المحتوى الرئيسى

ليت الآبار تبوح بالأسرار بقلم أحمد ابراهيم الحاج

05/22 20:52

ليت الآبار تبوح بالأسرار بقلم أحمد ابراهيم الحاج 23/5/2011م .................................... تعلمنا منذ الصغر وفي بلادنا فلسطين بأن الآبار هي مستودع الأسرار، فعندما يريد أحدٌ أن يبوح لصديقه بسر يحتفظ به يسأله هذا السؤال: وين السر؟ فيجيب عليه الصديق بقوله "في البير" أي أن ما ستبوح به من سر سيكون في البئر. فبعد ذلك يبوح اليه بالسر. وكأنه قسم واجب على المتلقي للسر قيل أن يتلقاه. وبئر أسرار الإنسان يختلف عن بئر أسرار الأرض، بئر الإنسان لا يكتم السر بمقدار ما يكتمه بئر الأرض، ولا يحتفظ به طويلاً كما يحتفظ به. والإنسان بطبعه وفطرته الغريزية لا يقدر على الإحتفاظ طويلاً بالأسرار مقابل المغريات المادية والمعنوية، فيبوح بها بدوافع سلبية أحياناً ودوافع ايجابية أحياناً أخرى. الدوافع السلبية وذلك بتقديم جزرة المغريات الدنيوية الغريزية، فيقع في فخ الخيانة للوطن والمواطنين والعمالة للأعداء المعتدين، فيغرق بالجريمة ويغرق الناس بها مختاراً لهذا الطريق بمقود الغرائز لا مكرهاً عليه. وبذلك يصنف تحت أعلى درجات الجريمة عنفاً وبشاعة، كذلك يبوح بالسر بدوافع الخوف من التهديد بالعذاب بسياط الجلادين الظالمين، فينهار تحت التعذيب. ويغرق الناس بالجريمة مرغماً على هذا الطريق. ويبوح الإنسان بالسر بدوافع ايجابية، انطلاقاً من عاطفة الحب لله وللناس وللوطن، وذلك لإنقاذ الناس من الجرائم وأفعال المجرمين كما أمره الله، وذلك بهدف الوقاية منها قبل حدوثها واستفحالها بالمجتمع. وبدوافع الحفاظ على الأمن الوطني وأمن المواطنين وإشاعة السلم والتعايش بين الناس. كتمان الأسرار من الصفات الحميدة، وهي أمانة في عنق المتلقي لها، ولكن ليس كل الأسرار أمانات واجبة الكتمان، وبالأخص أسرار آبار الأرض، ومعظم أسرار تلك الآبار هي أسرار واجبة البوح لاتقاء نتائجها الكارثية على الناس، لأنها في مجملها تنطوي على جرائم في حق الإنسانية. إذ تحوّل قلب الإنسان الذي أودع السر في خزينة بئر الأرض الى حجارة صماء كحجارة البئر، جامدة وخالية من المشاعر والعواطف والأحاسيس، ومجردة من الحب لله وللناس، وذلك في سبيل حب الحياة الدنيا ومغرياتها. ونتيجة لسيطرة الأنانية المطلقة على تفكيره، والتي تبيح له وتسول لنفسه الحاق الضرر والأذى بالناس في سبيل سلامته هو وحده. فيقدم على الجريمة والقتل من أجل أن يعيش هو ويهلك باقي البشر، وتلك من صفات اليهود المتصهينين الذين يشيعون القتل والدمار في سبيل استمتاعهم بالحياة لوحدهم دون مشاركة مع باقي البشرية. ويعتبرون دم الآخر مباحاً لهم. فيسفكون الدماء بقلوب تخلو من نبض الحياة وينابيع الرحمة والرفق والحب. من هنا كان الناس في بلادنا يصفون من يتسم باللؤم وكره البشر وقساوة القلب باليهودي، ويقصدون اليهودي المتصهين الذي اغتصب فلسطين منهم بالقتل والتشريد والدمار لآثارهم على تلك الأرض. وللآبار في فلسطين قصة قديمة وموغلة في القدم ، وكلها كانت مستودعاً أميناً للأسرار الاّ بئر واحد شذ عن القاعدة، ورفض الجريمة، وباح بسر عتيد وذلك بإرادة من الله عز وجل، إنه غيابة الجب "البئر" الذي ألقي فيه سيدنا يوسف عليه السلام. فباح بسره للسيّارة (العابرون من اهل مصر) فالتقطوه من البئر، ليكون النبي الذي قلب موازين الحياة في مصر، ووهبه الله العلم والحكم، فأشاع العدل بين الناس وأضفى رخاءً على اقتصاد الأمة التي عاش بين ظهرانيها، ولحق به كل أهله، وكان مثالاً للثبات على الدين والحق، ورفض الإنحناء أمام المغريات الدنيوية، وذلك بإرادته القوية، وايمانه الراسخ بالله. أما الآبار الأخرى فقد احتفظت بأسرارها التي أودعها بها الناس. ولو باحت الآبار والجُبى تحت سطح الأرض وفي أقبية المخابرات والإستخبارات وأغوار السجون والمعتقلات في باطن الأرض بأسرارها وما يدور في غياباتها من مداولات ومؤامرات وعذابات في الخفاء، لكان العالم أفضل مما هو عليه الآن. ولانخفضت مستويات الجريمة في المجتمعات. ليت البئر الذي القيت فيه "آية البرادعية" باح بسره، وربما باح بسره أياماً معدودة يستصرخ الضمائر الحية، وظل يخفت تدريجياً الى أن اختفى دون التقاط ، ولم يكن يسمع هذا البوح الاّ المجرمين الفاعلين ليطمئنوا على إتمام العملية بنجاح، لكن السّيارة المحايدون (العابرون) لم يمروا من هناك،ولم يسمعوا الصراخ الآتي من أعماق الأرض، وبالتالي لم يلتقطوا آية من البئر، فحصلت الجريمة، وتلك إرادة الله المقدرة لها. ولكن ما زال بئر الأرض في صوريف يكتم أسراراً خافية على الناس. فالجريمة ليست في ظواهرها جريمة شرف، فالمغدورة بريئة من خدوش الشرف كما أثبت التقرير الطبي، ولو كان شرفها مخدوشاً لما أقدم الشاب لخطبتها. الجريمة يكتنفها الغموض، ومات مع المغدورة سر باتع، ولكن بعض خيوطه ما زالت بيد المجرمين القابعين بالسجن. وربما اعترفوا بدوافع القتل، ورحلت بعض الأسرار من بئر الأرض الى بئر الإنسان (طواقم التحقيق من الأمن الوطني)، وذهبت بقية الأسرار ولفظت أنفاسها مع أنفاس آية. ولن يحتفظ بئر الإنسان بالأسرار طويلاً. وسوف تتكشف خيوط الجريمة منقوصة من الخيوط التي تمزقت وانطوت مع جسد المغدورة وتصاعدت مع مع روحها الى السماء لتكون الشاهد لها يوم القيامة والبينة على المجرمين. ولكن لا بد من الإفصاح عن الأسرار المتحصلة من الأحياء، بهدف التشخيص للأمراض الإجتماعية والنفسية التي عصفت بالشعب الفلسطيني نتيجة للإحتلال الطويل المديد، وغياب الأنظمة والمؤسسات لحساب الأحكام الفردية والشخصية المطلقة، ونتيجة تزيد سوءاً عن نتائج الإحتلال وهي نتيجة الإنقسام البغيض، لا بد من الإفصاح من أجل البحث عن حلول لتلك المشكلات الإجتماعية الإنفصامية، والنفسية التربوية التي سيطر عليها الفرد الواحد والطيف الواحد. فغلبت القرارات الفردية الشخصية على الجماعية التعاونية. فانتشر القتل بالمجان وبأحكام سريعة بالميدان، وظن الفرد أنه يمثل الله على الأرض. وأباح لنفسه إطلاق الأحكام وتنفيذها منفرداً. الجرائم تحدث في كل المجتمعات، ولكن تلك الجريمة غريبة على الشعب الفلسطيني في وسائلها وفي غموضها وتشابك خيوطها وفي بشاعتها. لا بد أن آية كانت تحتفظ بسر خطير يهدد حياة المجرمين كلفها حياتها. وانتهت حياتها تحت عنوان "جريمة الشرف" التي نتمنى أن تنتهي الى الأبد لصالح تطبيق شرع الله. ولكن الله وحده أعلم بالخيوط الكاملة والمتكاملة لهذا السر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل