المحتوى الرئيسى

تونس فجر واسع بلا طغيان بقلم عبد العاطي الزّيّاني

05/22 19:37

تونس فجر واسع بلا طغيان بقلم عبد العاطي الزّيّاني- المغرب- في تونس كان الناس وكان الفضاء هلاميا وكان التاريخ مضغوطا بالمسامير والرمال، قلقا يدير أيامه المشتعلة بالصبر والكبرياء والوقع تحت سلطة خفية عمياء تراقب كل شيء، تراقب تبحث في شروخ كل شيء تدس أنفها في العتمات والأنفاس. التفاصيل الكبيرة والصغيرة ﻻمفكر فيها ، وظلت طي الكتمان، وحدها الزوايا الموحشة المتقدة جماﻻ ، يجللها اﻷسى كانت ترتب مستقبلها بطريقة ﻻ تعلمها غير نواميس الحياة وسنن الكون، الشروط الصغيرة ﻷحلام الكرامة و إيجاد زاوية من سماء في البرية بالقدر ذاته الذي تحلم به الكائنات البشرية ممنوعة من الصرف.. يا صاحبي قهري قل لي : ماهي سمات الحياة بكل ملامحها الحقة التي نعرفها وﻻ نعرفها في تونس الخضراء؟ المواطن العربي ﻻيرى تونس إﻻ: تونس واحة خضراء ، تونس تؤنس ، تونس شاطئ أزرق، تونس وجوه حسان ، هذا ما تعممه وسائل الإعلام برمتها، ثمة تفاصيل أخرى ترددها التيارات الحمراء والخضراء المحاصرتين، أن السياسة طابو حقيقي وبلا عناد ، لا مجال للعب فيه إلا لمن يتقن الصمت والخوف والاكتفاء بحقوق العبيد . اللاعب الواحد الواثق من وجوده ويملأ الملعب طولا وعرضا هو قمر الدين زين الهاربين وخلفه كتيبة من التابعين والصامتين وأرباب المافيات المختصة في التهريب والقرصنة والاغتصاب العلني والباطني والتي تتكفل بعد جرعات الهواء والماء واعتقال النار بعيدا وإبقاء التراب تحت الأقدام ، الوجوه الخضراء تأبطت أقمصتها وعباءاتها ، وكل الأغراض التي لها صلة بالتأويل السني ، رغم ثلج أوروبا روح النصارى التي تملأ المكان قبلوا الإقامة وأطالوا البقاء ترعاهم سنة الديمقراطية الغربية البرلمانية، ورغم هذا ظلت تونس الخضراء منفى في البال لدى الجميع . تبقى الوجوه متوهجة رغم نزيفها اليومي المريع، تظل الأغاني رغم شجنها المر ذات تطريب لا يختلف كثيرا عن مرح موسيقى لبنان . الزمن يمر بمعان، ويسير الناس بمعان في الطرقات الممتدة أو في الشوارع الطويلة المكتومة الأنفاس بعناية مركزة . لكن النار لها منطقها ، وعيون النهار عمياء ، وحدها التفاصيل الصغيرة تغدو حجرا وتصبح حجرا ، تبني معالم لا ترى بالعين المجردة في أفئدة الناس، لا تزيدها الأيام إلا رسوخا، من تونس لا اقبض على الغضب الذي يختفي تحت المظاهر الزائفة كما اللظى الحقيقي لإحساس لن يموت، ولا تصلني عرامة القلق إلا في العبارة، محمد خريف يشق عصا الطاعة ، ولكنه لا يبين إلا بالرمز السحيق، وتظل فاطمة بنمحمود وعبد الدائم السليمي أصدقاء المورو بلاحساب، وفاضل التريكي و كمال الرياحي وكمال العيادي، وتبقى عائشة المؤدب خجلي خفرة وبعيدة تحب المغرب ولا تكاد تبين. وبطريقة غير تقليدية فجأة تختلط المصائر ويركب البوعزيزي بحر إنسانيته، فيقول : لا ، ويضيف: كفى ، وأردف : سأكون الشعلة. فجاءت من أصقاع سحيقة نداءات النسر العالي، فأيقظ الشابي ما تبقى من أرواح الأنام. فهب صوت الكرامة عميقا قلقا مجلجلا موجعا هادرا ، تردد صداه في تونس الهائجة كلها، تطايرت الحمم من بيت لبيت ، وبدا للعارفين أن العنقاء تونسية وأن دجنبر واحد في الدهر. هنا حيث التأويل حقيقة، وحيث العبارة فصحى ترتجل الحياة، اكتشف النبهاء أن الأمر أصبح محكوما ببدايات لا مفر لتونس- النظام منها. يا زين الهاربين اليوم وليس غدا، أجراس الهزيمة وذيول الفضيحة وراءك والدهر قاس، والليل عار، لا أصدقاء يا عدوي لا خيام ثقيف ولا هذيل تلوح منها النيران.. أنت حاف وعلى ضفة الأشواق الثخينة ترسو سفنك المعتلات بالعار . لك ان تفهم أو لا تفهم سيان ، قيامتك لا تملك غرفة انتظار. بلاد يحاصرها الحصار، وتموت من الإكراه جدرانها ولا يرخص فيها بالتظاهر للناموس احتجاجا على غياب المستنقعات حاضنه الاجتماعي، أما التظاهر دعما لقضية عربية او إسلامية أو إنسانية فحرام في مذهب بنعلي حسب صحاح الدش الثوري وسنن داعميه الامبرياليين. فلا يسار ولا يمين ولا وسط ليس غير بنعلي وحيدا يمل صوته ويعجبه صمت الآخرين . أصبح اليسار في المغرب الكبير متخما بالهزائم والدسائس والتدجين والترهل معظمه، اليسار الذي ظل مشبعا بمعادلات الماضي ، لم يبق منه ولا فيه في العالم العربي إلا الأشباح ، صحيح دجنوه وحاربوه وقاتلوه ونفوا مناضليه وطاردوهم، ولكن لماذا سمح اليسار في كل شيء، و قد كان أملنا وطموحنا لعقود؟ اليسار في بلدي المغرب أصبح مناضلوه جلهم كروشا كبيرة و كبيرة جدا تتحرك بصعوبة من بيت العشيقة إلى الخمارة . صار اليسار في المتحف، وصارت اللحى والعباءات بلا معنى، الانتماء إلى الماضي روح ومعنى، والرهان هنا خاسر، فلا ورع أبي هريرة ولا شجاعة علي ولا عدل عمر أدركناه ولا ركب المدنية الحديثة بايعناه بكل عمقه ومغامراته العقلية. نحن يصدق علينا قول أبي تمام: لا نحن نحن ولا الديار ديار. خفت الهوية وخفت الطوية . وإذن فلا بديل اليوم عن أصوات المسحوقين في الميدان، هم وحدهم صناع المجد, ومحترفي الصبر و المكابرة وهو وحدهم الصدى والصوت.تونس كشفت بنهجها شعبها الأعزل أن كلمة لا لا رجعة فيها، وان المستنقع ليس قدرا للطين وللماء، وأن المجرى الحقيقي للحياة هو درب الخروج من الضيق إلى الرحابة، والثمن مهما قسا لايفسد للكرامة قضية، ولذلك فبعد عملية الاحتراق التي تشبه التطهر من جرب الصمت، التطهر من الأفول فرضٌ على الإنسان وليس نافلة، والتطهر قدر لإجلاء الطغيان والإذلال عن الذات والنفس والأهل والولد، القهر الذي يمحق العرب من الماء إلى الماء رمزيا. إن تونس مكثت غير قليل في كماشة جحر مديد، هي وأخواتها، ولأنها مكذوب عليها فقد منعت زورا وإمعانا في تسويق صورة غير واقعية، نسمع أن تونس تمنع من البحر إلى الجبل إلى الصحراء من إظهار لاءاتها ضد العدوان الأمريكي والصهيوني المستمرين على العالم العربي والإسلامي، ضمانا للرفاه الموعود ، الصمت جذري ولا يقبل الحلول الترقيعية ، الصمت يخرج من الليل، الهدوء يجافي النهار، الصمت يرفض أن ينتج صمتا، الصمت يصر أن ينتج صراخا فاعلا هادفا بانيا واعيا، الصمت يتكفل بكنس الطغيان عن بكرة أبيهم. أيها الطاغية، يا كريم العين : لك أن تفر تحت جنح المذلة وبين شقوق التعب، لك أن تهزأ من تاريخك الواقف على حافة الهباء ، ورصيدك المختوم بالدم يرتل أمام أبوابنا أنشودة اندحار أساطينك. يا أيها الراحل ها أنت تزيح عني وعنك جبالا من الضيم والضيق، أنا التونسي أرتب سيرة الينابيع المباركة كي تسير بها الركب وكي لا يتلبس المكر بالقهر، وكي تحترق جبال القش التي تسد باب الأمل ومسرى الروح. الناس في تونس في سيدي بوزيد وفي القصرين وفي بنزرت وفي المونستير وسوة وصفاقس وفي توزر وغيرها أدركوا اللعبة وقانونها بعد ألف ألف ألف فجر من الترهيب والتضيق والتحقير، ثمة ثقوب واسعة في جدار بنعلي وزبانيته والمنتفعين بصحون الحساء والذهب والقوة والحياة، تتسع الجراب، والخرق واحد، والأجواء تضيق، ومن لابر له لا بحر له، ساعة الرحيل قد دنت. فيا سعد الخيبة و يا زين الفارين ويا ابن العار والفضيحة: لك أن تتشرد ولك أن تجوع من الآن ولك أن تعرى ولك أن تتسكع بين شروخ السماء. يا عالم: كيف للعربي أن يفهم أنه إنسان مثل خلق آدم وحوله كل خطط حاكميه لإقباره وقهره وقمعه وسجنه وترهيبه واغتصابه علنا وتجويعه وتركيعه ومحاصرته ودفعه لأضيق زاوية من ردهات الحياة.؟ يا عالم : أهذا العربي قهره أبدي ؟ هل مجرد الجهر بالصوت الهادر بحقنا في الحياة يجعلك يا حاكمي الأوحد من دون كل الأنبياء والمرسلين خالدا واحدا شمخا لا تموت.؟ هل مجرد الإحساس أننا بشر لنا الحق كما لكل إنسان على البسيطة أن يحلم ببيت يأويه، ونظام تعليمي يدمجه في نسيج العصر، ونظام صحي يحميه من الأمراض والأوبئة، ومن قانون وأمن يقيانه غلواء التعصب والخطل يجعله مارقا ومطاردا ومبعدا وخارج عن الطبيعة الآدمية ؟ لنقل لا وليكن ما كان . لنقل: لا. أقولها أنا في تونس، وانتم في المغرب وهن مصر والبقية تأتي من الأردن وسوريا وليبيا اليمن وباقي المشيخات الميتة.. تونس تخرج من ورطة الخوف وتقيم في سور العلو وتتحرر من باقي عيونها القديمة. تظهر تونس الآن عروسا وسط العجائز المتعبات من قهر مديد، تنتظر بأشواق مرة فكاك شقيقتها الكبرى مصر من بارونات التطبيع والتدجيل والتضبيع العربيين ، كي ترتل نشيدا فارقا تحضره جنيات البحر وأحلام الغد المطرزة بالدموع والشموع شاهدات أن الفجر أشرق والصبح هلَّ وحيدا من دون عسس . الحياة بطعم الذل نصف نصف وفي رواية أخرى الموت كله . لنكن صعاليك العالم فالانتفاض والرفض التمرد والخروج صيغتنا. الرفض أجل خصلة منحها الله لبني آدم، ارتقى الإنسان حين رفض البقاء في الغابة، تسنم مجد البرية حين رفض الاستسلام للمرض والجوع، بنى المدن ورشيد الآثار الشاهقة وسن الدساتير حين رفض الحياة بعشوائية فجة. الرفض تونسي ومغاربي نرجو صادقين ان يكون هذه المرة في أمنا الكبرى أم الدنيا عربيا . عبد العاطي الزياني – المغرب

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل