المحتوى الرئيسى

عملية نصب بقلم: الياس سعد

05/22 18:05

أرضٌ وكائنات حيّة وماء وهواء، أليست هذه هي الاشياء التي تكوِّن حياتنا؟ أليس من المهم الحفاظ عليها؟ ولكن أيًّ منها هو الأهم؟ أنستطيع العيش دون هواء ٍ؟ دون ماء؟ أنستطيع العيش َ دون كائنات حيّة؛ أي دون أنفسنا أيضا ً؟ الإجابة دون تردد هي لا، لا نستطيع العيش دون أهم مكونات حياتنا، ولكن ماذا لو سُلبت الأرض التي نمشي عليها؟ ماذا لو استيقظنا لنجد أنفسنا نمشي على ارض ٍ لم تعد ملكنا؟ يومٌ وليلة ٌ وعملية نصب. هي أكبر عملية نصب واحتيال على مرّ التاريخ، فقد يحتاج علم الفيزياء لقنبلة نووية لكي يستطيع محي َ معالم دولة عن بكرة ابيها، لكن من قام بعملية النصب هذه كان أذكى من كل العلوم والعلماء. فقد استطاع مسح دولة بأكملها، وإعادة تشكيلها وبنائها، وبالطريقة التي يريدها، دون قنبلة نووية، دون شهود عيان، دون حتى عقد بيع! اعتقدنا أننا بين ايد ٍ أمينة، فمن يحكمنا هم أشرف الحكام وأنزههم، ولكننا كنّا مخطئين. فقد لازمتنا نوبة من النوم العميق، اعتقادا منّا أننا في مأمن من أي خطر أو تحدي. هذا ما اراده الحكام في بلادنا، فليس على الشعب أن يفكر بمستقبله ومستقبل بلاده، بل يجب عليه العمل والنوم حسب الأوقات المتفق عليها. لا يجب على الشعب ان يقرأ ما هو غير مألوف من الرواية والشعر. كيف لا، وإن أحس أحد بأنه لا يفهم شيئا ً صغيرا ً، قد يقوم بالسؤال. كيف؟ لماذا؟ منذ متى؟ الى متى؟ أين؟ هذه أسئلة لا يحب الحكام الاجابة عليها، فمن يستلم الحكم في دولة له الحق في فعل ما يشاء وليس لأحد حق السؤال. وبشكل أكثر وضوحا ً "لا يجرؤ أحد على السؤال". فمن يسأل عن حقه او حق غيره، يُنعت بالعمالة والخيانة، وقد تقوم عائلته بقتله قبل الحكام، خوفا ً من مقتل العائلة بأسرها! والسؤال هنا، كيف كان باستطاعة شعب حماية نفسه من عملية النصب التي حدثت وقد منع َ عليه التفكير والسؤال؟ فقد تم تسليم الأرض قبل حقن اول قطرة دم ٍ لأول شهيد ٍ دافع عن ارضه وأرض أجداده. لقد تقاسموها. تقاسموا الارض والتاريخ والثروات. تقاسمها الحكام مع القائمين على عملية النصب، وأما نحن، فقد تقاسمنا الهمّ والذلّ والهوان. فنحن نعمل في طاحونة كالثيران التي يمنع عليها رؤية ما يدور حولها. في تسير دون معرفة أنها تسير في دائرة صغيرة، كما أن طريقها لن تنتهي إلا بانتهاء حياتها. فنعتقد اننا نعني الكثير لهم، وأننا كبرنا لكي نصنع الفارق لبلادنا ونرتقي بها الى أسمى مستويات الحياة الحضارية. أيّ حضارة نتكلم عنها ونحن لا نستطيع الحصول على العلم الحديث، فكتب مناهجنا الدراسية تعود الى ما قبل النكبة أحيانا. نتعلم عن من بنى سور القدس و من قام بغزوها على مرّ العصور. لكننا نعرف من بنى سور القدس، فإنه سليمان القانوني، كما اننا شبعنا من دروس التاريخ التي تتحدث عن من قام بغزو القدس منذ آلاف السنين. ما نريده هو معرفة مصير سور القدس الذي يتلوّن بأعلام ٍ لا تليق به، ونريد معرفة من يقوم بحمايته من أي تعدى ٍ أو ترميم ٍ يقوم بمحي صورته الأصلية. نريد أن نعرف حقيقة من يغزو القدس في وقتنا هذا، فقد نقول أننا نعرفهم، ولكن صدقوني حين أقول لكم أننا لا نعرف إلا الشيء القليل. فمن أين اتو ؟ ولماذا أتو؟ لا نريد الإجابات السهلة التي تضج بها ألسنة فلاسفتنا الذين يظنون أنفسهم أفضل منا وأذكى منّا. يُقال أن نصف حل المشكلة هو تحديدها، لكننا حددنا المشكلة منذ أكثر من نصف قرن ولا زلنا ننتظر النصف الآخر من الحل. هذه النظرية لم تساعدنا حتى الآن، ويجب علينا إيجاد سبيلاً آخرا. لقد تخدرت أذهاننا، وذبل شبابنا من كثرة حبوب النوم التي قُذفت في أمعائنا. الى متى النوم وقد دقت أجراس الخطر منذ زمن؟ "أنتم شباب المستقبل" ! لقد سمعنا هذه الجملة مرارا ً، ولا أظننا نعي معناها الحقيقي، والأمر العصيب أنني لا اعتقد أن من قالها يعيه أيضاً ! فأي مستقبل ٍ يتحدثون عنه وقد ذُبح مستقبلنا امام أعيننا وأعين آبائنا؟ فقد سمع آباءنا نفس الجملة وهم في شبابهم، ولكنهم كبروا ولا زالوا لا يعلمون ما يفعلون بها. ولكنني لن اقولها الى ولدي إن لم أقوم بفهمها وتحقيق فحواها، أو على الاقل يجب أن أحاول الوصول الى ما لم يستطيع آبائي الوصول إليه. هل أظل مستلقيا ً على ظهري في كسل ومن ثم أقوم بتحميل المسؤولية الى أولادي؟ أي ّ أب أكون حين إذن؟ يجب أولاً الاعتراف بأن أرضنا قد سُلبت. أعرف أن اعترافنا بذلك مأساة ولكن اعترافي أفضل من انكاري لحقيقة وضعتني على رأس الخازوق! فكلامي إن قلت انها "لن تُسلب" وأننا "لن نسمح لهم"، وكل هذه الهتافات التي اعتدنا عليها، لن يسمح لى بالوصول الى الوعي الحقيقي الذي قد يساعدني في حل المشكلة. إن أردنا الحديث أو الكتابة في هذا الموضوع لما أكفت ألسنة البشر جميعهم وكل اوراق العالم. ولكن دعونا نكف عن الكلام والكتابة لكي ننتقل الى طور التفكير وإعادة الحسابات، فليس لساني أو قلمي هو سلاحي، فسلاحي عقلي ويقيني. والسلام عليكم

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل