المحتوى الرئيسى

رسائل أوباما

05/20 07:39

غسان شربل قبل عامين خاطب باراك اوباما العرب والمسلمين من القاهرة. تحدث عن الديموقراطية وتشجيعها في الشرق الاوسط. بدا الرئيس الاميركي حالما يومها. منطقتنا صاحبة تجربة طويلة في مقاومة الديموقراطية وكذلك في صد رياح التغيير. يومها كان اسم الرئيس المصري حسني مبارك. وبدا واضحا ان مبارك كان موزعا بين التجديد والتوريث، ولم يخطر بباله ابدا ان مصيره سيكون مختلفا. وكان اسم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ولم يكن احد يومها يجرؤ على النزول الى شوارع تونس ومخاطبة الرئيس بكلمة قاتلة هي «ارحل». كان العقيد معمر القذافي يقيم سعيدا في الجماهيرية التي اخترعها ونجله سيف الاسلام يرتدي ثياب التجديد والتحديث ويتبرم من «الحرس القديم». وكان اليمن يقيم شبه مستقر في ظل الرئيس علي عبد الله صالح اذا استثنينا الحروب مع الحوثيين و»القاعدة». وكان يقال ان الرئيس لم يتعب بعد على رغم اقامته الطويلة في مقر القيادة الصعبة لهذا البلد الصعب وان نجله لن يتردد في تحمل المسؤولية اذا دعي اليها. وكانت سورية تعتقد بان الرئيس الاميركي الجديد سيحتاج الى الانخراط معها بسبب تعدد الاوراق التي جمعتها في السنوات السابقة. لم تكن سورية يومها تعتقد بان الرياح ستهب من الداخل وستترك اثارا قاسية على علاقاتها الدولية وبعض علاقاتها الاقليمية. حين اختار اوباما امس مخاطبة اهل الشرق الاوسط، من مقر وزارة الخارجية الاميركية، كان المشهد مختلفا في عدد من الدول التي كانت تعيش في ظل الاستقرار يوم القى خطابه الشهير في القاهرة. بدا الرئيس الاميركي في صورة من يحاول تقديم سياسة تتعايش مع الرياح التي هبت على المنطقة وتؤثر فيها. واظهرت الصياغات التي وردت في خطابه حرصا على التوفيق بين المبادئ التي رفعها منذ دخوله الى البيت الابيض والمصالح الاميركية الواسعة في المنطقة. استهل اوباما كلمته مشيرا الى اهمية الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالنسبة الى الولايات المتحدة في الاقتصاد والامن والتاريخ والايمان. وهذا يعني عمليا النفط وسلامة تدفق الامدادات وحرية التجارة والتنمية والاستثمار. ويعني ايضا السلام وضمانات الامن والتعايش والاعتراف المتبادل وضمان الحقوق الاساسية والتصدي للعوامل الحاضنة لمشاعر الكراهية والارهاب. ويعني كذلك فتح ابواب الامل امام الاجيال الشابة التي ساهمت ثورة الاتصالات في جعلها شريكا في حياة بلدانها ورقيبا ايضا. يمكن القول ان مضمون خطاب اوباما كان متوقعا. وعود بالدعم الاقتصادي للديمقراطيتين الناشئتين في تونس ومصر. اصرار على رؤية ليبيا تعيش بلا معمر القذافي. تذكير للرئيس علي عبد الله صالح بضرورة التزامه وعده بنقل السلطة. رفع سقف التخاطب مع الرئيس بشار الاسد من دون اغلاق الباب نهائيا. قال اوباما صراحة ما سرب عن لسان مسؤول اميركي اول من امس ومفاده ان على الرئيس السوري ان يختار بين ان يقود عملية الاصلاح او يتنحى. لهجة مخاطبة سورية تشكل تصعيدا في الموقف الاميركي لا سيما لجهة تكرار اتهام السلطة السورية بالحصول على مساعدة ايرانية لقمع الاحتجاجات. كلام الرئيس الاميركي يوحي بان الازمة بين دمشق وواشنطن مرشحة للتصاعد وان سورية قد تواجه اجراءات اوروبية او خطوات دولية تفرض عليها قدرا من العزلة. هكذا تولد نقطة شديدة السخونة في الشرق الاوسط قد تتجاوز اخطارها ما يجري في ليبيا واليمن نظرا الى قدرتها على التأثير في مناخات الاقليم بمجمله. اما بالنسبة الى السلام بين اسرائيل والفلسطينيين فان تكرار المبادئ العامة لم يخف ان اوباما لم ينجح في تحقيق اختراق في هذا الملف الجوهري. والملفت ان ادارة اوباما الذي أكد معارضة عزل إسرائيل تستقبل اليوم زائرا نجح في الاجهاز على امال السلام واسمه بنيامين نتانياهو. واضح ان اوباما بعث برسائل في اتجاهات عدة تفاوتت في صراحتها والحاحها. الاكيد ان الولايات المتحدة تحاول بناء سياسة لرعاية رياح التغيير في الشرق الاوسط. واخطر ما في الرئيس الاميركي الحالي قدرته على العمل مع اوروبا وضبط الحساسيات الروسية والصينية لذلك على الذين تلقوا الرسائل منه ان يأخذوها على محمل الجد. *نقلا عن "الحياة" اللندنية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل