المحتوى الرئيسى

ضعف الإيمان بقلم:المحامي الدكتور مسلم اليوسف

05/24 21:55

ضعف الإيمان و أثره الخطير في دنو همة المسلم بقلم المحامي الدكتور مسلم اليوسف [email protected] بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب:70،71 ) أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعال ى، وخير الهدى هدي محمد –صلى الله عليه وسلم -، وإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . فهذا مبحث مبسط بينت فيه ضعف الإيمان و أثره الخطير في دنو همة المسلم في ضوء القرآن الكريم أتمنى على طلاب العلم و طلاب الهمة الاستفادة منه . و الله الموفق الإيمان بالنسبة للفرد ، و المجتمع صمام الأمان الذي يقي من المهالك ، و المخاطر ، و إذا خلت الحياة من الإيمان ؛ فقد خلت من كل معاني الخير ، و الفضيلة ، و الإنسانية ، و حلت بها كل دواعي الشر ، و الفساد ؛ و الشقاء ، فالفرد بغير إيمان إنسانُ ليس له قيمة ؛ و لا جذور ، إنسان قلق ، منهزم ، حائر ، دنيء الهمة ؛ لا يعرف حقيقة نفسه ، و لا سر وجوده . والمجتمع بغير إيمان مجتمع غابة ، و إن لمعت فيه بوارق الحضارة ، مجتمع منكس الموازين ، الحياة ؛ و البقاء فيه للأشد ؛ و الأقوى ، لا للأفضل ؛ أو الأنقى ، مجتمع لا يلتفت إلى المعالي ؛ و لا يطلبها ؛ لأن غايات أهله لا تتجاوز شهوات البطون ؛ والفروج ، فكان دنو الهمة لهم رمزاً وصفة ، و كما هو معلوم ، فإن الإيمان له أثره الواضح الذي لا يُنكر في إعلاء الهمم ، و إصلاح الأفراد ، و المجتمعات ، و ليس غير الإيمان يملك أن يغير النفس البشرية تغييراً تاماً ، و يُنشئ الإنسانَ ، و يجعله خلقاً آخر يمتاز بكل الصفات الحميدة التي تقوده إلى هدفه ؛ و مبتغاه . فالإيمان جذوة تتقدُ في قلب صاحبها ، فتقوده إلى كل خير ، و تنأى به عن كل شر ، فإذا ما ضعُف الإيمان ، أو فُقد . فإن صاحبه لن يبال بالكرامات ، و لن يسعى للمعالي . و من المعلوم يقيناً أن الإيمان حين يتغلل في النفوس ، و تخالط بشاشته القلوب يكون أول سلاح يتسلح به الإنسان في مواجهة الحياة ، فالإيمان هو المنبع الوحيد للطاقة الإنسانية ، فهو الدافع العظيم للمسلم للعمل ، و البذل ؛ و الرقي إلى معالي الأمور . إنّ ضعف الإيمان من أهم صفات أصحاب الهمم الدنيئة ؛ لأن صاحب الهمة الدنيئة لا يحرص على تقوية إيمانه ؛ و زكاة قلبه ، و لا يهتم بنفسه ، فيقوم عليها بعبودية المجاهدة ، و المحاسبة ، للتطلع إلى عاليات الأمور في الدنيا ، و الآخرة . يقول الرسول  - - : ( إنّ الإِيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كما يَخْلَقُ الثَّوْبُ فاسْأَلُوا اللهَ تعالى أن يُجَدِّدَ الإِيمانَ في قُلُوبِكُمْ ) .( ) فها هو الرسول -  - يُبين لنا أن الإيمان في القلب إنما يزيد ؛ و ينقص ، ويقوى لحظة ، و يتغير لحظة أخرى ، و صاحب الهمة العالية يسعى دائماً إلى أن يبقى الإيمان قوياً ؛ و حياً ينبض في قلبه . أما من دنت همته ، فنراه يُطفيء شعلة الإيمان في قلبه ، حتى يصبح قلبه خاوياً فارغاً خرباً كالبيت الخرب ؛ لأنه قد خلا من ذلك الإيمان الذي يصفه صاحب تفسير المنار بقوله : ( إن الإيمان نورٌ ، نور في القلب ، و نور في الجوارح ، نور يكشف حقائق الأشياء ، و القيم ؛ و الأحداث ؛ و ما بينهما من ارتباطات ؛ و نسب ؛ و أبعاد ، فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور الله ، فيرى الحقائق ، ويتعامل معها ، و لا يتخبط في طريقه ، و لا يتعثر في خطواته ) ( ) . إن ضعف الإيمان من أهم أسباب دنو الهمة ، و أعظمها ، ففاقد الإيمان فاقد للهمة العالية ، و حينما يُعرض الإنسان عن الإيمان ، أو يضعُف إيمانه ، فإنه لا شك تضعف همته ، و تسوء سريرته ، و يَنكبُ على المعاصي ، و يُعرض عن الله تعالى . و إن علو همتنا لا تظهر إلا حينما يقوى إيماننا بالله ، و يبلغ في نفوسنا مداه ، ويشرف على قلوبنا بناه ، و تحط في أعماقنا مجراه ، و حيث ضعف الإيمان دنت همة المرء ، و انحطت عزيمته ، فارتباط الإيمان بالهمة ارتباط وثيق ؛ و لذلك قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) . فالإعراض عن الله هو ضعف الإيمان ، فالإيمان مع معصية الخالق ، كالشمس المكسوفة ؛ أو كالسراج إذا غطيته بصفحة( ) ، فهو موجود ، و لكن هذا الوعاء يمنع نوره من الظهور ، لذلك يكون هذا الإنسان البعيد عن ذكر الله تعالى دنيء الهمة ، لا يبحث إلا عن سفاسف الأمور . قال أبي السعود في تفسير هذه الآية : ( إن من أعرض عن ذكر الله - عز وجل - في الدنيا ، فإن الله تعالى ضيق عليه حياته ؛ و ذلك ؛ لأن مجامع همته ، و مطامح نظره مقصورة على أعراض الدنيا ، و هو متهالك على ازديادها ، و خائف من انتقاصها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه قد يضيق الله بشؤم الكفر ، و يوسع ببركة الإيمان )( ) . يقول ابن الجوزي - رحمه الله - : ( يجب أن تكون همة المؤمن متعلقة بالآخرة ، فكل ما في الدنيا يُحركه إلى ذكر الآخرة ، و كل من شغله شيء ، فهمته شغله ، والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر ، و إن رأى الناس ذكر الناس في القبور ) ( ) . فمن جعل الآخرة همه ، كما قال ابن الجوزي : فقد فاز الفوز العظيم ، و لا يكون إلا أصحاب الإيمان القوي الذي قادهم إيمانهم هذا إلى علو الهمة ، و طلب الآخرة بدلاً من الدنيا . ترك الطاعات ، و فعل المعاصي : لما طغى على الإنسان حب الدنيا ، و فعل المعاصي أصبح قلبه متعلقاً بها ، وغلب عليه نسيان الآخرة ، بدأ ينسى ذلك الرابط الذي يربطه بخالقه جل ؛ و علا ، فبدأ يبعد رويداً عن تلك الطاعات ، و الأجواء الإيمانية التي كانت بينه ، و بين ربه - عز وجل - . و للأسف يجد الإنسان نفسه أمام تنازل تلو تنازل ، فاليوم يترك طاعة ، و غداً يترك طاعة أخرى ، حتى يصل إلى مرحلة من قسوة القلب ، و ضعف الإيمان . قال تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) و قد دلت الآية على أن طول البعد عن الطاعات هو مدعاة لضعف الإيمان في القلب . يقول السعدي – رحمه الله – في تفسيره هذه الآية : ( أي : و لا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب ، و الانقياد التام ، ثم لم يدوموا ، و لا ثبتوا ، بل طال عليهم الزمان ، و استمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم ، وزال إيقانهم ، فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزله الله ، و تناطق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك ، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجود العين ) ( ) . إن الذنوب ، و المعاصي رأس الفتنة ، و محرك الشر ، و قائدة لدنو الهمة ، و مما يُبين ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) . فهؤلاء الذين هزموا ، و فروا قد ضعفوا ، و تولوا بسبب معصية ارتكبوها ، فظلت نفوسهم مزعزعة بسببها ، فدخل عليهم الشيطان من ذلك المنفذ ، و استذلهم فذلوا وسقطوا ، و في هذا تصوير لحالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئة ، فتفقد ثقتها في قوتها ، و يضعف ارتباطها بالله ، و يختل توازنها ، و تماسكها ، و تصبح عرضة للوساوس ، و الهواجس ، و قد يسأل سائل لم جاء الحديث عن الربا ، و الفواحش ، أو ظلم النفس وسط الحديث عن غزوة أحد ؟. و ما العلاقة بين ذلك كله ؟ . و أقول : إن الله أراد أن يبين أنه لا يُضر مع المعصية أيَّاً كان نوعها ، ربا أم غيرها من الفواحش ، فالذنوب ، و المعاصي تعيق النصر ، و تمنعه ، و القرآن يوجهنا هذه التوجيهات في سياق المعركة الحربية ، ليرشدنا إلى خاصية من خصائص العقيدة ، و هي خاصية الوحدة ، و الشمول ، و أن هذا الجمع بين الأعداء ، و الاستعداد للمعركة الحربية ، و بين تطهير النفوس ، و القلوب كل من مقومات النصر ، وضروراته )( ). فانظر كيف كانت المعصية سبباً لضعف همتهم ؛ و دنوها ، يقول ابن كثير – رحمه الله - : ( أي : تولوا بسبب ذنوبهم السابقة ، كما قال بعض السلف : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، و إن من جزاء السيئة السيئة بعدها ) ( ) . إن كل معصية ذكرها الله - عز وجل - في كتابه ، و النبي -  - في سنته سببها ضعف الإيمان ، و تُظهر نظرة القرآن الكريم لظاهرة ضعف الإيمان على أنها سبب في دنو همة العبد ، و جعله من العصاة . يقول السعدي – رحمه الله - : ( الطائفة الأخرى الذين قد أهمتهم أنفسهم ، فليس لهم هم في غيرها ، لنفاقهم ؛ أو ضعف إيمانهم ، فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم " يقولون هل لنا من الأمر من شيء " و هذا استفهام إنكاري ، أي : ما لنا من الأمر – أي : النصر ؛ و الظهور – شيء ، فأساءوا الظن بربهم ، و بدينه ؛ و نبيه ، وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله ، و أن هذه الهزيمة هي الفيصلة ، و القاضية على دين الله ، .... فيخبر تعالى عن حال الذين انهزموا يوم " أحد " و ما الذي أوجب لهم الفرار ، و أنه من تسويل الشيطان ، و أنه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم . فهم الذين أدخلوه على أنفسهم ، و مكنوه بما فعلوا من المعاصي ، لأنها مركبه ؛ و مدخله ، فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان ) ( ) . فضعف الإيمان في قلب المؤمن يؤدي به – لا محالة – إلى دنو همته في الأمور كلها ، فتموت نفسه ، و ينطفئ نور عقله ، و يكون فريسة للشيطان ، و محلاً للانحطاط ، وعدم الكمال . يقول تعالى : ( إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً ) . فكل من ضعف إيمانه دنت همته ، و الدليل في هذه الآية لقيامهم إلى الصلاة بكسل . قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : ( أي يصلون مراءاةً ، و هم متكاسلون متثاقلون ، لا يرجون ثواباً ، و لا يعتقدون على تركها عقاباً ) ( ) . و يقول السعدي – رحمه الله - : ( و من صفاتهم أنهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي أكبر الطاعات العملية قاموا كسالى متثاقلين لها ، متبرمين من فعلها ، و الكسل لا يكون إلا من ، فقد الرغبة من قلوبهم ، فلولا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله ، و إلى ما عنده ، أو عادمة للإيمان ، لم يصدر منهم الكسل ) ( ) . فهذه الآية تدل على أن من ترك الطاعات بسبب ضعف الإيمان في قلبه كان نتيجة ذلك الكسل ، و العجز ، و ما ذاك إلا بسبب دنو الهمة ، و كل من دنت همته ، يصبح أداء الطاعات ، و العبادات صعباً عليه ، و تثقل عليه فعلها . يقول البقاعي – رحمه الله - : ( متقاعيسين متثاقلين عادة ، لا ينفكون عنها ، بحيث يعرف ذلك منهم كل من تأملهم ؛ لأنهم يرون أنه تعب من غير رأي ، فالداعي إلى تركها هو الراحة ) ( ) . و مما يبن لنا أن ضعف الإيمان من الأسباب الركيزة ، لدنو الهمة قوله تعالى : ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَليَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقعُدُوا مَعَ الخَالِفِينَ * وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ * وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ* لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . فقد ذم الله تعالى ضعاف الإيمان في هذه الآيات ، و هم المنافقين الذين تخلفوا عن صحبة رسول الله -  - في غزوة تبوك ، و فرحوا بقعودهم ، و كرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم ، و أنفسهم في سبيل الله ، و قال بعضهم لبعض إغراءاً لهم بالثبات على المنكر ، و تثبيطاً لعزائم المؤمنين : لا تخرجوا إلى الجهاد في الحر ، فأمر الله نبيه -  - بأن يقول لهم : إن نار جهنم التي سيصيرون إليها هي أشد حراً من قيظ الصحراء الذي فروا منه ، و لو أنهم كانوا يدركون ، و يعقلون لما تخلفوا وقعدوا ، و لما فرحوا بقعودهم ) ( ) . فانظر كيف كان ذلك التقاعس عن الجهاد في سبيل الله ، و ما ذلك إلا لضعف الإيمان بالله تعالى الذي هو أصل علو همة العبد . قال الشيخ محمد أبو زهرة في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) : ( نداء إلى الذين آمنوا يشير بهذا النداء إلى أن الجهاد في سبيل الله تعالى ثمرة الإيمان ، والتقاعس عن القتال يكون من ضعف الإيمان ، أو مرض القلوب ) ( ) . و يقول السعدي – رحمه الله - : ( يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم ، و عدم مبالاتهم بذلك ، الدال على عدم الإيمان ، و اختيار الكفر على الإيمان ، ( فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ ) و هذا قدر زائد على مجرد التخلف ، فإن هذا تخلف محرم ، و زيادة رضا بفعل المعصية ، و تبجح به ، ( وَ كَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) و هذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا – و لو لعذر- حزنوا على تخلفهم ، و تأسفوا غاية الأسف ، و يحبون أن يجاهدوا بأموالهم ، وأنفسهم في سبيل اله ، لما في قلوبهم من الإيمان ) ( ) . هؤلاء الذين ضعف إيمانهم ، فأدركتهم ثقلة الأرض ، ثقلة الحرص على الراحة ، و الشح بالنفقة ، فأصابهم ضعف الهمة ، و هزال النخوة ، و خواء القلب من الإيمان. إن هؤلاء لهم نموذج لضعف الهمة ، و طراوة الإرادة ، و كثيرون هم الذين يُشفقون من المتاعب ، و ينفرون من الجهد ، و يؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ، و يفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز . و هم يتساقطون إعياء خلف الصفوة الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات ، و لكن هذه الصفوف تظل في طريقها المملوء بالعقبات ، و الأشواك ؛ لأنها تدرك بفطرتها أن كفاح العقبات ، و الأشواك فطرة في الإنسان ، و أنه ألذ ، و أجمل من القعود ، و التخلف ، و الراحة البليدة التي لا تليق بأصحاب الهمم العالية ( ) . فلو قوي إيمان العبد لتبع خطى النبي -  - خطوة خطوة ، و لجعلته همته أكثر الناس انقياداً وراء رسول الأمة -  - ، و نجد من خلال الآيات السابقة أن طاعة الله ، و رسوله لا تكون إلا من أصحاب الهمم العالية ، و الإيمان العميق ، فهؤلاء الذين تخلفوا ، و عصوا رسول الله -  - ما فعلوا ذلك إلا بعد أن فتر الإيمان في قلوبهم ، فتلاشت همتهم ، فأصبح همهم كيف يريحون الأجساد ، و الأبدان الفانية دون النظر إلى الراحة الحقيقة ، و هي الراحة التي تكون عند لقاء الله - عز وجل - يوم القيامة . يقول سيد طنطاوي : ( و إنما فرحوا بهذا القعود ، و كرهوا الجهاد ؛ لأنهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان بالله ، و اليوم الآخر ، و هبطت نفوسهم عن الارتفاع إلى معالي الأمور ، و آثروا الدنيا ، و شهواتها الزائلة على الآخرة ، و نعيمها الباقي ، وكان ذلك بسبب ضعف إيمانهم ، و سوء نيتهم ) ( ) . و يقول ابن القيم – رحمه الله - : ( فلما تركوا الإيمان بالله ، و بلقائه ، وارتابوا بما لا ريب فيه ، و لم يريدوا الخروج في طاعة الله ، و لم يستعدوا له ، و لا أخذوا أهبة ذلك ، كره الله انبعاث من هذا شأنه ) ( ) . إن حقيقة الإيمان الذي نقصده ، و الذي يُعلي الهمم لابد أن يكون بنفس الصفات التي حددها الله رب العالمين ، و رسم معالمها رسول الله -  - ، فالإيمان في حقيقته عمل نفسي يبلغ أغوار النفس ، و يحيط بجوانبها كلها من إدراك ، و إرادة ؛ و وجدان ، فالإيمان المطلوب الذي يُعلي الهمة ليس مجرد شعار يُرفع ، أو دعوة تُدعى ، إنه أسلوب حياة متكامل للفرد ، و الأمة ، إنه ضياء ثاقب ينفذ إلى الفكر ، و الإرادة والهمة في دنيا الفرد ، و يحوله من إنسان لا يحمل مبادئ إلى إنسان ذو رسالة ، وهدف ، يفكر في معالي الأمور ، فإذا ضعف هذا الإيمان في نفس المسلم جعله مخلوقاً لا يعبئ بشيء ، دنيء الهمة لا يلتفت لمعالي الأمور ؛ و أشرافها ، و ما ذاك إلا لضعف الإيمان في قلبه ، فالإنسان بدون الإيمان كالشمس المحجوبة ؛ لأنه سيعيش بدونه حياة التعاسة ، و الشقاء ؛ فيصبح تافه رخيص ؛ لأن أهدافه لا تتجاوز شهوة بطنه ؛ و فرجه ، فهو كما قال تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) يقول البغوي في تفسير هذه الآية : ( ليس لهم همة إلا بطونهم ، و فروجهم ، وهم لاهون ساهون عما في غد ، قيل : المؤمن في الدنيا يتزود ، و المنافق يتزين ، والكافر يتمتع ) ( ) . إن ضعف الإيمان من أهم الأسباب لدنو الهمة ، ففاقد الإيمان فاقد للهمة العالية ، و حال ضعيف الإيمان كالفراش الذي يُلقي نفسه في النار ، و من عصى الله تعالى كان ضعيف الإيمان ، فحاله كحال الفراش ، فهو يُلقي نفسه في نار جهنم ، بعصيانه أوامر الله تعالى . فلا إيمان بلا أداء للطاعات ، قال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لله وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) . و معنى ذلك أن الله أمرنا بطاعته ، و طاعة رسوله -  - ،و المراد أن الإيمان الذي دعاكم الرسول -  - إليه ، و رغبتم فيه لا يتم حصوله إلا بالتزام الطاعة ، فاحذوا الخروج عنها . يقول السعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : ( فإن الإيمان يدعو إلى طاعة الله ، و رسوله كما أن من لم يطع الله ، و رسوله ، فليس بمؤمن ) ( ) . و قد حذر الله تعالى المؤمنين من كل شيء سيعمل على تثبيط هممهم ، ويجعلهم يبتعدون عن فعل الطاعات التي تقربهم منه جل و علا ، حتى ، و إن كانوا الأبناء ، والأزواج . يقول تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . أي يحملهم إياكم على ترك الطاعة ، فاحذروهم إن أبعدوكم عن الله ، و أداء الطاعات . يقول الجزائري في تفسير هذه الآية : ( أي من بعض أزواجكم ، و بعض أولادكم عدواً أي يشغلونكم عن طاعة الله ، أو ينازعونكم في أمر الدين ، أو الدنيا ، فاحذروهم : أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير )( ) . فانظر كيف أن الابتعاد عن الطاعات دليل على ضعف الإيمان ، و ضعف الإيمان يقود المرء إلى دنو الهمة ، و البعد عن معالي الأمور . نجد أن ارتكاب المعاصي ، و ترك الطاعات إنما يولد في القلب وحشة ، و يجعل في النفس ظلمة ، فنور القلب هو الإيمان ؛ و الطاعة ، فإذا غفل القلب عنها أصبح مظلماً تائهاً عن الطريق ؛ و الصواب ، و نجد همته اتجهت إلى إشباع رغبات النفس ، وسارت وراء خطوات الشيطان ، فإذا أصر على ارتكاب المعاصي صار من حزب الشيطان ، فصار مسلوب الهمة ، مسلوب الإرادة يفعل ما يأمره به هواه ، و نفسه الأمارة بالسوء ، فكان من أبرز صفات هذا المرء دنو الهمة الذي قاده ، و أوصله إلى الانحطاط في الدنيا ، و الآخرة . إن قضية الإيمان هي القضية الأولى ، و الأساسية لهذه الأمة ، فإذا تأخرت مسيرة الإصلاح ، أو سارت في غير طريقها ، و ضعفت همم المسلمين ، فمرد ذلك إلى انحرافهم عن فهم الإيمان الحقيقي الذي يدفعهم للرقي ؛ و الكمال ، و لا سبيل إلى إصلاح حال المسلمين إلا بالإيمان الذي يعلو بالهمم ، فللأسف ؛ فإن كثيراً من البلاد الإسلامية لا تضع الإيمان ضمن وسائل الرقي ببلادها ، و النهوض بأبنائها ، بل تجعل أكبر همها ، و مبلغ علمها في الرقي الصناعي ؛ و الحربي ، و الفني ... و غير ذلك ، ولا تلتفت إلى الإيمان كأعظم وسيلة للرقي ، و التقدم ؛ و علو الهمة . يقول تعالى مبيناً أن ضعف الإيمان يقود الإنسان لدنو الهمة ، و طلب سفاسف الأمور : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) . قال أسعد حومد : ( لما رجع النبي -  - و المسلمون بعد معركة أحد . قال أناس من أصحاب النبي -  - : ( من أين أصابنا هذا ؛ و قد ؛ وعدنا الله تعالى النصر ؟ . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، و فيها يقول للمؤمنين : إنه صدقكم ما وعدكم به من نصر ، فكنتم تقتلونهم قتلاً ذريعاً بإذن الله ، و سلطكم عليهم ، حتى إذا أصابكم الضعف ؛ و الفشل ، و عصيتم أمر الرسول ، و تنازعتم في الأمر ، ( و هو ما وقع للرماة الذين أمرهم الرسول أن يلزموا مواقعهم ، فتخلوا عنها ) ، و كان الله قد أراكم الظفر ، و هو ما تحبونه ، فكان منكم من يريد الدنيا ، و يطمع في المغنم ، حين رأوا هزيمة المشركين ، فتركوا مواقعهم على الجبل ، و منكم من كان يريد الآخرة في قتاله المشركين لا يلتفت إلى المغنم ، فثبت مكانه ، و قاتل الله المشركين عليكم ، و جعل لهم الغلبة عليكم ليختبركم ، و يمتحن ثباتكم على الإيمان ، و قد غفر الله لكم ذلك الفعل ، و هو عصيان أمر الرسول ، والهرب من المعركة ، و محا أثره من نفوسكم ، حينما أظهرتم الندم ، و رجعتم إلى الله ، حتى صرتم ، و كأنكم لم تفشلوا ). ( ) قال سيد طنطاوي : ( لتمييز قوي الإيمان من ضعيفه ، و ليبين لكم العابد المخلص من غيره )( ). إن تلك الهزيمة النكراء في أحد للمسلمين كانت تجسد لنا ضعف الإيمان ، وكيف أنه إذا شابه شائبة من إرادة الدنيا حلت الهزيمة ؛ و الخسارة ، فبسبب ضعف الإيمان في أولئك الرماة كانت الهزيمة . و نلحظ في تفسير القرآن ، وصف من ثبتوا مع رسول الله -  - بـ ( المؤمنين ) رغم أن الذين انهزموا مؤمنين ، و ما ذاك إلا إشارة إلى شرط النصر الذي قدره الله في كتابه ، و هو الإيمان الخالص . و أما الذين انهزموا ، و قادهم ضعف إيمانهم للالتفات إلى سفاسف الأمور ، وهي الدنيا ؛ و الغنائم ، فلما كان الإيمان المشوب بالضعف حصل التخلف ؛ و الهزيمة ، و النصر لا يكون إلا للمؤمنين الخلص ، كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) . إن المقصود بالمؤمنين ليس مجرد التسمية لهم بالإيمان ، أو ذكر جنسهم ، و أنهم من أهل الإيمان ، و إنما المقصود هنا المؤمنين الخُلص الذين حققوا الإيمان تحقيقاً ، وجردوه لله تجريداً ، فهم الذين ارتفعت همتهم بالإيمان ، فجعل الله لهم حقاً عليه أن ينصرهم ، أما مجرد حصول الإيمان ، و التسمي به ، فلا يتناوله هذا الوعد . إن ضعف الإيمان بالله يجعل الحياة خالية من المعاني السامية ، و القيم الإنسانية النبيلة ، فيجعل الإنسان ضعيفاً عاجزاً عن العمل لا يتطلع إلى الرقي ؛ و الكمال ، ويفقد الإنسان الشعور برسالته الكبيرة في الحياة كخليفة الله في الأرض ، فتضيع منه الرؤية الواضحة لأهدافه الكبيرة في الحياة ، و هي عبادة الله تعالى ؛ و التقرب إليه ، ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ الكمال الإنساني الذي تتحقق له به السعادة في الدنيا ، والآخرة ( ). و لذلك كان من أهداف الإسلام التربوية تقوية هذا الإيمان الذي يقود إلى الجد ؛ و العمل ؛ و البذل ، و التغلب على أهوائه التي لا خير فيها ، و كبح جماع شهواته التي تقوده إلى ضعف هذا الإيمان ، فيرفض بإصرار ، و حزم كل وساوس الشياطين ، وتسويلاتهم ، و ينتصر بعزيمة ، و همة على كل إغراءاتهم ، و حتى تكون إرادته هي صاحبة السلطة الفعالة في كيانه . أثر ضعف الإيمان على الأمة : إن المسلمين اليوم ، فقدوا الرغبة في العمل ؛ و العطاء ، و تسرب إليهم الوهن ، و الضعف ، و دنو الهمة لضعف إيمانهم ، فالقوة الإيمانية التي دفعت إسلامهم نحو الرقي ؛ و البناء ، لم تعد تملك الوقود اللازم الذي يتمثل في صفاء الروح ، و وضوح الهدف ؛ و الفكرة ، و بذلك أصبح المسلمين عاجزين عن أداء رسالتهم الحقيقية ؛ لأن مَن يفقد تلك القوة الدافعة للعمل سيبقى ثابتاً في مكانه يدور حول نفسه . و قد بين الرسول -  - حال الأمة حين تفقد تلك القوة الإيمانية ، قال -  - : ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ) ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَ مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ . قَالَ : ( بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَ لَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَ لَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَ لَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ) ، فَقَالَ : قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوَهْنُ ؟ . قَالَ : ( حُبُّ الدُّنْيَا ، وَ كَرَاهِيَةُ المَوْتِ )( ). إن هذا الحديث يُقدم لنا تفسيراً واضحاً ، للأزمة التي تمر بها الأمة الإسلامية في هذا العصر ، مع ما لديها من كثرة في العدد ، و وفرة في الوسائل . إن الرسول -  - وصف الأمة بالغثائية ، و هي تعني : فقدان الإيمان ، والمنهج ؛ لأن السيل المتدافع ليس له هدف يسير إليه ، و هو في سيره يحمل ركاماً من الأشياء التي ليس لها أية أهمية في نظر الإنسان ، و ما تلك الغثائية إلا بسبب حب الدنيا ، و كراهة الموت ، و بعدنا عن الإيمان . إن ضعف الإيمان أصل الأسباب التي جعلت هذا الضعف ، و دنو الهمة عند الأمة ، فدب العجز ، و الكسل في أفرادها ، و مما يبين لنا أن الإيمان يقوي العزم عند المؤمن ، و يزيل أثر الغثائية ، و الوهن ؛ و الشعور بالضعف قوله تعالى : ( الذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) . عندما بلغ النبي -  - خبر عزم أبي سفيان على الرجوع بجيشه إلى المدينة ، أو أن النبي -  - قدر في نفسه الشريفة هذا الرجوع ، نهض بكل جد ؛ و حماس ؛ و همة ، و أمر مناديه باستدعاء أولئك الذين شاركوا في قتال العدو في معركة أحد ، دعا منادي رسول الله -  - هؤلاء للخروج لتتبع العدو ، و لإظهار قوة المسلمين ، و إعلام المشركين بأن ما أصاب المسلمين يوم أحد لم يضعفهم ، و لم يوهن عزيمتهم ، و أن لرسول الله -  - من القوة ما يمكنه من ملاحقتهم ، إن الأعداء ، أعداء الإسلام ، و أعداء الدعوة إليه ، و أعداء دعاته لا يفهمون غير لغة القوة ؛ لأن الضلال بلغ بهم مبلغاً حملهم على عداوة المسلمين لعقيدتهم لا شيء آخر ،( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ ) . فلا ينفع معهم إلا القوة ، و إظهار القوة ، و إرهابهم بالقوة ، و هذا ما فعله رسول الله -  -، و على هذا ، فيجب على الأمة الإسلامية أن تبذل كل ما تستطيع لإعداد القوة بأنواعها : قوة الإيمان في نفوس المسلمين عموماً ، و قوة العلم ، و قوة العدد من الدعاة ، و الأنصار ، و قوة النظام ؛ و التنظيم ، و قوة العزيمة ؛ و الهمة ، و قوة الصبر على المكارة ، لنصل لأعلى الدرجات في الدنيا ؛ والآخرة ، و نحقق الرسالة التي نحملها .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل