المحتوى الرئيسى

تضليل الإعلام الجديد

05/25 05:04

مرام عبد الرحمن مكاوي ساهمت الأحداث السياسية المتلاحقة منذ بداية العام الجديد في تعزيز دور ما بات يُعرف بالإعلام الجديد، وناله من التصفيق والتقدير الشيء الكثير. فيكفي لدى البعض أن هذه الوسيلة الإعلامية التي يديرها هواة وشباب بالمجان قد تفوقت في أحيان كثيرة في السرعة والدقة على شبكات الإعلام العالمية التقليدية العريقة ذات الميزانيات الضخمة. أقرب مثال ما حصل مؤخراً في عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة، فالخبر بثه موقع "تويتر" قبل أن ينطق به أي مذيع أو يكتبه أي محرر. وفي العالم العربي خصوصاً كانت أدوات الإعلام الجديد أحد أسلحة الثوار الفعّالة كما يقال في زمن الربيع العربي. وفي خضم هذا الوهج والاحتفاء بالجديد..لا يُلتفت كثيراً لجوانبه الأخرى. لعل أول انتقاد يواجه الإعلام الجديد هو الحديث عن غياب المصادر الموثوقة للخبر، والاستعجال في تداول الأخبار وكسب السبق في ذلك، وهو ما أدى أحياناً إلى تناقل الكثير من الشائعات. كما أن المعلومة والخبر يمكن أن يختفيا بكبسة زر يحذف فيها المستخدم مساهمته في هذا الموقع أو ذاك، لكن في الواقع لا بد من الاعتراف بأن الإعلام التقليدي يقع في مثل هذه الأمور أيضاً رغم أنه يدار من قبل متخصصين، بل قد يجادل البعض بأن الإعلام الجديد قد يقع في الخطأ بشكل عفوي، في حين أن التاريخ يسجل لنا قيام الإعلام التقليدي بعمليات تضليل متعمدة للمتلقي خدمة لأجندات معينة. المشكلة الكبرى فيما يتعلق بالإعلام الجديد هي أنه بات يقدم صورة غير واقعية عن القدرات التي يملكها، فهو يملك أدوات رائعة غير مسبوقة في تداول المعلومات وتبادل الرؤى والأفكار والربط بين أصحاب القضية الواحدة، لكنه يظل في النهاية كما هو في الأصل وسيلة وأداة إعلامية غير قادرة على صنع الحدث كما يروج الكثيرون، وإنما قدرته تكمن في نقل صورة شديدة الصفاء عن هذا الحدث. من يعتقد أن "فيس بوك" و" توتير" هما من صنع الثورتين العربيتين الناجحتين -حتى الآن- فهو واهم. ثورة تونس بدأها " محمد البوعزيزي" في الشارع، فأشعل جذوة الغضب في أرواح التوانسة الذين نزلوا للشوارع مطالبين بالتغيير، وكان الإعلام الجديد ينقل ما يجري على أرض الواقع، وربما كان يساهم في التنسيق بين المتظاهرين وتشجيع غيرهم، لكن كان هناك بالأصل غضب كافٍ في الوسط التونسي كفيل بتحريك متظاهرين حقيقيين. الأمر نفسه حصل في مصر، فالنفوس كانت تغلي ابتداء، والشعب كان قد وصل مرحلة اللاعودة، قالها لي زميل مصري في عام ٢٠٠٨ في نوتنجهام:"لن يصبر الشعب أكثر"، وهكذا بعدها بعامين حصل ما توقعه. كان هناك أيضاً مقتل الشاب "خالد سعيد "المأساوي من قبل أجهزة الأمن المصرية، والذي أشعل بركاناً من الغضب تفجر لاحقاً وأنتج ثورة. مرة أخرى كان الإعلام الجديد هناك ينقل الحدث ولا يصنعه بمفرده، واستمرت الثورة حتى حين تم قطع الإنترنت تماماً عن مصر. الوقائع المذكورة أعلاه ليست واضحة في ذهن الكثيرين ممن تبدو الصورة لهم على النحو التالي: تستطيع بضغطة زر فقط، وأنت في فراشك، أن تغير وجه العالم! وكانت النتيجة مجموعة من الثوار الرقميين الذين يعتقد أحدهم أنه حين ينصر قضية ما في الشبكة فقد أدى كل ما عليه تجاهها، وبات لديه تصور ساذج عما تتطلبه الثورة والتغيير والنصرة وحتى الجهاد. صار يظن أنه يكفي أن ينشئ حساباً هنا أو صفحة هناك، يدعو فيها لإسقاط نظام ما، في جمعة ما، وسيتحقق ذلك في غضون أسابيع قليلة! حسناً ثورات ليبيا وسورية واليمن أثبتت أن الأمور أعقد بكثير من ذلك. وحتى لو تركنا المواضيع ذات العيار الثقيل مثل الثورات، واتجهنا إلى القضايا الأقل وزناً وأهمية، فسنجد أن الأمر نفسه يتكرر، فإذا كنت صاحب قضية ما وقمت بإنشاء صفحة خاصة بك في الفيس بوك وحساب محدد في توتير، فستجد أنه خلال أيام قليلة-اعتماداً على نوع قضيتك- قد تبعك المئات والآلآف من المعجبين والأنصار الذين يقولون لك سر على بركة الله وكلنا خلفك وسندعمك! فإن فرحت بدعمهم هذا وظننت أنه قد تكون لك جيشٌ كافٍ لتحرير القدس فأنت واهم وغارق في السذاجة. فتسجيل"المتابعة" في توتير وعمل "إعجاب "في الفيس بوك لا يستغرق أكثر من بضع ثوانٍ قد لا يلقي خلالها المستخدم بالاً لما تقوله بالأصل، فقد وصلته دعوة من صديق عزيز لحضور هذه الفعالية أو دعم تلك القضية فقبلها دون أن يقرأها.. فهو لا يدري هل نتحدث هنا عن نصرة فلسطين أم عن حماية قرود البابون! ليس هدفي التثبيط، أو التقليل من جهود الآخرين، أو معاداة التقنية الحديثة، ولا استهزاء بالمستخدمين الشباب، الذين قلوبهم على الأقل في المكان الصحيح، ولا تقليلاً من أهمية التفاعل الرقمي في التعريف بالقضايا ونشر الوعي والربط بين أصحاب الاهتمامات المشتركة، وإنما لتوضيح ما قد يكون غائباً عن أذهان بعض أصحاب القضايا العادلة، الذين يؤمنون "أكثر مما يُستحق" بقوة الإعلام الجديد، ويحسبون حساباً "أقل مما ينبغي" لتداعيات أفعالهم. فإذا أردت أن تحشد الدعم لقضيتك وكنت تبحث عن دعم فعلي ومشاركة حقيقية فيها، فلا تعتمد على هؤلاء الأنصار والمعجبين الرقميين، بل على من تعرف بأنه سيدعمك فعلاً على أرض الواقع، فإن لم يوجد لديك عددٌ كافٍ من هؤلاء، فلا تتخذ أي إجراء فعلي، وإلا فقد تجد نفسك وحيداً في معركة لم تعد نفسك لها، فتكون بذلك كبش الفداء للنضال في العصر الرقمي: تطبيل من خلف الشاشات ووعود تذهب أدراج الرياح حين تأتي ساعة الصفر الحقيقية. *نقلا عن "الوطن" السعودية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل