المحتوى الرئيسى

الوضع الاقتصادي المصري على المحك

05/23 12:38

خلف الحبتور على النقيض ممّن هلّلوا لسقوط النظام السابق في مصر، ساورتني شكوك جدّية بشأن مستقبل البلاد. كانت رؤية شباب مستعدّين للتضحية بحياتهم دفاعاً عن قناعاتهم مشهداً يستحق الإعجاب. وأملت في أن تكون النهاية سعيدة في هذا البلد العزيز على قلب كل عربي، لكنّني واقعي أيضاً. فالمثالية وحدها لا تستطيع أن تحلّ مشاكل مصر الجوهرية التي تفاقمت منذ سقوط الرئيس مبارك. يوم الاثنين، حذّر المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة من انهيار الاقتصاد المصري. وقال مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية محمود نصر إن "معدل الفقر يقترب من نسبة 70 في المئة، ويبلغ الدين المحلي والخارجي 1080 مليار جنيه بنسبة وصلت إلى 90 في المئة من حجم الناتج المحلي". علاوةً على ذلك، الاستثمارات الأجنبية معدومة، والسبب الأساسي هو خفض تصنيف البلاد إلى درجة "الخطر". أضاف نصر أن الدخل السياحي انخفض بنسبة 80 في المئة، مما تسبب بخسائر تصل إلى 40 مليون دولار يومياً. لقد تراجع حجم إحتياطي العملات الأجنبية ثمانية مليارات دولار أمريكي، وهناك عجز متزايد في الموازنة. ناهيك عن أن النمو لن يتجاوز اثنين في المئة. الأسباب التي يُعلّل بها نصر هذا الانحدار الخطير متعدّدة. وهي تشمل الفساد وتردّي القيم الاجتماعية وإنخفاض مستوى التعليم وتدهور العلاقة بين المواطنين وأجهزة حفظ القانون. لكنه يقول إنه لا يزال هناك أمل ولم يذهب كل شيء أدراج الرياح لأنّ البنية التحتية للاقتصاد لم تتأثّر. ويعتبر أن "الديمقراطية الحقيقية" واستئصال الفساد وخلق مناخ استثماري مستقرّ هي المحرّك لدفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام. إنها تطلّعات جميلة، لكن ما السبيل لتحقيقها فيما 70 في المئة من المصريين قلقون على تأمين لقمة عيشهم؟ لم يستوعب الناس بعد خطورة الوضع، لكنني أتوقّع أن تندلع ثورة جياع عندما تستفحل المشكلة – في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر إذا استمرّت الأمور على هذا المنوال – كما حصل خلال "إنتفاضة الخبز" عام 1977 عندما نزل الملايين إلى الشوارع وراحوا يهتفون بشعارات ضد الحكومة إحتجاحا على رفع أسعار السلع الإستهلاكية ومن بينها الخبز. الشهر الفائت، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات (بنسبة 21.7 في المئة مقارنةً بالعام الماضي) بسبب الزيادة في أسعار الوقود وتراجع قيمة العملة المصرية، مما جعل الواردات المصرية أغلى ثمناً. يبدو لي أنه يتعيّن على حكومة تصريف الأعمال في مصر أن تُرتِّب أولوياتها. لا مشكلة في الانفتاح على هموم الشارع لكن يجب ألا تصبح منجرة مع هذا الشارع. عندما يكون الناس عاطلين عن العمل ولا يستطيعون تعليم أولادهم، تصبح كلمة "ديمقراطية" فارغة من المعنى. يجدر بالحكومة المؤقّتة أن تبادر أولاً إلى الإمساك بالوضع الأمني الداخلي. يُخبرني أصدقائي في مصر أن الناس يخشون الخروج ليلاً خوفاً من تعرّضهم للسرقة أو الخطف، وهي ممارسات لم تكن موجودة قبل الثورة. ينتزع شبّان يركبون الدرّاجات النارية التي كانت محظورة من قبل، حقائب اليد، ويبتزّ البلطجية المال من أصحاب السيّارات عن طريق التهديد بإلحاق الأذى بسيّاراتهم. ثم هناك التصدّع المتنامي بين المسلمين والأقباط الذي خرج عن السيطرة في صعيد مصر الشهر الفائت، ثم في مطلع الشهر الجاري عندما أسفر العنف الطائفي عن مقتل 12 شخصاً وإصابة أكثر من مئتَين آخرين بجروح في إحدى أفقر المناطق في القاهرة حيث كان الأقباط والمسلمون يعيشون قبلاً بسلام. بدلاً من الانقياد وراء تعطّش الناس للانتقام عبر سجن السياسيين ورجال الأعمال، ينبغي على الجيش أن يشكّل لجنة للحقيقة والمصالحة على غرار تلك التي أنشئت في جنوب أفريقيا، ويجدر بهؤلاء الأشخاص بعد الإقرار بأخطائهم، أن تستخلص العبَر من تجاربهم وخبراتهم لوضع البلاد على المسار الصحيح. قد يكون الأشخاص الذين يتولّون زمام المسؤولية الآن جديرين بالثقة، لكن معظمهم مبتدئ في السياسة. كما أن سجن رجال أعمال بارزين يشكّلون العصب الاقتصادي للبلاد يؤدّي إلى تدمير عامل الثقة. سوف تختفي ثرواتهم في الخارج، وتترنّح شركاتهم، ثم ما هي الرسالة التي يوجّهها سجنهم إلى المستثمرين الذين يفكرون بالإستثمار في مصر؟ أقدّر الجهود التي بذلها الزعيم المصري السابق جمال عبد الناصر لتوحيد العالم العربي، لكن خطأه الأكبر كان اضطهاد الأثرياء ومصادرة أراضيهم ومصانعهم وبالتالي حملهم على مغادرة البلاد. وللأسف لم تستطع مصرالتعافي كلياً بعد من تداعيات هذا الخطأ. لدى مشاهدة الاقتصاد المصري ينهار في خضمّ الإضرابات والاحتجاجات والخروج عن القانون، لا يسعني سوى أن أتساءل إذا كانت الانتفاضة عفوية فعلاً ومن صنع القواعد الشعبية أم أن بعض القياديين الشباب في حركة 6 أبريل وشباب 25 يناير حصلوا في الواقع على التمويل والتدريب من قوى كبرى تسعى جاهدةً لتركيع مصر تحقيقاً لمآربها الجيوسياسية، كما أوردت بعض الصحف الأمريكية. إذا قزمت "أم العالم العربي" إلى مجرّد هيكل لا روح فيه بسبب الفقر أو العنف المذهبي أو الحرب الأهلية أو قُسِّمت على غرار السودان بهدف إنشاء دويلة مسيحية منفصلة، فسوف تطال هذه الصدمة بتداعياتها العالم العربي بأسره – وسوف يُهلّل أصحاب السلطة والنفوذ في إسرائيل وإيران فرحاً وابتهاجاً. لا أشك بأن هناك حكماء في مصر يدركون أن البلاد تسير نحو الكارثة إذا لم تُتَّخذ إجراءات على الفور للسيطرة على الوضع. ويجب أن يتحلّى هؤلاء الأشخاص بالشجاعة الكافية للحدّ من الحماسة الثورية غير الواقعية بواسطة جرعة من الإجراءات الصارمة التي تصبّ في مصلحة البلاد. يجب ألا يسمحوا لهتافات "الشعب يريد..." بأن تطمس الواقع الصعب. لا يزال هناك وقت. ولا يسعني سوى أن أتضرّع إلى الله أن يهتدي الحكماء وأصحاب القرار إلى الصراط المستقيم قبل فوات الأوان. *خاص بـ"العربية.نت"

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل