المحتوى الرئيسى

زكى عمر

05/21 09:48

بقلم: كمال رمزي 21 مايو 2011 09:41:23 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; زكى عمر منذ أربعة عقود، رأيته لأول مرة وآخر مرة، قضيت معه عدة ساعات. فرقت بيننا الأيام، ثم وفاته المفاجئة بعيدا عن أرض الوطن. لكن الوقت الذى استمعت فيه لكلامه، بقى مزدهرا، متلألئا، فى عقلى وقلبى، ذلك أنه جعلنى أرى عشرات الأشياء كما لو أنى لم أرها ولم أعرفها.. أحدثك عن شاعر مرهف، جاء من أعماق الريف المصرى، حاملا معه خبرة وأحاسيس ورؤى نابعة من اتساع الأرض وجوف التاريخ. اسمه زكى عمر، التقيته فى قرية كانت صغيرة حينذاك، يطلق عليها «كفر الأعجر»، تقع بالقرب من المنصورة، بعيدة عن الطريق الترابى الذى يفضى إلى الطريق العام.. كان لابد أن نسير على أقدامنا ما يتجاوز العشرين كيلومترا. بدأنا مشوارنا فجرا، قبل طلوع الشمس اللاسعة، وبينما أخذ التعب يتمكن منى لاحظت أن نشاطه يزداد، ولأنى فقدت إدراكى لجغرافية المكان، أصبح هو مرشد الطريق، وكفلاح أصيل، يجمع بين الصبر والقدرة على استنهاض الهمة، يردد بين الحين والحين «كلها فركة كعب» «اقتربنا من الطريق»، «سنرتاح تحت شجرة توت أعرفها».. لاحظت مسحة حزن تباغت وجهه الأسمر المتفائل بين فترة وأخرى.. لما سألته عن بواعثها حدثنى عن والدته التى رحلت منذ أسابيع، وأنه ورث عنها وتعلم منها الكثير، ورثاها بقصيدة مطلعها، إذا لم تحن الذاكرة تقول «ماكنتش تحب اللون الباهت، وماكنتش تحب الميه الفاترة، وكانت لما بتكره تكره موت، ولما تحب تحب صبابة، واما بتحزن تبقى ربابة، وأما بتفرح يبقى الفرح على البوابة».. بدالى وكأنه يصف نفسه.قبل أن يشرق الفجر تصاعد صوت طقطقات من حقل، بعيدة وقريبة، منخفضة ومرتفعة. وقف زكى عمر ليصغى وقد علا البشر وجهه. قال: هذه أجمل موسيقى يسمعها الفلاح، إنها صوت لوز القطن حين يتفتح، كلما زادت الطقطقات وتداخلت ينتعش قلب صاحب الزرعة، فهذا يعنى أن الحصاد سيكون وفيرا.. عندئذ، أدركت أن الشعر عند زكى ليس كلاما جميلا فحسب، بل رؤية خاصة للأشياء، تجعل لها حضورا إنسانيا قد لا يخطر على بال.. حين مررنا على حديقة أشجار مانجو، مسيجة بسلك شائك، تأملها معجبا وقال: شجرة المانجو غالية، محترمة، واثقة من نفسها، معجبانية، محاطة بعناية فائقة. إنها زوجة المأمور أو الطبيب أو مهندس الرى.. وعندما قارنتها، مستخفا، بشجرة جازورينا، وقف رفيقى محتجا، وبدأ يدافع عن «الجازورينا»: إنها تماما مثل الفلاح المصرى، طويلة، نحيفة، لكنها شديدة الصلابة، جذرها يضرب فى عمق الأرض. إنه وتد، وهى شجرة صبورة، قوية، تعتبر مصدا للرياح للعاصفة، يحمى بها الفلاح زرعته، وأوراقها غريبة، أقرب إلى الإبر، كى تحمى نفسها من المطر الذى لن يعلق بها، والحشرات التى تفشل فى العيش عليها، وأشعة الشمس التى لن تتمكن منها.. زكى عمر، من النوع الذى تنطق ملامحه بما يحس به قبل أن ينطق به كلاما. عند تكعيبة عنب انفرجت أساريره. ابتسم وهو يقول: العنبة، هى البنت الجميلة، الشقية، المراهقة، النشطة، لا تحب الأسوار، ترفض النواهى والممنوعات، تحتاج لرقابة مشددة، فمن الممكن أن تستيقظ فى الصباح فتجدها عند الجيران.واصلنا المسير، وتواصل حديثه منتقلا من شجرة التوت المتعددة العطايا إلى شجرة الجميز، الشديدة الطيبة، وقرأ لى المزيد من أشعاره المتأججة بالثورة والصمود، فقد كنا فى أعقاب حرب 67.. ولم أره بعدها. سافر إلى عدن وعرفت أنه نزل إلى مياه الخليج لينقذ ابنته من الجزر الذى سحبها بعيدا. نجح فى مسعاه، ولكن دفع حياته ثمنا. 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل