المحتوى الرئيسى

ضريبة القيمة المضافة في دول مجلس التعاون

05/25 06:34

سعود بن هاشم جليدان أدى تطبيق منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى خفض الإيرادات الجمركية لدول المجلس، خصوصا التي تعتمد بصورة أكبر على الإيرادات الجمركية. وتعتمد دول المجلس على الإيرادات الجمركية بنسب متفاوتة، فكلما ارتفعت حصة الإيرادات النفطية انخفضت حصة الإيرادات الجمركية، وكلما انخفضت حصة الإيرادات النفطية في إجمالي الإيرادات الحكومية ارتفعت مساهمة الإيرادات الجمركية في الإيرادات الحكومية، كما يحصل في عمان والبحرين. ومن المتوقع أن يؤدي توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين دول المجلس كمجموعة والتجمعات الاقتصادية الكبرى ودول العالم الأخرى إلى زيادة خفض الإيرادات الجمركية. وتجري نقاشات منذ فترة من الزمن بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حول تبني فرض ضريبة قيمة مضافة؛ وذلك لتعويض التراجع في الإيرادات الجمركية. وتحاول دول المجلس إيجاد صيغة موحدة حول مسألة ضريبة القيمة المضافة. فهل ينبغي فرض هذه الضريبة وتطبيقها في كل دول المجلس؟ وهل يتم تبني معدل الضريبة نفسه في كل دول المجلس، أم تعطى الدول حرية تطبيق معدلات مختلفة أو إعفاء سلع وخدمات معينة من هذه الضريبة؟ ويوجد تشابه كبير بين دول المجلس في معظم المجالات، لكن هذا لا ينفي أن هناك اختلافات كبيرة بين دول المجلس في مجالات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية. والهدف الأساسي المعلن من فرض ضريبة القيمة الإضافية هو توفير إيرادات مالية لتعويض النقص المتوقع في الإيرادات الجمركية. فهل تعاني دول المجلس وبصورة متساوية نقصا في إيراداتها العامة كي تفرض ضريبة قيمة مضافة؟.. إن الناظر إلى إيرادات دول المجلس في السنوات الأخيرة يرى فوائض كبيرة في إيرادات المالية العامة على الأقل في أربع دول، هي: المملكة، الكويت، قطر، والإمارات. ولهذا تنتفي الحاجة إلى فرض ضريبة القيمة المضافة في هذه الدول لسد العجوزات المالية، وعليه فإن فرضها يعتبر حرصا مبالغا فيه من قبل وزارات مالية دول المجلس للحصول على إيرادات مالية. من جهةٍ أخرى، فلدى الدول التي تعاني عجوزات مالية مبررات وجيهة لفرض هذه الضريبة للتعويض عن تراجع الإيرادات الجمركية. وتختلف دول المجلس في مقدار الفاقد من الإيراد الجمركي نتيجة للاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين دول المجلس أو مع العالم الخارجي، كما تختلف في حجم ونسب الفوائض المالية التي تحققها. ولا يبدو منطقيا تحميل مواطني الدول التي تحقق فوائض مالية أعباء ضريبية نتيجة لظهور عجوزات مالية في دولة أو دولتين من دول المجلس. من ناحية أخرى، يلغي فرض نسب ضريبة موحدة في كل دول المجلس حرية الدول في تحصيل إيرادات إضافية أو منح إعفاءات لبعض السلع والقطاعات التي تعتبر ضرورية ولأهداف وغايات وطنية معينة؛ ولهذا ينبغي توفير مرونة كافية لدول المجلس المختلفة كي تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة للتعامل مع العجوزات المالية. إن فرض أي ضريبة في أي دولة من دول العالم تتمتع بفوائض مالية يعتبر مخاطرة سياسية غير محمودة، بل يعتبره الكثيرون حماقة سياسية غير مقبولة، خصوصا في الوقت الحالي. ولا تلجأ الدول إلى فرض الضرائب أو رفعها إلا في حالة ارتفاع الحاجة إليها، وما دامت الدولة تحقق فوائض مالية أو تستطيع الاقتراض أو خفض النفقات دون مخاطر اقتصادية كبيرة فإن مواطني الدولة سيقابلون فرض أي ضرائب بامتعاض شديد. ونظرا لما تمر به المنطقة من توترات وتشنجات سياسية فإن آخر ما يحتاج إليه أي نظام في المنطقة كلها وفي دول المجلس بالذات فرض ضريبة جديدة، وبدلا من ذلك يرى الكثيرون أن المنطقة تحتاج إلى المزيد من المحفزات لتشجيع النمو والتوظيف. ويوجد اختلاف كبير بين الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة، فالأخيرة تفرض على الإنتاج المحلي والواردات دون تمييز، كما تفرض على السلع والخدمات، بينما تفرض الضرائب الجمركية على الواردات السلعية فقط، ولهذا فهي أكثر عبئا على المستهلك من الضرائب الجمركية. ويلغي استبدال الضرائب الجمركية بضريبة القيمة المضافة الدعم الذي توفره الضرائب الجمركية للمنتجات المحلية من السلع، ويخدم الواردات أكثر من الإنتاج المحلي. وتُغرق الواردات من كل بقاع العالم الأسواق الخليجية، فهل ما تحتاج إليه المنطقة المزيد من الواردات؟ ومن مساوئ ضريبة القيمة المضافة أيضا أن تطبيقها أصعب إداريا من تطبيق الضرائب الجمركية. وتميز ضريبة القيمة المضافة ضد الاستهلاك، حيث ترتفع معدلاتها على المواد الاستهلاكية بينما تعفى السلع الرأسمالية منها؛ ولهذا فهي تميل إلى مصلحة ذوي الدخول المرتفعة. ويرى كثيرون أن ضريبة القيمة المضافة أقل عدالة من ضرائب الدخل أو الضرائب على المكاسب الرأسمالية أو الضرائب على العقارات التي تتركز بنسب قليلة من السكان. ومن المتوقع أن يضيف فرض ضريبة القيمة المضافة المزيد من الضغوط على الأسعار، حيث سترتفع الأسعار بنسب زيادة الضريبة نفسها، وقد يبالغ بعض مزودي السلع والخدمات في الاستفادة من فرض هذه الضريبة من خلال زيادة الأسعار بنسب أكبر من الضريبة نفسها. من جهةٍ أخرى، قد تنعم بعض القطاعات الاقتصادية بنعمة الإعفاء منها، حيث من المتوقع ألا تشمل هذه الضريبة القطاع النفطي الذي يمثل على الأقل نصف الناتج المحلي الإجمالي في المملكة. ومن المتوقع أن يمارس المتنفذون ضغوطا كبيرة للحصول على إعفاءات في معدلات الضريبة لعدد من الصناعات والقطاعات الاقتصادية. ونتيجة لهذا ستنخفض تغطية هذه الضريبة لأقل من نصف الاقتصادات الخليجية وستتراجع الإيرادات المالية المرجوة منها. ونقطة أخيرة ينبغي التنويه إليها وهي ضرورة تجنب أي قرارات قد تسيء إلى صورة مجلس التعاون لدى مواطني دول المجلس، ولا أعتقد أن فرض هذه الضريبة أو أية أعباء أخرى تحت غطاء مظلة مجلس التعاون سيحسن من صورة المجلس في أذهان المواطنين الخليجيين. *نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل