المحتوى الرئيسى

الفاتنة الحمراء

05/24 08:15

أقدم لكم نفسى: أنا جميلة جداً، بل أجمل شىء فى العالم. أرجوكم لا تظنوا أننى مغرورة أو أقيّم ذاتى بأكثر مما تستحق. فأنا التَّورّد والجمال، والصحة والحيوية. أنا اللون الأحمر فى الخدود والشفاه. هل عرفتم الآن من أنا؟ أنا خلية الدم الحمراء. قدرتى الهائلة على حمل الأكسجين هى سر تفردى. من عظمة الخالق عز وجل أنه خلقنى أحمل الأكسجين ولا أستهلكه. دلنى على بشر واحد يحمل الطعام ولا يأكله، أو يحمل النقود ولا يسرقها. ألستم تقولون إن طباخ السم يذوقه! لذلك يمكنكم أن تضيفوا إلى قائمة مميزاتى أننى قنوعة جداً! وُلدت فى النخاع الأحمر منذ ثانية واحدة. فى هذه الثانية ولدت معى أكثر من مليونى خلية أخرى. لا تستغربوا فأعدادنا هائلة فى الجسد البشرى! عشرون إلى ثلاثون تريليون خلية! تخيل أن جسدك يحتوى على هذا العدد من الخلايا الحمراء فقط. سبّح ربك واسجد لخالقك. عمرى طويل كالدهر! لاحظ أن مائة وعشرين يوماً ليست بالأمر الهين على الإطلاق! ففى عشرين ثانية فقط أطوف العالم كله، والعالم بالنسبة لى هو ذلك الجسد الذى أدور فى عروقه وشرايينه. يضخنى القلب عبر الشرايين الكبيرة فأسير بقوة دفع هائلة، حتى أذهب إلى أحد الأعضاء، أودع صديقاتى وأنزلق عبر الشرايين الصغيرة، أتوغل حتى أصل إلى أعماق سحيقة لا تصلها إلا خلية حمراء رشيقة مثلى. تنتهى الشرايين بالشعيرات الدموية، وهناك تستقبلنى الخلايا بالفرح والزغاريد لأنها تعلم أننى أحمل الأكسجين إليها! أنظر إلى الخلايا لأنتقى عروسى، وبسرعة تقع فى غرامى فينهكها دوار الحب الأول. لا أحد يقاوم سحرى وجمالى! لا أحد يقاوم فتنة اللون الأحمر! أقترب من الخلية الخجلى فأمنحها قبلة الحياة العميقة، أعطيها ذرة الأكسجين لإنتاج الطاقة، وأحمل عنها الأحمال التى تثقل كاهلها: ذرة ثانى أكسيد الكربون المزعجة. مُضحية أنا بفظاعة! أرجوكم أن تضيفوا التضحية لقائمة مميزاتى! أبتسم للخلية مودعاً فتطلب منى أن أعود بسرعة. أنزلق فى يسر إلى الأوردة، لأنتقل إلى الجانب الأيمن من الدورة الدموية، حيث تصب الأوردة فى الأوردة حتى أصل إلى الجانب الأيمن من القلب، الذى يضخنى بدوره إلى الرئة. أتوغل وأتوغل حتى أصل إلى الشعيرات الدموية التى تحيط بالحويصلات الهوائية. يقابلنى الهواء فى فرحة. يحكى لى عن العالم الخارجى حكايات غريبة جداً. تصور أنه يتحدث عن أرض ونجوم، وبشر وطيور، وأشجار وزهور، وسماء زرقاء وسحب بيضاء، وكائنات تسير وأخرى تطير. تسحرنى الحكايات ونحن نتبادل. أعطيه ثانى أكسيد الكربون وأعانق ذرة الأكسجين اللهفى، أنزلق عبر الوريد الرئوى إلى الجانب الأيسر من القلب لأبدأ رحلتى مرة أخرى. الحمد لله. حياتنا مُنْتجة مُبْهجة، حتى عندما نموت لا نفنى. يستفيد الجسد بمكوناتنا فى صنع خلايا أخرى. وحينما يقترب الموت، وتوشك المائة والعشرون يوماً أن تنقضى، نرفع صلاتنا للخالق عز وجل: «سبحانك ربنا، خلقت فأبدعت. تباركت وتعاليت. ما عبدناك حق عبادتك». [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل