المحتوى الرئيسى

إذا خذلتم فاستتروا

05/24 14:21

مصطفى الحفناوي لأن صلاح عبدالصبور كان شاعراً رقيقاً ومثقفاً راقياً، فإن قلبه الواهن لم يحتمل عبارة وجهها له صديق، تعني أنه باع نفسه لنظام الرئيس السادات الذي كان يحكم مصر آنذاك. ولأن من قال العبارة في جلسة خاصة كان فناناً عظيماً من أشد معارضي النظام، فإنه ظل معذباً بها واعتبر نفسه سبباً في وفاة عبدالصبور، الذي كان يشعر أنه فارس مهزوم لديه حنين إلى أحلامه القديمة. عندما توقف قلب صلاح عبدالصبور، كانت هناك خيارات سياسية وتحولات حادة تسببت في شرخ كبير في مصر والدول العربية، فيما كان السادات يحاول أن يزيل ما سماه الجدار النفسي بين المصريين وإسرائيل، لكن لم تكن دماء اريقت في شوارع القاهرة أو تونس أو طرابلس أو درعا أو صنعاء. لم تكن دماء كثيرة قد جرت تحت جسورٍ في مدن عربية عدة برصاص أنظمة بعضها أزال « الجدار النفسي »، والبعض الآخر يتحدث عن الممانعة والصمود في مواجهة اسرائيل. نظاما « الممانعة » و« المسالمة » لم يعدَما فنانين ومثقفين يدافعون عنمها، رغم مئات الشهداء، وآلاف الجرحى والرصاص المطاطي والحي، لكن أياً منهم ليس له قلب عبدالصبور. قسوة قلوبهم بررت القتل بأسباب واهية، لكن اغربها كان « المواجهة مع اسرائيل » وكأن هناك « توأمة » بين قمع الشعوب ومواجهة اسرائيل، ورغم ان كل من يقرأ أو يسمع يعرف أن نظاماً عربياً لم يطلق رصاصة على اسرائيل منذ 37 عاماً. فنانون ومثقفون صمتوا، وآخرون لم تظهر على وجوههم حمرة الخجل، وهم يدافعون عن قتلة محترفين يمارسون مهنة القتل بدم بارد، فنانون ومثقفون كنا نظن ان الواحد منهم بموهبته وجماهيريته أقوى من أي سلطة، لكننا اخطأنا بحسن الظن، فمنهم من أيّد ثورات في بلدان شقيقة، لكنه وصف ثوار بلاده بالمتآمرين، ومنهم من كتب قصيدة لثوار القاهرة، لكنه لم يكتب سطراً أو شطراً للدفاع عن المطالبين بالعدل والحرية في مدينته. ربما تسامحت معهم الشعوب في الأغاني والاحتفالات والمهرجانات والأفلام والمسلسلات التي قدموها لحكام قمعوا وظلموا، لكنها بالقطع لن تغفر لهم تجاهل دماء الشهداء وجرائم القتل، وإلقاء التهم جزافاً ارضاء لحكام أصدروا أوامر بالقتل. لم يكن مطلوباً من هؤلاء المثقفين والفنانين أن يتبنوا مقولة الأديب الروسي مكسيم جوركي « جئت إلى هذا العالم لأعترض »، لكن كان عليهم أن يتذكروا بعض أعمالهم التي انتقدوا فيها الديكتاتورية والدولة البوليسية، وأن يتبنوا مواقف لا تتناقض كلياً مع هذه الأعمال، أو على الأقل أن « يستتروا » وهم يخذلون شعوبهم. هؤلاء بلا موقف حقيقي وليسوا في رقة صلاح عبدالصبور. *نقلا عن "الإمارات اليوم".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل