الشرعية الدولية وبالضد من الجرائم الاسرائيلية التي فاقت ببربريتها جرائم النازية ، الا دليل صارخ على هذا التفهم المتضامن مع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ، وما له دلالة مضاعفة هنا ان الفيتو الامريكي في مجلس الامن او التلويح به هو سبب اضافي لشيوع حالة النقمة والاحتقان بالضد من امريكا ونهجها المضر دوما بالمصلحة العربية والاسلامية ، وهذا ما يرحل الملفات العادلة ، والمعطلة التنفيذ الى الجمعية العامة التي ليس لقراراتها قوة الالزام ! حاول اوباما في خطابه الموجه للعرب والمسلمين من القاهرة في 4 حزيران 2009 ، ان يعطي انطباعا بانه رئيس امريكي مختلف وهو معني بتصحيح العلاقة النمطية بين العرب والمسلمين من جهة وامريكا من جهة اخرى ، وفي الحقيقة انه لم يعد بشيء يعالج جوهر الحالة القائمة ، فالاتفاقية الامريكية العراقية وقعت في عهد بوش وهو من حدد موعد انسحاب القوات الامريكية من العراق ـ هذا اذا انسحبت ـ وليس اوباما ، اما افغانستان فان الانسحاب الامريكي منها اضطراري لان استمرارها ينهك امريكا وقد يعرضها لهزيمة كبرى شبيهة بهزيمة الروس ، اي ليس لان اوباما ضد مبدأ الحرب على افغانستان ، اما وعده بالدولة الفلسطينية فهو لم يختلف بالنتيجة عن وعد بوش ، سيرحله الى فترة الحكم الثانية وهناك اما تمديد التاجيل او فرض اتفاق جديد على السلطة الفلسطينية ، تحصل بموجبه اسرائيل على ما تريده ويخسر فيه الفلسطينيون ما هو حقهم شرعا وقانونا . اما ديباجتة اللبقة والتي اشاد بها بالاسلام والمسلمين وعزل بها القاعدة كونها جماعة منحرفة ، فانها تنفعه ولا تضره ، وليس على مجاملات الرئيس ضرائب ، على الرغم من تصريحات الجمهورين القائلة بان اوباما كان ضعيفا في مقاربته بين رسالة امريكا ورسالة الاسلام ، فكل هذا يهون من اجل تحشيده للعرب والمسلمين بالضد من ايران المسلمة ، ايران التي يجرمها اوباما بالسعي لامتلاك السلاح النووي متناسيا ان العرب والمسلمين قد جرموا اسرائيل اولا ، باعتبارها مالكة فعلية للسلاح النووي ومن دون اي رقابة دولية ، اما ايران فهي تخضع للرقابة الدولية ، وهي لم تملك بعد اي سلاح نووي باعتراف خبراء امريكان ! خطاب اوباما الاخير والمتعلق بالهبات الشعبية والحركات الاحتجاجية في البلدان العربية ، ياتي بعد مرور سنتين على خطاب القاهرة ، وهو يؤكد حقيقة النمطية الجديدة في ديباجات خطب الرئيس الجديد والتي لا تتميز عن مضامين سياسات سلفه سوى بلهجته الاخلاقية ، التي يصح فيها القول التالي : اذا كانت سياسات بوش مجرمة وبلا اخلاق ، فان سياسات اوباما مجرمة ايضا ولكنها تبرر اجرامها بمنطق اخلاقي باحسن الاحوال ! لان مقياس الجرم عند اي رئيس امريكي يقاس عندنا نحن العرب والمسلمين بمقدار انصافه عند تعاطيه مع الموضوع الفلسطيني ، وبمقدر حزمه تجاه العربدة الاسرائيلية المدللة ، والتي تتحدى كل الشرعيات بحماية امريكية ، فالكيل بمكيالين او اكثر هو ديدن السياسة الامريكية التي عرفناها ، واوباما لم يكن شاذا عنها ، هو مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح وهو مع تاجيل قضية القدس والاجئين ، وهو ضد اي محاولة لاعلان الدولة بالذهاب للامم المتحدة في سبتمبر ، فباي اختلاف عن سلفه يتحدثون ؟ اوباما في خطابه الاخير لا يكيل بمكيالين بشأن الصراع العربي الاسرائيلي فقط وانما بشان حركات الاحتجاج الشعبية في الاقطار العربية ايضا ، فهو في البحرين غفور رحيم ، وفي سوريا شديد العقاب ، وفي اليمن وسطي ، وفي ليبيا شرطي ، ليس هذا فقط وانما يريد ركوب موجة هذه الاحتجاجات التي ما كان لها ان تتاخر وتتعثر في بعض الاحيان لولا سياسة بلاده الداعمة للانظمة الديكتاتورية في المنطقة ، وهو لم يوعد الثورة في مصر وتونس بالمساعدات المالية لولا وجود ضمانات من عساكر البلدين لعدم خروج الدولتين عن السياق . من الان وصاعدا سوف اضيف السعودية الى قائمة المقدسات الامريكية التي تتصدرها اسرائيل ، فعند اوباما امن اسرائيل يساوي امن امريكا ، لاسباب ثقافية وتاريخية ، ولا ندري لماذا لم يقل لنا اسباب حرصه على امن واستقرار مملكة النفط ، والبترو دولار ، مملكة الاستبداد والعداء اللدود للديمقراطية وحقوق الانسان ، الم يسمع السيد اوباما بالمحتجين السعوديين ؟ الم يسمع باخبارالتعذيب وقطع الرؤوس في سجون المملكة ؟ الم يسأل اوباما نفسه لماذا تحديدا في مملكة الكتمان هناك قاعدة خصبة لتفريخ القاعدة واخواتها والتي خرج منها شيخ الارهابيين بن لادن ـ بحسب توصيف خصومه ـ ؟ كيف لا يعرف وهو الذي قد تبجح بقتله ؟ ياسيادة الرئيس لان الاستبداد الكبير قاعدة ، والفساد الاكبر قاعدة ، في نظام مملكة ملوك النفط ، فان القاعدة قائمة وقادمة فيها ومنها لا محال ، وعليه فمن يحارب القاعدة حقيقة ، ومن يدعو لحقوق الانسان فعلا ، ومن يدعو للديمقراطية صدقا ، عليه ان يدعو لتغيير نظام المملكة ، ام ان المملكة استثناء لاسباب نفطية واستراتيجية ؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل