المحتوى الرئيسى

شباب 25 يناير يدافعون عن ثورتهم..بالفن

05/23 00:08

على الرغم من حالة الإحباط التي تخيّم على عدد كبير من أبناء مصر هذه الأيام، بسبب بعض الأخبار التي تتسرب هنا وهناك، فتثير سخط هذا، وغضب ذاك، فإن الشباب-الذين فجروا ثورة الخامس والعشرين من يناير- لم يسمحوا لأنفسهم بالوقوع تحت سطوة هذا الشعور أبدا، بل وعادوا مرة أخرى يدافعون عن ثورتهم، ولكن هذه المرة.. بالفن.ومن يقوده حسن حظه لزيارة محطة مترو التحرير الآن، سوف يفاجأ بأن الثورة قد بعثت هنالك من جديد، ولكن هذه المرة عن طريق الصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلة التي تؤرّخ للثورة، وتروي حكايات أبطالها، وتخلّد لحظاتها الصعبة المبكية المبهجة في آن واحد، وتحكي كيف وقف هذا الشعب -ذات يوم- يدًا واحدة، فاتحا صدره العاري أمام طلقات الرصاص، مُرحّبا بالموت وساخرا منه، على أمل الظفر بكرامته واسترداد عافيته التي سلبتها ثلاثون عاما من القهر!فعلى جدران المحطة الواسعة، التي غالبا ما تبقى مهملة وبلا استخدام نافع، وضع مجموعة من شباب الثورة الموهوبين أعمالهم الفنية المختلفة، واختاروا لمعرضهم اسما يعانق أحلامهم ويعبّر عن هدفهم الأكبر من إقامته هو "تحرير مصر"، فالتف حوله -وحولهم- جمهور كثيف أعجبه أن يذهب إليه الفن هذه المرة، بدل أن يتكبد هو مشقة الذهاب إليه في قاعات مكيفة وأماكن غالية الثمن!لقد فجّر هؤلاء الفنانون الشباب ثورة أخرى في آلية التعامل مع الفن، وتلقيه، واحترامه، ودشّنوا فكرة مبتكرة لإعادة العلاقة مرة أخرى بين المتلقي والفن والفنان، ليصبح الفن مرة أخرى من حق الجميع، بعد أن ظل -طوال فترة طويلة- مقصورا على نوعيات بعينها!وفي معرض "تحرير مصر"، ليس غريبا أن تجد الشاب، إلى جوار الرجل كبير السن، وأمامهما الطفل الصغير، بالإضافة للفتاة المراهقة والمرأة التي تحمل طفلا صغيرا، تجد السائح الأجنبي رافعا كاميراته ملتقطا مئات الصور وهو في غاية الفرحة، ويحمل علم مصر، وتجد عسكريا بسيطا يحدق في صورة أحد الشهداء، ولا يكاد يرفع عينيه عنها!إنه الفن الحقيقي عندما يتعانق مع الصدق والإبداع، وتقوده حماسة الشباب، وتقف في ظهره رغبة الناس في الفهم والمعرفة، لينضم الجميع في منظومة حب مصر.وعن بداية الفكرة وكيف نشأت، التقينا بالفنان التشكيلي الشاب إسلام المصري، المنسق العام للفكرة، الذي قال إن غرضه الأساسي كان إعادة تنظيم العلاقة بين الفن التشكيلي ومتلقيه، فإسلام يرى أن الفن للجميع وليس حكرا على أحد، ولكن المشكلة أن هناك أفكار مسبقة في نَفس رجل الشارع من كلمة الفن التشكيلي، ربما كانت أكبر عقبة أمام انتشاره سابقا وعدم تحوله لفن جماهيري.وتابع قائلا إن الخطوة الأولى في سبيل كسر هذا الوهم، هو استلهام الواقع والأحداث الجارية، لتقديمها للمشاهد، حتى يقتنع أنه لا انفصال بين الفن التشكيلي وقضايا المجتمع، وأن الفن هو الفن مهما تعددت طرق التعبير عنه.إسلام قال أيضا إن فكرته كانت في الأساس أن يقيم المعرض في ميدان التحرير، ولكن حال دون ذلك تعقيدات الموافقات الأمنية المطلوبة، وكثرة التكاليف، وجهد تأمين اللوحات، وهو ما كاد يفشل الفكرة تماما، لولا أن أتته فكرة إقامة المعرض في المترو الذي يقصده أكثر من نصف مليون راكب تقريبا بشكل يومي، وهو ما يوسع من قاعدة جمهوره.وأكد المصري أنه بمجرد أن واتته الفكرة، توجه إلى الأستاذ محمد الشيمي رئيس مجلس إدارة المترو، الذي رحب بالفكرة وتحمس لها بشدة، بل إنه قرر أن يتحمل تكاليف إقامة المعرض بالكامل، وفوق ذلك وفّر عربات ذهبت لبيوت الفنانين وأحضرت اللوحات منها لوضعها بالمعرض.وقالت الفنانة التشكيلية هدى راضي إن نحو 20 فنانا شاركوا بأعمالهم الفنية في المعرض، وأنها كانت من أوائل من تحمسوا بشدة للمشاركة، لتجربة جمهور جديد، وحصد آراء الناس فيما يقدّمون، مما سيساعدهم في المرحلة القادمة ليكونوا صوت الناس بحق.هدى مخرجة رسوم متحركة بقناة المجد، ومع ذلك فلم يمنعها انشغالها بالانضمام لقافلة الفنانين الذين أرادوا التعبير عن الثورة بروح جديدة، ومشاركة روح مصر عبر رسوماتهم ولوحاتهم، وإعادة بث الأمل في النفوس والتذكير بقيمة وعظمة الثورة المجيدة.وقالت هدى إنه على الرغم من أن هذا هو اليوم الأول للمعرض -الذي يستمر ثلاثين يوما- فإن الإقبال الجماهيري كان ضخما، والتف الناس من مختلف الأعمار حول العديد من اللوحات، وحرصوا على التقاط الصور لها، والبحث عن مبدعيها، لسؤالهم ومناقشتهم فيما تحمله من معانٍ.إن معرض "تحرير مصر" الذي بدا فكرة عابرة في رؤوس مجموعة من الشباب، لم يتوانوا على طرق الأبواب، وتحمل المشقة في سبيل رؤيتها تتحقق وتصبح واقعًا ملموسا، لابد أن يعلّمنا قيمة الإصرار التي أصبح لها معنى جديدا تماما بعد الثورة، ويلقننا شفرة تحقق الآمال الذي لا يقود إليها إلا باب واحد.. هو .. حب مصر.. بإصرار.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل