المحتوى الرئيسى

أخلاقيّات المهن في الإسلام

05/23 09:04

د. سها مكداش محيولا بدّ وقبل الخوض في موضوع الأخلاقيّات المهنيّة أن نوضح كيف يتميّز المجتمع برقيّه وحضارته؟ لاشكّ أنّ تميّز المجتمعات ورقيّها نابع من الفكر المنتشر والسائد فيه، ولكي يتميّز أي المجتمع عن غيره يجب أن يقوم على مكارم الأخلاق التي بها تتحضّر الشعوب والأمم. ولأن المجتمع المسلم قد تميّز بأشمل وأدق شريعة عرفتها الدنيا على مر العصور نتج عن ذلك رقياً حضارياً ليس له مثيل متمثلاً بنموذجاً إجتماعياً راقيا،ً وأسرة متحابّة متماسكة فمجتمعاً حضارياً مستقراً متواداً متكافلاً وقد تحقق ذلك في زمن رسول الله r بإنشاء ذلك المجتمع المتميّز والفريد الذي جمعته رابطة العبوديّة لله وحده، لا المنصب ولا الشهرة ولا المال، ولا الهوى، والملذات والشهوات، ولا حتى المصالح الشخصيّة.هذا المجتمع المتكافل الذي يحقق لكل مواطن فيه العيش المحترم والأمن والحريّة والمساواة وحفظ الحقوق. هذا المجتمع الذي يقوم على الشورى لا على الأهواء.والإنسانيّة اليوم أحوج ما تكون إلى هذا النمط من المجتمعات إلى مجتمع مسلم صادق راقٍ فعّال، يسوده العدل والحب والنصيحة والتكافل والإيثار وينتفي منه الظلم والكراهية والغش والأنانيّة والتسلّط والكِبر.فمن هنا لابد من الإخلاص في العمل والإتقان والإستقامة والأمانة في المجتمع لأن المسألة مسألة عبادة وليست مجرّد أداء عمل يحاسبك عليه المسؤول عنك أو يؤنّبك ضميرك إذا قصّرت فيه. وما أروع إنتشار روح الصدق والأمانة والإخلاص في نفوس العاملين حتّى يؤثر على أعمالهم وينتج من جرّاء ذلك قيام المجتمع المتميّز والراقي. مميّزات أخلاقيّات المهن1-الصدق:فالصدق عدا عن كونه أساس الفضائل النفسيّة فهوضرورة من ضرورات المجتمع عامة والعمل خاصة، فالعامل الصادق أنجح ما يكون في عمله لأنّه بصدقه يكسب ثقة من حوله وبالتالي يؤمّن الجو المريح في تعاطي الآخرين له لأنّ فقدان الصدق في العمل وانتشار الكذب إن في الأقوال أو الأعمال أو في النيّات أو الكذب في المظاهر هذا يؤدي إلى الفساد وانتشار الرذيلة. والإسلام قد حثّ على الصدق وذمّ الكذب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كبرت خيانة أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك مصدّق وأنت له كاذب" (رواه أحم وأبو داود). بل هو من آية النفاق الذي قال عنه النبي أيضاً: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا إؤتمن خان" (رواه البخاري).2-عدم الغش والخداع والغدر:ذلك أنه من مقتضى الصدق النصيحة والإنصاف والوفاء لا الغش والخداع والغدر لأنّ العامل الذي غلب عليه الصدق في أقواله وأعماله يستحيل عليه أن يكون عكس ذلك. وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغش والخديعة والغدر فقال: "...من غشّنا فليس منّا." (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلّم "لكلّ غادر لواء يوم القيامة، يقال : هذه غدرة فلان." (متّفق عليه). 3-حُسن الخلق:أن يكون العامل خلوقاً سمحاً، لأنّ التواصل مع الآخرين يلزمه الكثير من الأخلاق فلو كان العامل مجداً في عمله، نشيطاً، يلبّي ما يطلب منه ولكن ينقصه التعامل الحسن لنفر من حوله وكرهه زملاؤه. فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً." (رواه الترمذي) "وإنّ الله يبغض الفاحش البذيء." (رواه الترمذي)والسماحة صفة مطلوبة للعمل لأنّه بخلقه السمح الليّن الرضيّ ينفذ إلى قلوب زملائه فيحبّونه. 4-التواضع وعدم الكِبر:بل خفض الجناح وسماحة النفس في الخصال التي يجب أن يتحلّى العامل فيها وأن يبتعد عن احتقار الناس والسخرية منهم. قال تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن..." (الحجرات:11) 5-الحلم:بأن يتحلّى بضبط النفس عند الغضب، أن يكون متّزناً حليماً ذو حكمة في المواقف الصعبة، متحكماً في أعصابه، يحل المشكلات بهدوء وتأنّي. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (متّفق عليه).وقد وردت الآيات التي تروّض نفس الإنسان دوماً على الحلم وكظم الغيظ منها: " والكاظمين الغيظ والعافين على الناس والله يحب المحسنين" ( آل عمران:86) 6-الصراحة وعدم الغموض:لأنّ الإنفتاح على الآخرين يعطي شيئاً من الطمأنينة والثقة لدى العملين والمدراء والغموض يؤدي إلى الشك والريبة.هذه بعض الأخلاقيّات الضروريّة التي لا بدّ أن تتوفّر في أي عمل أو وظيفة لكي تتحقق الأهداف التي من جرّائها أنشئ العمل. ولكن لا بدّ من تنمية هذه الأخلاقيّات من حين لآخرحتى لا يطغى الركون والجمود ويغفل الإنسان المسلم عن قيمه ومبادئه فيؤثّر على عمله وطريقة أدائه. كيف ننمّي هذه الاخلاقيّات؟1-عبر إستشعار رقابة الله عزّ وجلّ دائماً وأبداً. لكي يستقر الصدق في النفوس والإخلاص في العمل ويبقى الضمير الحيّ مهيمناً على النفس لا بدّ من وجود عامل مهم يرافق هذا الموظف في مسيرة عمله ألا وهو الشعور برقابة الله تعالى له لأنّه بتلازم هذا الأمر تضبط النفس وتسلّم من كل العيوب وتأمن الفتنة.2-الإتقان في العمل: أن يخلص العامل في عمله يتقنه حق الإتقان. لأنّ الإتقان وسيلة لتطوّر العمل وتنميته قال صلى الله عليه وسلّم مركزاً على ضرورة إتقان الأعمال وأدائها حق الأداء: "إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". 3- تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وذلك بالإيثار وحب الخير فهذا يبعد الأنانيّة وحظوظ النفس.وأيضاً لا بدّ من الشعور بالمسؤوليّة تجاه أي عمل فالمسؤوليّة تساعد على الإتقان، والإخلاص، والصدق وحسن التعاطي. فالله سبحانه وتعالى يقول: "وقفوهم إنّهم مسؤولون". 4-لا بدّ من وجود قواسم مشتركة مابين المدير والموظّف:- أمّا بالنسبة للمدير فعليه الأتي:- أن يتّصف بصفة التواضع- أن يحرص على أن لا يكلف موظفيه ما لا يطيقون.- أن يقدّم المساعدة المطلوبة لهم لتأدية عملهم.- أن يحرص على أن لا يظلم أحداً أويسيئ إلى أحد.-أن يعدل بين الجميع وأن يعاملهم سواسية.أمّأ الموظف فمن واجباته:*أن يكون أميناً على تأدية عمله كما ينبغي*أن يتقبّل النصيحة والنقد*أن يكون متعاوناً مع زملائه لتحقيق مصلحة المؤسسة.*الإخلاص والتفاني في العمل. وأخيراً:وللوصول لمثل هذه الأخلاقيّات التي يجب أن تسود في المجتمعات على الصعيد الإجتماعي والأسري والعملي لا بدّ من التحلّي بمكارم الأخلاق التي حثّ عليها الإسلام إذ أن الإنسان هو أكرم المخلوقات في الوجودوكرامة الإنسان بمعاملته المعاملة الحسنة والمتميّزة. ومابذلته الحضارات البشريّة سابقاً وحاضراً إلا من أجل سعادته ورقيّه وتشريفه. وسعادته ورقيّه عبر إنسانيّته.وقد تميّزت الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات أنها اعتنت بالإنسان سواء من الجوانب الإنسانيّة والأخلاقيّة أكثر من الجوانب الغريزيّة والماديّة التي هي بدورها جوانب مهمّة يجب أن يعمل على تهذيبها وضبطها ولم يغفل عنها الإسلام بل اعتنى بها وأعطاها شيئاً من الأهميّة والإسلام لم يركّز فقط على الجوانب الأخلاقيّة في كلّ المجالات لأنّ رقي المجتمعات لايقاس فقط بالأخلاق والآداب الإجتماعيّة إنّما على المنجزات والإكتشافات العلميّة أيضاً ولكن الأصل أن لا تطغى المادّة على القيم بل سيادة القيم الإنسانيّة’ هي الأساس في نشر الحب والإيثار والتضحية والإستقامة والسلوك والمعاملة ولمّا كان الأفراد هم دعائم المجتمعات والدعائم أساس في كل نهضة إجتماعيّة كان لابدّ من التركيز على مكارم الأخلاق لينمو فيها جوانب الخير و البناء والعطاء وتنحدر عوامل الشر والهدم والفساد. لذا فموضوع الأخلاقيّات موضوع في غاية الأهميّة يجب التركيز عليه والعناية به كمنظومة شاملة حتّى تتأصل في الفرد والأسرة والعمل والمجتمع فتؤتي ثمارها على الجميع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل