المحتوى الرئيسى

تنظيف المكان يسبق البناء

05/20 08:08

لم يكن الخلل الذى اتسم به نظام حسنى مبارك، الذى جثم على صدر مصر لثلاثين عاماً متتالية، من النوع القابل للإصلاح أو الترميم، بعد أن شاخ وترهل وأصابته كل أنواع العلل التى تجعله عاجزاً عن القيام بوظائفه الأساسية. لذا تتوقف قدرة الشعب المصرى على صنع مستقبل أفضل لبلاده على مدى نجاحه فى تفكيك وإزالة نظام أسقطت الثورة رأسه لكن جسده مازال يضرب بجذوره عميقاً فى التربة المصرية. وتلك مهمة حيوية، وتعد شرطاً مسبقاً لإقامة نظام بديل أكثر قدرة على التعبير عن طموحات الشعب المصرى فى الحرية والاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية. وعلينا أن ندرك أن الفرح الطاغى الذى شعر به شعب مصر، حين تمكنت ثورته المجيدة من خلع رئيسه، لم يكن مدفوعاً بكراهيته لشخص الرئيس المخلوع بقدر ما كان مدفوعاً برفضه للسياسات التى انتهجها خلال فترة حكمه التى طالت بأكثر مما ينبغى.  ولأن هذه السياسات، والتى أفقرت أغلبية الشعب وأهدرت كرامته وقزمت دور بلاده على الصعيدين الدولى والإقليمى، لم تكن من صنع الرئيس المخلوع وعائلته وحدهما وإنما شارك فى صياغتها وتنفيذها كوادر ورموز لاتزال تهيمن على معظم مواقع الثروة والسلطة فى مصر، فمن الطبيعى أن يشكل استمرار هؤلاء فى مواقع السلطة والتأثير عقبة كأداء أمام إمكانية بناء نظام جديد يليق بمصر الثورة. وهنا تكمن جذور المشكلة التى بدأت تتسبب فى ظهور فجوة عدم الثقة بين شعب قام بالثورة على نظامه القديم وجيش آلت إليه سلطة لم يسع إليها ولا يريد الاحتفاظ بها.  فرغم الدور الحاسم الذى لعبه الجيش فى حماية الثورة وفى إجبار الرئيس المخلوع على التنحى، فإنه كان من الطبيعى أن يختلف منطق الشعب الذى صنع الثورة عن منطق الجيش الذى حماها، خصوصا حين يتعلق الأمر بإدارة عملية التغيير التى تعقب نجاح الثورات. بوسع كل متأمل للطريقة التى أديرت بها المرحلة الانتقالية على مدى الشهور الثلاثة الماضية أن يدرك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خصوصاً أنه تصرف كقيادة لمؤسسة عريقة ومنضبطة وليس كمفوض بمهمة سياسية محددة، اعتمد نهج الإصلاح بدلا من نهج التغيير الشامل والجذرى، بينما كان الشعب، خصوصا أنه لايزال يعيش حالة ثورة لم تكتمل، يفضل اعتماد نهج التغيير الشامل. ولأن المجلس كان، من ناحية، شديد الحرص على عدم الدخول فى صدام مع أى من القوى المتنافسة على الساحة، بما فى ذلك بقايا النظام القديم، كما كان، من ناحية أخرى، حريصاً على ألا يبدو منحازاً إلى أى من هذه القوى فى تحديد شكل ومضمون النظام الجديد، فقد بدا شديد البطء فى حركته، كثير التردد، وقليل الحسم، ومن هنا كان تجرؤ بعض القوى وتجاوزها خطوطاً حمراء ما كان يتعين تخطيها أبدا. أخشى أن تكون الأمور قد وصلت الآن إلى نقطة تستدعى من المجلس الأعلى أن يتدخل وأن يحسم وأن ينحاز. ولأن عليه ألا ينسى أبداً أنه الوكيل المعين أو المفوض من قبل الثورة لإدارة المرحلة الانتقالية، تفرض عليه أمانة المسؤولية أن يساعد الثورة على تحقيق الأهداف الأساسية لهذه المرحلة، بتنظيف المكان من حطام النظام الذى أسقطته، من ناحية، ووضع الأسس اللازمة لبناء النظام الذى تطمح إليه، من ناحية أخرى، وذلك بالتشاور مع القوى صانعة الثورة وصاحبة المصلحة فى التغيير وليس مع أى طرف آخر. ويستدعى تنظيف المكان قيام المجلس بسلسلة من الإجراءات، أهمها:  1- تقديم جميع رموز النظام القديم إلى محاكمة عادلة وسريعة فى الوقت نفسه.  2- تنحية جميع القيادات التنفيذية التى تدين للنظام السابق بالولاء وإبعادها عن مواقع السلطة والتأثير، وإحلالهم بعناصر منتخبة قدر الإمكان، أو ممثلة لروح الثورة إذا ما تعذر اللجوء إلى أسلوب الانتخاب، وعلينا أن نعترف بصراحة أن الأداء على هذا الصعيد لم يكن مرضيا.. أما فيما يتعلق بوضع الأسس اللازمة لبناء النظام الجديد فإن الأمر يتطلب: 1- الاتفاق على دستور جديد. 2- تنقية القوانين واللوائح التى حالت دون تمكين الشعب من اختيار ممثليه بحرية والمشاركة فى إدارة بلاده. وعلينا أن نعترف أن الأداء على هذا الصعيد أيضا لم يكن مرضيا. مطلوب من الجميع وقفة تعبوية لتدارك أخطاء الماضى والانطلاق بثقة أكبر نحو المستقبل. لست متشائما، لكنى أشعر بقلق عميق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل