المحتوى الرئيسى

إسرائيل والثورات العربية: رؤى التفتيت وضرورات التغيير بقلم:د. رؤوف ابو عابد

05/19 20:09

إسرائيل والثورات العربية: رؤى التفتيت وضرورات التغيير شكل رفض العروبة سمة محورية في تعامل الحركة الصهيونية وإسرائيل مع المنطقة، فهناك إنكار إسرائيلي مبكر للاعتراف بالعرب كأمة، وحرص متناهي على نزع الهوية العربية عنهم، بمحاربة الأفكار القومية، ومحاولات الوحدة والاتحاد بين مفردات النظام العربي، الذي مثل نهج التعامل معه كأقليات وجماعات وطوائف وملل وفصائل، والسعي لتفتيت الكيانات الكبيرة فيه، والوحدات السياسية حتى بصيغتها القطرية الوطنية الضيقة أحد الثوابت في الذهنية الإسرائيلية، وفكرة محورية في رؤية وتصور أباء الحركة الصهيونية وفكر قادة الدولة العبرية، والتي تجد أساسها النظري في مخططاتهم القديمة والحديثة، مثل " الكومنولث العبري " للزعيم الصهيوني جابوتنسكي، ومشروع بن جوريون لتقسيم لبنان عام 1954، وفكرة " تفتيت قوس الأزمات " التي وردت في كتاب " بين جيلين " لبريجنسكي مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، ومشروع الشرق الأوسط الجديد لشمعون بيرز، ومخطط الجدار العازل لإريئيل شارون، وفكرة يهودية دولة اسرائيل لليمين المتطرف بزعامة نيتنياهو - ليبرمان، وكل هذه الرؤى تقوم على منهج فكري وسياسي واقتصادي بضرورة تفكيك المنطقة إلى طوائف تصبح معها إسرائيل الطائفة الأكبر والأكثر تنظيما، وبما يتيح لها قدرا أكبر من التحالفات ويضمن لها ممارسة دور الهيمنة والسيطرة الإقليمية، ودفع المنطقة إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تتبدل فيها الاولويات بحيث تصبح الطائفية والفئوية والعرقية هي اهم قضايا النزاعات في المنطقة، وتصبح بذلك ايران العدو الرئيسي للعرب وللسنة، وتصبح تركيا ومصر والسعودية العدو الرئيسي للشيعة، بل ويصطف شيعة العراق ضد سنته، ومسيحي الجنوب ضد مسلمي شماله في السودان، واقباط مصر ضد مسلميها، وشيعة لبنان ضد سنته، ودروزه ضد موارنته....الخ فالحالة الطائفية حليف طبيعي لإسرائيل، بحسب ما يرصد الدكتور/عزمي بشارة الذي يؤكد على أن أجداد المخابرات الإسرائيلية في مؤسسة " شاي " التابعة لمنظمة الهاغانا والسابقة على الموساد، رصدوا وبشكل دؤوب الخلافات الطائفية والعائلية في كل من لبنان، وسوريا، وفلسطين، وعملوا على تعزيزها واستغلالها وفق مبدأ فرق تسد. ومع عدم تقبل " دولة إسرائيل " كحالة احتلال وكيان مصطنع غير متجانس بشرياً، وتاريخياً، وجغرافياً مع شعوب المنطقة ودولها، استمر التوجه الأساسي الحاكم للذهنية الإسرائيلية في البحث عن الأحزمة غير العربية، كالعلاقة مع تركيا، وإيران الشاه، وأثيوبيا هيلاسيلاسي، والحركة الكردية في العراق، وجماعة انطوان لحد في الجنوب اللبناني، وفق استراتيجية إسرائيلية تسعي إلى تكريس حالة التجزئة للعالم العربي، وتعميقها نحو مزيد من تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية، وقومية وطائفية، ومذهبية، من خلال استغلال التناقضات الاجتماعية، ومشكلات الأقليات المنتشرة في تلك الدول، والتي يطالب بعضها بالانفصال والاستقلال، أو الاندماج في دولة أخرى مجاورة تشكل القومية الأم بالنسبة لبعض هذه الأقليات، أو لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية لبعض فئات هذه الأقليات ذات الامتدادات الخارجية، بل وتصوير ما يعتمر في المجتمعات العربية من اضطهاد وغبن عام، على أنه يختص طائفة أو ملة بعينها، وهذه الاستراتيجية الإسرائيلية تجد انعكاساتها مثلا فيما تحقق حول انفصال جنوب السودان عن شماله، والسعي الى إقامة دولة البربر في شمال أفريقيا، وتقسيم لبنان إلى كونتونات خمسة ( سنية، وشيعية، ودرزية، ومارونية، وفلسطينية) إلى غير ذلك من دعوات الانفصال والتقسيم التي تثار بين حين وأخر. وهذا المساعى الإسرائيلي تؤكدها ورقة " الاستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينيات " التي وضعها (عوديد بنيون) مستشار مناحيم بيجن للأمن القومي التي لا تزال تشكل الاساس السياسي للتعامل الاسرائيلي مع المنطقة، وفي حل وادارة صراعها مع العرب فيها، حيث استندت على دراسة الواقع العربي، منطلقة من أن هذا الواقع عموما تتنازعه الانقسامات الطائفية بالدرجة الأولى، كما تسيطر على معظم سكانه مجموعات مستبدة تتمتع بامتيازات كبيرة، تسهم في تنامي التمايز الطبقي والتناقضات الداخلية الاجتماعية، لذلك فإن على الدولة العبرية أن تعمل بكل طاقاتها العسكرية والسياسية، والاقتصادية، في سبيل تجزئة الدول العربية إلى دويلات طائفية تابعة، ومرتبطة بأجندات خارجية، وتدور في فلك المشروع الصهيوني. وكل ذلك في اطار رؤية اسرائيلية متجددة وشاملة حول البدائل المطروحة بشأن اعادة ترتيب وخلط الاوراق في المنطقة وتقسيمها وفق رؤى وتصورات تندرج في سياق عدة نظريات اهمها: - نظرية موازين القوى: والتي تدعو إلى تفكيك الشرق الأوسط، وإعادة تركيبه على أسس طائفية ومذهبية وقبائلية، على أن يتكفل عنصر موازين القوى- وهو هنا في صالح إسرائيل- بفرض التوازن المطلوب بين الكيانات والوحدات السياسية الجديدة في المنطقة، ويتبنى هذه النظرية معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومركز الدراسات الإستراتيجية المتقدمة في واشنطن وتل أبيب. - نظرية ما يطلق عليه البعض " حلف بغداد 2 ": مع انتقال مركز الثقل هذه المرة إلى تل أبيب بدلاً من بغداد، وتجد هذه النظرية دعامتها في رموز وزارة الخارجية الأمريكية، وتستند إلى إقامة نظام أمني إقليمي في الشرق الأوسط يتشكل من عدة دول تمثل قاعدة لنظام شرق أوسطي اقتصادي وسياسي جديد، وهو (عراق ما بعد صدام، والأردن، تركيا، وإسرائيل ) مع بقاء الباب مفتوحا لدخول دول عربية أخرى. - نظرية " مبدأ الحرية ": ومن أبرز دعاتها الباحث الأمريكي " مايكل ماكفول " وتقوم على أساسين يقضي الأول التزام الولايات المتحدة مبدأ الحرية كموجه لسياستها الخارجية، بدل مبدأ الاحتواء الذي اتبعته خلال الحرب الباردة، وترمي هذه النظرية من هذه الزاوية إلى توسيع الحريات الفردية في الشرق الأوسط فيما يخص الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحجيم القوى المعارضة للحرية سواء كانوا أفراد أو جماعات أو منظمات، أما الأساس الثاني فيقوم على دعامتي التدمير والبناء، تدمير العدو الإيديولوجي بما يحمله من ثقافة وقيم مناهضة للولايات المتحدة بحسب دعاة هذه النظرية الذين يرون أن الولايات المتحدة لن تكون في حالة حرب مع الإسلام ذاته، وإنما مع الأصولية الإسلامية، أما عملية البناء فتقوم على نشر الديمقراطية مع ما يتطلبه ذلك ما إعادة تركيب الخرائط السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وتغيير بعض الأنظمة الحاكمة فيها. وقد تعددت الاليات والرؤى الامريكية والصهيونية في سبيل تحقيق التغيير المطلوب وتعميم اهدافها على النمط التقسيمي، فمن الشرق الاوسط الجديد، الى الشرق الاوسط الكبير الى الفوضى الخلاقة، الى نظرية التفكيك واعادة البناء، أي تفكيك الكل إلى أجزاء، وإعادة تركيب تلك الأجزاء بما يتناسب مع الإستراتيجية الأمريكية ويحافظ / ويحقق مرتكزاتها في المنطقة، فكانت البداية من العراق حيث تم تفكيك الدولة وإنهاء العقد الاجتماعي للمجتمع العراقي، وضرب وحدته، وإعادة تركيبه في إطار دويلات فسيفسائية، شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط، وكردية في الشمال، وأخرى وهمية هدفها المحافظة على الأمر الواقع وبقاء حالة التجزئة، وعلى نفس النمط جرى الحديث عن تفكيك وتقسيم السعودية إلى دولتين، واحدة دينية تضم مكة والمدينة، وأخرى علمانية تتألف من الرياض وباقي مدن المملكة، وهو ما ينسحب أيضا على مصر، بإيجاد دولة في صعيدها وأخرى في سينائها إلى جانب الدولة المركزية في القاهرة، وكذلك تقسيم السودان إلى دولة في الشمال وأخرى في الجنوب، بالإضافة إلى سوريا ولبنان وليبيا. وكلها رؤى تنطلق من مبدأ تغيير البيئة الثقافية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، بما يحقق ويعمم فكرة الديمقراطية وفق المنهج الامريكي والصهيوني. وتأتي دعوات الإصلاح الداخلية وما شهدته المنطقة من ثورات شعبية متزامنة مع دعوات وضغوط خارجية للإصلاح، وهو ما يضعها في دائرة الشك والاتهام بالعمالة من جانب الفئات المسيطرة والمهيمنة على السلطة، فمع انطلاق الثورات العربية شرعت العديد من الابواق الى توزيع الاتهامات والكيل من دعوات التخوين والعمالة للخارج، فكانت النغمة المشتركة بين سياسيي ومثقفي الطبقات الحاكمة وازلام الانظمة العربية هي " المؤامرة" ووجود ايادي خارجية ومخططات ومشاريع صهيونية وامريكية وغربية وراء ما يحدث من مظاهرات واحتجاجات في المدن والعواصم العربية، وبأن هناك تطابق بين ما يحدث على أرض الواقع من انقسامات من جهة، وبين المخططات الصهيونية المبينة اعلاه. ومما لا شك فيه أن للزمان والمكان تأثيره على حركة المجتمعات وتفاعلاتها مع المحيط، وطالما أننا نتحدث عن " حركة MOVIEMENT " فإن التغيير سمة اساسية لاي حركة، بمعنى انها تخالف في سيرورتها الجمود والثبات، واذا كانت حركة التغيير العربية وثوراتها الشعبية قد جاءت متزامنة مع العديد من الدعوات الخارجية بالديمقراطية والحرية، فليس بالضرورة ان يعني ذلك ان اساس الحراك في الساحات العربية هو استجابة للدعوات الخارجية او التطابق مع اهدافها وغاياتها، فللتحركات الشعبية العربية اسبابها ومبرراتها الاعمق والاكثر الحاحا وضرورة والتي جعلت من الثورة سبيلا وحيدا للتغيير المنشود، ولا ينتقص من قيمة هذا الحراك الشعبي للتغيير في شيئ تزامنه مع دعوات امريكية واخرى اوروبية للتغيير والتحول الديمقراطي، وذلك لجملة من الاسباب اهمها: 1- ان تغيير الانظمة الحاكمة وبناء الديمقراطية هدفان متلازمان في الحالة العربية، أي إنه لا يمكن أن تقوم الديمقراطية في ظل وجود هذه الأنظمة، التي لا يمكن لها أن تستمر في إشاعة الديمقراطية الحقيقية منهجا وممارسة، فوجود النظم الديكتاتورية والتسلطية يعتبر أحد أهم الإمراض التي تعاني منها الدول العربية، وهي نظم تقوم على النزعة المركزية في إدارة شؤون الحكم، والدور المحوري للرئيس وتضخيم شخصيته، وتأكيد المؤسسات الإعلامية أقواله المأثورة وتعاليمه الفذة، وتصوير القيام بالواجب وإعطاء أبسط الحقوق على أنه منة ومن قبيل الانجاز العظيم، ليصبح وجود الحزب والبرلمان رمزي، وأداة لتكريس سلطته التي تماهت مع الدولة، حيث انتشر الرعب والخوف بين المواطنين في كل ما هو مرتبط بالسلطة وأجهزتها الأمنية، ليصبح تغير هذه الأنظمة وقبل كل شيء مطلب وحاجة داخلية، لا ينتقص من ذلك تماهيها مع الدعوات الخارجية التي حازت على بعض من التأييد الشعبي، ولا سيما في ظل عجز أدوات وآليات التغير الداخلي سواء المعارضة السلمية أو العنيفة، أو مؤسسات المجتمع المدني، أو حتى تلك التي تساهم في آليات صنع القرار ( البرلمان)، من أن تخترق جدار القمع والاضطهاد وتأتي بأي إمكانية للتغير، فمن الطبيعي والحال هذا أن لا تواجه حتى التدخلات الخارجية بأي احتجاج أو رفض شعبي، وخاصة أنها تأتي متناسقة مع الرغبات والحاجات الداخلية، مع الادراك الكامل والمسبق لدى جميع الشعوب العربية ان تلك التدخلات لا تصب في خانة المصالح الوطنية لها، فتاريخ الولايات المتحدة حافلا بالمحطات التي ساندت فيها اعتى الديكتاتوريات وأكثرها قسوة، فهي من دعم نظام صدام حسين خلال حربه مع إيران، وهي من ساهم في إجهاض العديد من حالات الديمقراطية، كما في حالتي محمد مصدق في إيران عام 1954 وسلفادور الليندي في تشيلي عام 1973، وهي من يدعم الاحتلال الاسرائيلي بالمال والعتاد لقمع وذبح الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن ممارسات تلك الأنظمة العربية وطبيعة حكمها المستبدة، وتعريتها وكشف عيوبها، شكلت السبب الرئيسي فيما تشهده البلدان العربية من انتفاضات وثورات شعبية. 2- يختلف مضمون الإصلاح السياسي ويتفاوت مداه وضروراته من مجتمع إلى آخر ومن فترة زمنية إلى أخرى داخل المجتمع نفسه، كما وتتعدد مجالاته بحيث يمكن الإشارة إلى إصلاح القيادات والثقافة السياسية، وتغيير نمط توزيع القوة السياسية وعناصرها، وتغيير السياسات، وإصلاح المؤسسات السياسية والمجتمعية، ومن ثم فإنه يمكن الحديث عن الإصلاح السياسي في مجمل الأطر الفكرية والمجتمعية المختلفة نظرا لعمومية المصطلح ومرونته، والذي يأتي في سياق التحول، والتغير، والتطور للأنظمة السياسية في المنطقة، وهي العمليات التي تلت مرحلة التحرر الوطني، ورفع شعار التنمية والتحديث السياسي في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، ثم التنظير لمفهوم التحول الديمقراطي في ثمانينياته وتسعينياته، وصولا إلى التبشير بمفهوم الإصلاح السياسي، الذي طغى على ما سواه من المفاهيم السابقة، واكتسب زخما إعلاميا في المنطقة العربية على إثر أحداث سبتمبر وما تبعها من تداعيات على أفغانستان والعراق، وقد ظل تداول جميع هذه المفاهيم يحمل إدراك وجود أزمات بنيوية وهيكلية تعاني منها الدولة والمجتمعات العربية، ويعكس محاولات لمعالجة حالات الفشل في عمليات التقدم، والتنمية، والتحديث، والدمقرطة . وانطلاقا من الظروف الداخلية، والإقليمية والعالمية المحيطة بالدعوة لعملية الإصلاح السياسي في الدول العربية، فقد أثارت هذه الدعوات العديد من القلاقل والشكوك في توقيتها، وضروراتها، ومغزاها، فالإصلاح هو تغيير من داخل النظام وبآليات نابعة من داخله، والإشكاليات التي تواجه النظم السياسية العربية في هذا الصدد تتمثل في: - حالة الجمود السياسي الطويل، الذي ساد على مدى عقود، وأدى إلى وجود شبكات من المصالح لدى الفئات المسيطرة على السلطة ومصادر القوة، ومن ثم فإن أي قدر من التغيير سوف يترتب عليه اهتزاز التوازن الذي تقوم عليه تلك الشبكات. - افتقاد الأنظمة السياسية العربية للآليات والوسائل الذاتية لعملية الإصلاح، أي تلك النابعة من داخل النظام ذاته، كما إن الإصلاح يتطلب تفعيل دور المؤسسات بما لها من صلاحيات رقابية ومحاسبية، وهو ما لا يستقيم مع واقع النظم العربية التي ترعى مؤسسات هشة وشكلية. - إن الإصلاح بما يتضمنه من المحاسبة والمسائلة الضرورية الرادعة لعقلية الفساد والإفساد، سيؤدي حتماً إلى الكشف عن الأخطاء، والتي من الطبيعي أن يتحمل المسؤولية عنها أفراد معظمهم يحتلون مواقع رسمية في السلطة، أو أشخاص متنفذين تسببوا في الأوضاع السلبية السائدة، وحيث إن القيام بالإصلاح من شأنه الكشف عن مزيد من أوجه القصور والفساد، فإنه سيؤدي إلى ازدياد حدة مقاومته، وتفريغه من محتواه، أو توجيهه إلى مسارات أخرى تنشغل بمواجهته هذه المقاومة عن القيام بالإصلاح المطلوب، وهو ما سيفضي إلى حصر مفهوم الإصلاح بالصراع، والمواجهة مع رافضيه ومقاوميه. 3- ان الفساد في جنبات تلك الانظمة قد بلغ مستوى فاق في طغيانه وقهره ظلم اي احتلال مهما بلغت وحشيته، بحيث اصبح الانعتاق والثورة ضرورة حتمية وسبيلا لا بد منه لتحقيق العدالة والوصول الى الحرية والديمقراطية، وما بات يتسرب من معلومات وحقائق حول حجم ثروات واملاك الزعماء العرب واولادهم واقاربهم وحاشيتهم، والطرق التي جمعوا فيها هذه الثروات من اتجار بقوت الشعوب واهدار لثرواتها وبيع لمكتسباتها، انما يكشف عن عمق الازمة البنيوية التي تعاني منها المجتمعات العربية بوجود بنية متكاملة من الفساد والإفساد في ظل هيمنة هذه الطغمة الحاكمة، ما يجعل من التغير ضرورة حتمية بدونها لن تستقيم الحياة في تلك المجتمعات. 4 – ان الثورات العربية اندلعت بداية في انظمة معروفة بموالاتها للولايات المتحدة وبعلاقاتها الجيدة مع اسرائيل، وهي الأنظمة التي لعبت دورا محوريا في تسكين الوعي العربي، وتدجين الإرادة العربية، وطمس معالم السيادة والرغبة في الاستقلال، بل وشكلت على مدى العقود المنصرمة حجر الزاوية في حماية أمن إسرائيل، وتكريس المشروع الصهيوني على أرض فلسطين وفضاء المنطقة العربية، والأمر عينه موصولا بتلك الانظمة التي تدعي " تمنعها " وممانعتها للسياسة الامريكية وعدائها للمشروع الصهيوني، والتي كان لها دورا لا يقل اهمية عن نظيرتها الموالية في ضمان الهدوء والأمن للكيان الاسرائيلي، ألم تشكل اتفاقية الهدنة بين اسرائيل وسوريا سابقا في القانون الدولي بأن خطوط الهدنة اكثر هدوء وأمناً من خطوط اتفاقيات السلام ؟ فلم تشهد تلك الخطوط أية حالة خرق طوال العقود الماضية من النظام في سوريا برغم الكثير من الأحداث العظام والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة التي تشهدها المنطقة العربية، أولم يعترف القذافي صراحة أن في بقاء حكمه ضمان لأمن أسرائيل واستقرارها؟، كل ذلك يجافي في حقيقته منطق أن هناك مؤامرة ومخططات صهيونية وأمريكية وراء تحركات الشعوب العربية. 5- إن ما بذلته الشعوب العربية من تضحيات، وابدته من اصرار في ساحات التغيير على رحيل حكامهم وإسقاط أنظمتهم، إنما يعكس بصورة جلية عمق الاحتقان وشدة الرغبة وعظمة اللحظة التي ادركتها الشعوب بالحرية، والحق بالتصرف بما تمتلكه من سلطة مسلوبة، وممارسة حقوقا طالما حرمت منها في مضمار القمع والديمقراطية الزائفة، فبالرغم من كل الخطوات الاصلاحية ودعوات اللحظات الاخيرة التي حاول الحكام القيام بها، والتي كانت كافية لتقنع في أقل تقدير الخارج أو من هم مدفوعين منه لو صح التعبير، الا إن تلك الاصلاحات لم تقنع الشوارع العربية التي تغذى اصرارها في رحيل الحكام وإسقاط الأنظمة من عقود من الظلم والاضطهاد والارتهان، ورغبة وحاجة داخلية وشخصية لدى كل المواطنين بالخلاص من تلك الأنظمة. 6-إن اندلاع الثورات العربية وآليات تنفيذها ومجرياتها والنتائج التي آلت اليها كانت مفاجئة للجميع، وقد مثل هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الاساس الذي بنت عليه العديد من الشعوب آمالها بتكرار التجربة، وامكانية نجاح التغيير من الداخل عبر الثورات الشعبية وحركة الجماهير، بعد أن كان ذلك في ثقافة الجماهير العربية ضرباً من المحال في ظل الدولة البوليسية، ونظمها الاستبدادية واجهزتها الامنية والاستخباراتية، بل أن الولايات المتحدة ومتلها إسرائيل قد تفاجئت بحركة الجماهير العربية، واصيبت بالإرتباك، بما لا يستقيم ومنطق أنهما وراء أو من خططا لمثل هذا الحراك. 7- إن المخططات الصهيو- أمريكية بنت دعائمها في التفتيت والتقسيم والتغيير في المنطقة على أسس طائفية وعرقية وفئوية، ولوصدقت نظرية المؤامرة هنا لكان حراك الجماهير العربية قد اعتمد على فئة أو طائفة أو ملة بعينها، ولسهل على الحكام قمعها مثلما حدث في البحرين أو ما حدث مع الحوثيين، ولكننا شاهدنا أن من انتفض وثار هي الشعوب بكل مكوناتها وبمختلف اطيافها ومللها، وكانت مطالبها بالحرية والعدالة تحت مظلة ورايات الوحدة الوطنية التي ازدانت ساحات التغير بالشعارات الداعية والمواقف الداعمة لها، وإذا كان ما حدث في بعض المدن المصرية من أحداث تحمل في طياتها بذور الفتنة الطائفية، قد جاء ليعطي المشككين بعضا من الصدقية، فإن المظاهرات التي خرجت وتحديدا في القاهرة قد اكدت بما يدع للشك أن الوحدة الوطنية تبقى أحد أهم مقدسات الشعوب وحصنها المنيع أمام المؤامرات سواء الداخلية أوالخارجية، وأن نصرة فلسطين وشعبها إبداعاً قومياً ووطنياً، وركناً اساسياً في انتفاضات الشعوب العربية. 8- إن معظم تلك الأنظمة شكل وعلى مدى العقود الماضية استثمار امريكي بالدرجة الاولى، سعت من خلالها وعبرها الولايات المتحدة الى حماية مصالحها وتكريس هيمنتها على مقدرات شعوب المنطقة وثرواتها، وما انقلابات اللحظة الاخيرة في السياسة الأمريكية الإ محاولة منها لحماية تلك المصالح وتأمين هيمنتها بعد أن اكتشفت أن بقاء مراهنتها على تلك الأنظمة عملية خاسرة. وبالتالي إن الاستهداف الخارجي والاطماع الأمريكية والصهيونية في منطقتنا وما يحاك لها من مخططات في سراديب واروقة التآمر الخارجي إنما هي حقائق مؤكدة لا يمكن انكارها، ولكن الشيئ المؤكد أيضا أنه ليس من بين تلك المخططات ما يفضي بالحرية والعدالة للشعوب العربية، وهو ما تنشده تلك الشعوب الثائرة من انتفاضها، والذي أصبح حتميا وضروريا بفعل العديد من الحقائق أهمها: • حقائق السياسة: حيث عدم المشاركة والشراكة السياسية، واحتكار السلطة وتوريثها، وعدم التداول السلمي لها، وتهميش الاخر واقصاءه، وحكم الحزب الواحد، وعدم السماح بالتعددية السياسية، وحنق الحريات ومصادرة الاراء، وخضوع الكل للفرد الزعيم والقائد، والارتهان والخنوع للخارج، وضياع السيادة والاستقلال الوطني والقومي. • حقائق الاقتصاد والاجتماع: فشل التنمية وقصورها، عدم العدالة الاجتماعية، تمايز طبقي، فقر، جوع، أمية، بطالة، جهل وتخلف، نهب للمال العام، كسب غير مشروع، رشوة، فساد، انحلال اخلاقي واجتماعي، محسوبية، محاباه، واسطة....الخ . • حقائق الجغرافيا: مركزية، تنمية غير متوازنة، اهمال، حرمان، استعلاء، انقسامات طائفية وفئوية ومناطقية واقليمية. • حقائق امنية: قمع، اضطهاد، اعتقال، تصفية جسدية، اغتيال معنوي، تعذيب، كل مواطن متهم حتى يثبت غير ذلك، تعتيم اعلامي، كم للافواه، خوف، ارهاب...الخ. • حقائق التاريخ: كذب، تسويف، مراوغة، ضياع للحقوق، متاجرة بالقضايا الوطنية والقومية وعلى راسها القضية الفلسطينية. فإذا كانت كل تلك الحقائق لا تصح كمبرر للثورة، أو إن الثورة في ظلها مدانة بالتآمر وبالمخططات الخارجية، فما هي مبررات الثورات الحقيقية ؟ وهل الحالة الثورية التي جاء من خلالها حكامنا ومارسوا في كنفها اسوء أنواع الاضطهاد والاستبداد بمنأى عن مثل هذه الإدانات ؟. إن طرح المؤامرة الخارجية هو امتداد لعقلية احتقار الشعوب والانتقاص من قدرها، واستمرار لنهج العنجهية والمزايدة الوطنية غاية الفاسدين ومقصد المفسدين، فإذا كانت الثورات العربية التي اندلعت تأتي بحسب ما يرى البعض في إطار مخططات واستراتيجيات خارجية، فإن سنوات وعقود القمع والاضطهاد والتخلف وامتهان الكرامات هي من شكل الاساس الموضوعي والتربة الخصبة الصالحة لنمو مثل تلك المخططات والتي تقع المسؤولية الأولى والاخيرة فيها على الحكام العرب وحاشياتهم. د. رؤوف ابو عابد القاهرة / 25/4/2011م

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل