المحتوى الرئيسى

محمود صقر يكتب: الليبرالية وأزمة المرجعية

05/23 22:16

أمام الليبراليين العرب معضلة كبيرة فى مسألة المرجعية، فهم يرفضون المرجعية الإسلامية ويريدون أن يستوردوا لبلادهم مرجعية معلبة من الخارج. وهذا فى حد ذاته يناقض المبدأ الليبرالى المجرد، فالليبرالية تقوم على حرية الشعوب فى حكم نفسها، وأن الشعب هو مصدر السلطات. وعليه فإن الدساتير فى كل الدول الليبرالية تستمد من إرادة الشعب، وتعبر عن ثقافة وهوية المجتمع. ولذلك يوجد فروقات بين دساتير أعرق الدول الديمقراطية. وكذلك القوانين تسن سدا لحاجات الشعوب وتلبية لضروراتها وحماية لمصالحها ومن أهم حاجات الشعوب حماية عقائدها ومقدساتها ونظامها واحترام تقاليدها وآدابها. ومن هنا أيضا يختلف القانون باختلاف الشعوب. وذلك على الرغم من اتفاق جميع البشر على أن الدساتير والقوانين ونظم الحكم إنما وضعت لصالح البشر وحفظا لحاجاتهم بل والعمل على رفاهيتهم. النموذج الغربى للمرجعية له خصوصية تتعلق بنظرة الغرب لنفسه على أنه الوارث الأصلى لفلسفة (أصالة الإنسان) وتعتبر ذلك إرثا بدأ من حضارة اليونان ووصل إلى كماله النسبى فى أوربا المعاصرة عبر صراع طويل بين (عالم الآلهة وعالم الناس)، حيث يوجد منافسة وتضاد بينهما وأن الآلهة هى قوى ضد الإنسان وأن جميع جهودها تقوم على قهر الإنسان وتقييده، لأنها تخشى من وعى الإنسان وحريته واستقلاله وسيادته على الطبيعة، فهناك "بروميثوس" الذى أهدى النار الإلهية للإنسان، يختطف هذه النار من أيدى الآلهة عند نومهم ويأتى بها إلى الأرض، ومن ثم تتسلط عليه الآلهه بأشد العذاب، بعد اكتشافها لفعلته النكراء بإهداء النار إلى أهل الأرض. هذه هى الأساطير اليونانية التى شكلت وجدان الغرب فترة طويلة من الزمن. ثم جاءت كاثوليكية القرون الوسطى لتؤكد بممارساتها مبدأ التضاد بين السماء والأرض، حيث مارست سلطة القهر والإستبداد باسم الدين، وتحالفت مع قوى الإقطاع ضد تطلعات الشعوب المقهورة. ومن هنا كان هتاف جماهير الثورة الفرنسية "لا نريد ربا ولا سيدا" أى لانريد كنيسة ولا إقطاعا. ومن هنا نستطيع أن نتفهم الحساسية الشديدة لدى الإنسان الغربى من أن يكون الدين (أى دين) مرجعية تنظم الشئون العامة للناس، فكيف للضدين فى نظرهم. أن يجتمعا؟ أصالة الإنسان وحريته، مع الدين المقيد لحركة الإنسان وحريته!! إذا كان الوجدان الغربى تشكل عبر مئات السنين على هذه الفلسفة، فإن العقل المسلم تشكل على فلسفة مغايرة تماما. فالدين عندنا يؤكد فلسفة أصالة الإنسان، بدءا من خلقه وإسجاد الملائكة له تكريما من السماء لهذا المخلوق الأرضى، مرورا بتسخير الكون كله لخدمة الإنسان. "وسخر لكم مافى الأرض جميعا منه" وصولا إلى مقاصد الشريعة كما حددها العلماء وهى حفظ (النفس والدين والعقل والمال والنسل) أى أن مصلحة الإنسان هى المحور الذى يدور حوله الشرع الإسلامى، وهذا الإرث هو الذى شكل وجدان الإنسان المسلم بعلاقة حميمية بينه وبين الله حتى وإن كان عاصيا. ومن هنا تستطيع أن تفهم ثورة وغضب مسلم عاص قد تفوح رائحة الخمر من فمه لوجود رسم كاريكاتورى يسخر من إلهه أو نبيه. وفى المقابل يستغرب الإنسان الغربى هذا الغضب فى مسألة عادية جدا بالنسبة له. أيها الليبراليون العرب، ومعظمكم من أصحاب الصوت العالى والوجاهة الحزبية أو الإعلامية ندعوكم إلى أن تحتكموا إلى ليبراليتكم. فالليبرالية لاتقبل أن تلبسوا شعوبكم ثوب شعب آخر رغما عنه، والليبرالية لا تقبل أن تتهموا شعوبكم بالجهل وعدم الوعى، والليبرالية لا تقبل بحال وصاية أقلية على صوت الأغلبية. وتذكروا أن هذا الشعب المتهم من قبلكم هو من صنع ثورته وضحى ومازال يضحى فى سبيلها ولم يعد قابلا بحال أن يستبدل وصاية ديكتاتورية بوصاية تلبس ثوب الليبرالية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل