المحتوى الرئيسى

الدرس الألمانى وكيف نحقق معجزتنا؟

05/20 09:22

بقلم: صبرى حافظ 20 مايو 2011 09:12:37 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; الدرس الألمانى وكيف نحقق معجزتنا؟  بينت الأسبوع الماضى كيف كان على ألمانيا، لكى تخرج من كابوس المرحلة النازية، والتى تناظر سلبياتها الكثيرة مرحلة مبارك المخلوع، أن تضع ما يقرب من مليون ألمانى فى معسكرات الاعتقال وإعادة التثقيف، وأن تحرم مليونين من العمل فى أى مجال، عدا مجالات العمل اليدوى.كان هذا التطهير الواسع والشامل ضروريا لاستئصال كل الخلايا السرطانية التى تغلغلت فى شتى مناحى المجتمع الألمانى، كى يسترد عافيته وينهض من جديد. وكان الاستئصال الحاد والحاسم هو الثمن الضرورى للتحول الكبير الذى قاد ألمانيا فى سنوات قليلة لتحقيق معجزتها الاقتصادية العملاقة، التى عادت بألمانيا فى زمن قياسى إلى مصاف الدول المتقدمة. فثمن التحول الجذرى فى حياة الشعوب كبير وفادح ولا بد من دفعه إن كان على الشعب أن يحقق تحولا جذريا فاعلا وسريعا من مجتمع قام لزمن طويل على الاستبداد والانصياعية والاحتواء، إلى مجتمع حر يتطلع لمستقبل أفضل. فلا يمكن على الإطلاق بناء هذا المجتمع الحر بنفس الكوادر التى اعتادت تعطيل العقل، والزراية بالمواطن، وطاعة أولى الأمر العمياء، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الطاعة فى مصلحة الوطن أو الشعب أم لا. ولا يمكن بناء مجتمع الحرية بسدنة نظام الاستبداد والسلطة المطلقة، التى هى مفسدة مطلقة، وبمن بررها ورسخ قواعدها، وأتاح بذلك للفساد أن يستشرى فى مصر، وأن يشدها إلى حضيض غير مسبوق فى كل مجالات الحياة.كان تعداد ألمانيا فى ذلك الوقت ما يقرب من ثمانين مليون نسمة، أى أقل قليلا من تعداد مصر الآن، وكان عليها أن تنحى ثلاثة ملايين من المتورطين مع العهد البائد بين اعتقال وحرمان من العمل فى المناصب المهمة والفاعلة فى المجتمع، كى يتحقق التغيير وتنجز معجزتها دون مؤامرات. ولو قامت مصر الثورة بتنحية واحد فى المائة فقط من هذه الملايين الثلاثة (أى ثلاثين ألفا) لتغيرت مسيرة الثورة كلية، واستطاعت ان تحقق هى الأخرى معجزتها التى تصبو إلى تحقيقها لكى تتبوأ المكانة الجديرة بها، ولاختصرت بهذا زمن التحول، وأهم من ذلك تكلفة هذا التحول الفادحة، بينما أعداء الثورة والتغيير مطلقو السراح يخربون ويدمرون ويعرقلون. وإذا كانت عملية استئصال سرطان العهد القديم فى ألمانيا قد حددت أربع فئات هى: فئة المسئولين الكبار عن المرحلة وجرائمها، ثم فئة الضالعين فى الجرائم والمستفيدين من العهد البائد، ثم الأقل ضلوعا فى تلك الجرائم والمتسترين عليهم، وأخيرا التابعين أو المتعاطفين أو الضالين. فدعنا نبدأ فى ثورتنا المصرية بالفئتين الأولى والثانية. وهما فئتان يتجاوز عددهما بلاشك الواحد فى المائة من الرقم الألمانى. لذلك لابد أن نبدأ بفئة المسئولين الكبار عن مرحلة مبارك المخلوع وعن جرائمها، الجرائم السياسية قبل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحينما أتحدث عن المسئولين الكبار فإننى أتحدث عن المسئولين فى كل مؤسسات الدولة وأنظمتها من النظام التشريعى الذى أحالت انتخاباته الفجة المزورة مصر إلى أضحوكة بين الأمم، إلى النظام التنفيذى بكل مؤسساته، إلى النظام السياسى، حكومة ومعارضة. حينما أقول كل مؤسسات النظام، فإننى أقصد جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، باستثناء واحد ووحيد، هو المؤسسة العسكرية لأنها اتخذت فى اللحظة الحاسمة القرار الصحيح، وانحازت للثورة وحمتها. كل هذه المؤسسات وفى كل القطاعات لابد أن تتعرض لعملية تطهير شاملة تستأصل منها كل المسئولين الكبار فى نظام مبارك المخلوع، وكل الضالعين فى جرائم هذا النظام والمستفيدين منه.فإذا ما بدأنا بالنظام التشريعى، فلابد من حرمان كل أعضاء المجالس التشريعية الأخيرة من أى حقوق سياسية لمدة خمس سنوات. وكل اعضاء لجان الحزب الوطنى الأساسية وبلطجيته، خاصة لجنة السياسات، التى كان همها التآمر على مستقبل مصر بتسويغ التوريث، وكل قيادات فروع هذا الحزب فى المحافظات والمحليات. وكل قيادات المصالح والمؤسسات المختلفة، التى كانت تعين بعد تقرير من أمن الدولة، سواء أتعلق الأمر بالجامعات أو الكليات، أو الهيئات والمؤسسات الحكومية أو الإعلامية المختلفة. ولا تنس أمن الدولة نفسه، ليس بهذا الحل الشكلى الذى هو جزء من لعبة الكراسى البغيضة، ولكن بالاستئصال الكامل لكل كوادره التى تربت على خدمة الاستبداد والعائلة رأس العصابة، وكل طواقمه وأذرعه الأخطبوطية من البلطجية الذين كانوا يعملون معه، إلى الجماعات السلفية التى كانت تأتمر بأمره، والتى جرمت الثورة، ودعت لطاعة ولى الأمر، ثم سارعت بعد نجاح الثورة تستغل ما أتاحته من حريات للانقضاض عليها، وترويع الناس، ونشر ممارساتها المعهودة فى الفتنة الطائفية. هذا فضلا عن كل من عمل فى الملفات المشبوهة التى استباحت مصر وأموالها، مثل ملف الخصخصة، وملف الأراضى، وملف شراء ديون مصر، وملف تجارة السلاح وغيرها من الملفات المشبوهة، وكل قيادات الأجهزة الإعلامية المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية. فكل هؤلاء جزء من خلايا سرطان نظام مبارك المخلوع الذى تغلغل فى جسد مصر فأنهكه وأمرضه وأضناه. فأول ما يعلمنا إياه الدرس الألمانى، ودرس كل الثورات الكبرى التى أحدثت تغييرات جذرية فى مجتمعاتها، هو أن للثورات على مر العصور ثمنها الفادح، وإجراءاتها الحدية والحادة. فبدون الاستئصال الكامل لكل تلك الخلايا السرطانية لا أمل فى أى شفاء. لذلك فإننى لا أتحدث هنا عن تنحية عن المناصب أو خلط الأوراق بلعبة الكراسى، بل حرمان كامل ولمدة خمس سنوات من كل الحقوق السياسية، ومن كل أشكال العمل ما عدا العمل اليدوى لهاتين الفئتين كما حدث فى ألمانيا. فهذا وحده هو المعنى الحقيقى لشعار الثورة الأساسى «الشعب يريد إسقاط النظام» وبدونه يظل النظام قائما بعدما انخلعت رأسه. طائشا بلا رأس يضرب فى كل اتجاه. يعرقل الثورة، ويستأديها ثمنا باهظا لكل خطوة على طريقها المأمول.وقد تبدو هذه العملية وكأنها من الجراحات الكبرى التى ستحتاج مصر معها إلى فترة نقاهة طويلة، وهما أمران ضروريان معا: الجراحة والنقاهة. ولابد من إتمامهما بطريقة بالغة الوضوح وبخريطة طريق معلنة يرافقها خطاب جديد يديرها بوعى الثورة وأهدافها. لأنهما معا سيضعان مصر فى معمعة جدل وطنى واسع، وفرز مبدئى كبير، يرهف وعينا بالمسئولية عما جرى، ويجذر المسئولية عنه فى وعى الشعب المصرى حتى لا يتكرر هذا أبدا. وفى هذا الجدل ستتحقق المرحلة الثانية بعد استئصال خدّام الاستبداد، وهى استئصال فكر هذا الاستبداد وأيديولوجيته وممارساته من النفوس، والتى جعلت فيالق من النخبة المصرية تكرس عقولها ومعارفها للغش والتدليس وتسويق التوريث طوال السنوات العشر الماضية.وأثناء الجراحة والنقاهة معا لابد أن يدور جدل واسع حول السؤال الحرج: وهو إذا كان شباب القرن الحادى والعشرين قد استطاعوا إسقاط هذا النظام الوحشى فى 18 يوما، فلماذا انصاعت له الأجيال السابقة، أو بالأحرى تواطأت معه فى العصف بمصر؟! وكيف يمكن أن تضمن مصر ألا يتكرر هذا الأمر أبدا، وأن تجذر فى عقل أجيالها القادمة الوعى بأن كل من أمسك قلما، أو أدى وظيفة فى خدمة هذا الاستبداد، قد أساء لمصر وألحق بها العار. فى معمعة هذا الجدل سينتهى الحديث الأرعن، والكلام الإنشائى الأبله، عن التسامح الذى يردده خدّام الاستبداد، وعن تقاليد القبلية الذى يردده الهلعون على مناصبهم. وستتم المحاسبة الصارمة لكل من أساء لمصر. فبدون تعليق موسولينى من رجليه مقلوبا بعد قتله فى محطة بنزين فى ميلانو كى يراه الناس ويتشفون فيه، لم تبرأ إيطاليا من سرطان فاشيتها القديمة.لابد من هذا التطهير الواسع والجذرى حتى يصبح عصر الثورة مختلفا حقا عما قبله، وليس نسخة مموهة منه. فبدون عملية استئصال كاملة لكل خلايا هذا السرطان الخبيث، سيظل الجسد المصرى مريضا، ولن يسترد عافيته، ناهيك عن أن يحقق نهضته ومعجزته. فلا توجد حرية دون مسئولية ودون ثمن فادح وكبير. وهناك قاسم مشترك آخر بيننا وبين ألمانيا يعزز أهمية هذا الدرس الألمانى. فلدى الألمان شعور ما، شعور داخلى مضمر بتفوقهم كشعب، ربما على بقية الشعوب الآرية والأوروبية، وهو الشعور الذى نمته النازية واستغلته بشكل فج فى تحقيق مشروعها السياسى المغلوط. وهو أيضا الذى مكن ألمانيا من النهضة من كبوتها بسرعة. وهو شعور متوفر أيضا وبشكل مضمر لدى المصريين، بأنهم من أفضل الشعوب ولكن حظهم هو السيئ. وإذا كانت ألمانيا قد استفادت من هذا الشعور، ووظفته فى تحقيق معجزتها، فلابد من أن توظف مصر أيضا تلك الطاقة الكامنة فيها والتى فجرتها الثورة، كى تحقق هى الأخرى معجزتها المبتغاة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل