المحتوى الرئيسى

نماذج التعايش مع الآخرتطبيق وثيقة المدينة علي المخالفين لها

05/22 00:18

في ظل دولة المدينة تمتع غير المسلمين بالحرية العقدية والاستقلال الديني‏,‏ وهو ما ظهر جليا في وثيقة المدينة التي عقدها الرسول صلي الله عليه وسلم مع أهل الديانات والأعراق المختلفة في المدينة‏,‏  فلم يكره أحدا علي الدخول في الإسلام, امتثالا لما ذكره الله عز وجل في محكم التنزيل:( أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين)(يونس:99), وهو ما نجده واضحا حين أقر رسول الله كلا علي دينه. وفي إطار هذه الوثيقة تعامل الرسول صلي الله عليه وسلم مع جميع الطوائف علي أساس من العدل والمساواة واحترام الآخر, فقد حفظ لليهود جميع حقوقهم الدينية والمدنية,وذلك من خلال بنود المعاهدة التي أبرمها مع القبائل اليهودية في المدينة. وقد حافظ الرسول صلي الله عليه وسلم والمسلمون علي هذه العهود والمواثيق مع اليهود,وجرت بينهم معاملات شتي,حتي رهن الرسول درعه عند يهودي. وفي ظل هذا الأمان الديني والاجتماعي والاقتصادي الذي كفله الرسول لليهود,راجت أسواقهم,وكان نساء المسلمين يذهبن ليبعن ويشترين وحدهن,ورغم ذلك لم يلتزم اليهود بهذه المعاهدات والمواثيق,وخرجوا عنها, ونتج عن ذلك نماذج ثلاثة تعامل الرسول مع كل نموذج وفق ما أقرته الوثيقة. فأما النموذج الأول فيتمثل في يهود بني قينقاع,حيث كانوا أول من نقض المواثيق,حيث تعدوا علي امرأة مسلمة في أحد أسواقهم,وكشفوا عورتها أمام السوق, فصاحت, فوثب رجل من المسلمين علي الصائغ فقتله-وكان يهوديا-وشدت اليهود علي المسلم فقتلوه,فاستصرخ أهل المسلم المسلمين علي اليهود,فغضب النبي صلي الله عليه وسلم لما وقع من يهود بني قينقاع الذي يدل علي الخيانة والغدر ونقض العهد, وخرج ومعه المسلمون لمعاقبتهم فحاصروهم خمسة عشر ليلة حتي اضطروهم إلي الاستسلام والنزول علي حكم رسول الله الذي قضي بإخراجهم من ديارهم جزاء غدرهم وخيانتهم,وكان ذلك في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة,وكان بنو قينقاع حلفاء للخزرج فقام عبادة بن الصامت الخزرجي وتبرأ من حلفهم,ولاية لله ورسوله,وعداء لأعداء الله ورسوله,أما عبد الله بن أبي الخزرجي ابن سلول رأس المنافقين فوقف في صف اليهود مدافعا عنهم. أما النموذج الثاني وهو يهود بني النضير فقد تآمروا إثر غزوة أحد علي قتل رسول الله صلي الله عليه وسلم في أحد أسواقهم,وهو أمر خطير أن يتآمر جماعة من المواطنين علي قتل رئيس الدولة,الذي ضمن لهم سبل العيش الآمن,وأنعش اقتصادهم وتجارتهم,فحاصرهم الرسول صلي الله عليه وسلم في ديارهم,فقذف الله في قلوبهم الرعب,وخرجوا من بيوتهم بعد أن خربوها حسدا للمسلمين أن يسكنها أحد منهم من بعدهم. وفي النموذج الثالث نري أن النبي تعامل بالشدة مع يهود بني قريظة وخيانتهم لرسول الله والمؤمنين في المدينة,حيث كان غدرهم أشد من غدر غيرهم من اليهود,فإنهم سعوا إلي خيانة لو تمت لهم لفني المسلمون عن آخرهم,فقد نقضوا عهدهم مع رسول الله وتحالفوا مع أعدائه من المشركين الذين قدموا لغزو المدينة في غزوة الخندق,رغم ما أقروه في وثيقة المدينة من بنود تمنع التحالف مع قريش أو مساعدة من يهاجم المدينة,وهو أمر يهدد الدولة كلها وفيه خيانة المواطنين لدولتهم وتآمرهم مع أعداء الوطن ضده. والملاحظ هنا أن يهود بني قريظة كانوا مدركين لأمر خيانتهم لعهدهم مع رسول الله والمؤمنين;لأنهم بمجرد أن ارتد مشركو قريش عن المدينة رجعوا إلي صياصيهم وتحصنوا بها,وتحسبوا لخوض المعركة مع النبي صلي الله عليه وسلم,والأمر الآخر أنهم حوصروا خمسا وعشرين ليلة فلم يرد أنهم اعتذروا أو طلبوا سلما أو صلحا مع رسول الله,ولكن أخذتهم العزة بالإثم,وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ورسوله,وأن المؤمنين سيرتدون عنهم مغلوبين علي أمرهم,فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم:انزلوا علي حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم.ولأول سابقة في التاريخ يسمح صاحب السلطان للمجرم والخائن أن يختار قاضيه ومن يحكم عليه بالعقوبة,فاختار اليهود سعد بن معاذ,الذي قال:'فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتقسم أموالهم'.فقال رسول الله:'لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله'(أحمد141/6). لقد نقض بنو قينقاع وبنو النضير عهدهم مع رسول الله وحاربوه,فلما انتصر عليهم لم يأمر فيهم بمثل ما أمر في بني قريظة,وما ذلك إلا لأن بني قريظة ارتكبوا جريمة زائدة وهي الخيانة العظمي,والتي كان من شأنها لو أحاطت بالمسلمين لقضت عليهم جميعا. هكذا كان يتعامل رسول الله مع غير المسلمين في دولة المدينة تعاملا قائما علي العدل والرحمة والتسامح,دون تفريق بينهم وبين المسلمين, فهم علي درجة واحدة في إطار المواطنة والولاء للدولة,أما من خرج عن الجماعة يريد إشاعة الفتن وخيانة الوطن,والاستقواء بالأعداء,فمع تطبيق مبدأ الرحمة والرأفة معه يكون عقابه بقدر مخالفته, وأما من لم ينهنا الله عنهم,فمعاملتهم تكون بالحسني والحلم واللين,قال الله تعالي:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)(الممتحنة:8). وإذا كان هذا الحكم عاما مع ذوي الأديان والأعراق المختلفة,فما الظن إذا كان هؤلاء إخوة في الوطن وشركاء فيه,يحافظون علي أمنه واستقراره ويقفون في وجه أعدائه والمتربصين به,فضلا عن أنهم أقرب مودة للمؤمنين!قال تعالي:(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون)(المائدة:82) فهم أولي بحسن المعاملة,وتحقيق مراد الله منا فيهم. المزيد من مقالات د‏.‏ علي جمعة‏

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل