المحتوى الرئيسى

"العفو" شعار الثورة المضادة!بقلم:جواد البشيتي

05/19 20:09

"العفو" شعار الثورة المضادة! جواد البشيتي الدولة "الجديدة"، أو "الدولة"؛ لأنْ لا وجود لها من قَبْل، في البلاد العربية التي قامت شعوبها من بين الأموات، هي الآن تعريفاً، أو في بعضٍ من تعريفها، "المحكمة" و"المحاكمة"؛ فإنَّ الحكَّام المستبدِّين الفاسدين السَّارقين (مبارك وزين العابدين وصالح والقذافي..) يجب أنْ يساقوا إلى المحكمة، وأنْ يحاكموا، فنَنْتَصِر، من خلال "العقوبة" و"العقاب"، لدولة القانون، ولمبدأ "الفصل بين السلطات"، وللعدالة، ولسلطة القضاء، وللضحايا وهُم كُثْر. وإنَّها لمعركة من أجل إظهار "الإيمان" على "الكفر"؛ فإذا كان "الإيمان"، في بعضٍ من معناه، هو أنْ تَصْفَح عَمَّن يَغْفِر (أو قد يَغْفِر) له الله (ذنوبه وخطاياه) فإنَّ "الكفر" هو أنْ تَصْفَح عن مبارك (وأمثاله) أو تدعو إلى الصَّفْح عنه؛ لأنَّ الله العادل، وعلى سِعَة رحمته أيضاً، لن يَغْفِر له؛ ولقد قال "الغفور الحليم الرحيم": "سَواءٌ عَلَيْهِمُ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ". وأكاد أنْ أقول إنَّ هذه الآية قد نزلت في مبارك وزين العابدين وصالح والقذافي، أي في السابقين من "الساقطين"، وفي اللاحقين. أعْلَمُ أنَّ "الإذلال" قد يأتي من طريق "الصَّفح"، وأنَّ "العفو عند المقدرة"، وأنَّ "الرَّحمة" يستحقها "عزيز قوم ذل"؛ لكنَّ شعوب مصر وتونس واليمن وليبيا لن تذل مبارك وزين العابدين وصالح والقذافي بالصَّفح عنهم، وتريد لهم "العقوبة" التي يستحقِّون، وتريد لهذه "العقوبة" أنْ تكون "رادعة"، فإنَّ العقوبة التي لا تردع تضرُّ ولا تَنْفَع؛ أمَّا شعوبنا العربية التي لم تَقُمْ بَعْد من بين الأموات فتريد لهؤلاء أنْ يُعاقَبوا بما يجعلهم عبرة لمن يعتبر. وإنَّ كل مسعى للعفو عن هؤلاء المجرمين اللصوص القَتَلة الفاسدين المفسدين لهو دليل، وخير دليل، على الثورة المضادة وقواها، فهذا المسعى يدلُّ عليها كما تدل الثمرة على شجرتها. حتى البيان، الذي فيه برأوا ساحة زوجة الرئيس المخلوع (مبارك) والذي لو كانت زوجته سوزان من غير معدنه لجعلته الزوج المخلوع أيضاً، كان جريمة ارْتكبوها في حقِّ الشعب المصري؛ فكيف تجرَّأوا على أنْ يقولوا في بيانهم إنَّ سوزان "تنازلت" عن "ثروتها"، فعَفَوْنا عنها وصَفَحْنا؟! وكأنَّهم يَخْطبون في قوم من الأغبياء؛ وإلاَّ ما معنى أنْ يقولوا إنَّ هذا "الَّلص" قد سرق مال غيره، فأُلْقي القبض عليه، ثمَّ أُخْلي سبيله؛ لأنَّه "تنازل (للدولة)" عن "ثروته (المعلومة)"؟! إنَّ المرء لا "يتنازل" إلاَّ عمَّا يملك، وعمَّا يملك شرعاً؛ فهل تملك سوزان شرعاً هذه الثروة حتى "تتنازل" عنها؟! لقد كان عليهم، ومن غير أنْ يصفحوا عنها، ويُخْلوا سبيلها، أنْ يقولوا في بيانهم إنَّ الأموال (أموال الشعب) التي اغتصبتها وسرقتها سوزان (بمعونة زوجها وولديها ومرؤوسيهم في "المافيا") قد اسْتُرِدَّت منها، وأعيدت إلى مالكها الشرعي وهو الشعب (عبر الدولة). في سجون جديدة جيِّدة يجب أنْ يُلقوا جميعاً، وأنْ يوضَّح لهم ولضحاياهم أنَّها سجون لا تضم، ولن تضم أبداً، "سجناء الرأي"؛ فهؤلاء (الذين، في خواصِّهم الذهنية والفكرية، وفي ما يستبد بهم من ميول، ليسوا من ذوي الرأي) إنَّما سُجِنوا لارتكابهم جرائم في حقِّ الشعب. وإلى المحكمة يجب أنْ يساقوا جميعاً؛ فإنَّ عهد "البقرات المقدَّسة" قد ولَّى إلى غير رجعة؛ ولعلَّ "العقوبة العادلة" التي ينالونها تفيد في خَلْق حاكم عربي جديد على مثال القيم والمبادئ الأخلاقية للثورة التي أطاحت الحاكم القديم؛ فالحكم قيادة، وتكليف لا تشريف، وزُهْدٌ عن متاع الغرور، وجهاد يومي في سبيل كبح جماح النفس الأمَّارة بالسوء، ومنصبٌ لا يشغله إلاَّ الثري فكراً، ويغني شاغله عن المال، ويكف عن كونه طريقاً إلى الثراء الفاحش من طريق سرقة ونهب المال العام، ليغدو طريقاً إلى إفقار صاحبه إنْ تولاَّه غنياً، لا طريقاً إلى إغنائه إنْ تولاَّه فقيراً. مبارك الذي حَكَم وتحكَّم، فأفقر شعبه، وأراق دماءه، وأزهق أرواحه، وأفسد النظام الجمهوري، وحوَّل "الدولة" إلى "مافيا"، يجب أنْ يُحاكَم، وأنْ يُسْتَجْوَب بأسلوب سقراط حتى تَظْهَر كل الحقائق التي ما زالت فيه كامنة، وحتى يتأكَّد ويتَّضح لشعبه ولسائر الشعوب العربية أنَّ "المافيا المصرية" هي جزء لا يتجزَّأ من "مافيا عربية" تسعى الآن، وبكل ما أُوتيت من قوَّة ونفوذ، من أجل تجنيبه، وتجنبيها، شرَّ النُّطق بالحقيقة، ومن أجل أنْ يُغْفَر له ما لا يغفره رب العالمين من الذنوب. وإنَّ على المحكمة وسقراطها أنْ يهيِّئوا له من عدالة المحاكمة ما يجعله يقول في قرارة نفسه: أنتَ إنْ نَطَقْتَ مُتَّ، وإنْ سكتَّ مُتَّ، فَقُلْ ما عندك ومُتْ.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل