المحتوى الرئيسى

ما الذى يجرى فى مصر المحروسة؟

05/19 08:25

«مبارك يطلب العفو». كان هذا هو العنوان الذى اختارته صحيفة «الشروق» ليكون مانشيتا رئيسيا على مساحة الصفحة الأولى بأكملها من عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضى 17 مايو. ولأن «الخبر»، الذى نشر منسوبا إلى مصادر عسكرية قالت الصحيفة إنها اشترطت عدم الإفصاع عن هويتها، أثار دوياً هائلاً لاتزال أصداؤه تتردد حتى الآن، وأفصح عن رفض شعبى عارم لمثل هذا التوجه، فقد سارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار بيان رسمى يؤكد فيه عدم صحة ما نشر، وينفى عن نفسه توافر أى نية لديه لإصدار عفو عن الرئيس وأسرته مقابل اعتذاره عما ارتكبه من أخطاء، وإعادة الأموال التى حصل عليها بطريقة غير مشروعة. غير أن هذا البيان لم يكن كافيا لطمأنة الناس وتبديد حالة من البلبلة والشك وعدم اليقين بدأت تخيم الآن بوضوح على البلاد، خصوصا أن ما أثير حول موضوع العفو عن الرئيس المخلوع تزامن مع قرارات صدرت بالإفراج عن بعض رموز النظام بعد دفع كفالة مالية، خاصة فتحى سرور، وزكريا عزمى، وإخلاء سبيل السيدة سوزان ثابت بعد تنازلها عن أموال مملوكة لها فى البنوك المصرية بلغت 24 مليون جنيه. إذ توحى هذه التصرفات بأن رائحة كريهة بدأت تفوح من المكان كله، وأن صفقة مشبوهة للضحك على ذقون المصريين تُبرَم الآن بين نظام قديم سقط رأسه وبين نظام جديد مازال يعمل من خلال جسد النظام القديم والذى لاتزال جذوره تضرب عميقا فى مؤسسات الدولة. المشكلة أن الذين يحيكون تلك المؤمرات لم يتعلموا الدرس ولم يدركوا بعد أن الشعب الذى فجر ثورة عظيمة على هذا النحو لن يسمح مطلقا لكائن من كان بسرقة ثورته أو العمل على الالتفاف عليها ومنعها من تحقيق أهدافها. من الواضح أن البعض يراهن الآن على دغدغة مشاعر البسطاء من الناس، أحيانا تحت شعار المطالبة باحترام شيخوخة رجل تجاوز الثمانين من عمره ويريد أن يفدى نفسه بأولاده، وأحيانا أخرى تحت شعار عدم إهانة تاريخ رجل ينتمى للعسكرية المصرية وقاتل فى صفوف جيشها. فشعب مصر يدرك تماما أن تلك مجرد كلمات حق يراد بها الباطل بعينه. فعندما ترتكب جريمة الخيانة العظمى من رجل ينتمى لشرف الجندية المصرية تصبح مسؤوليته أكبر وعقوبته أشد، وليس العكس، وعندما ترتكب جريمة السرقة والاستيلاء على المال العام دون وجه حق، والعمل على نقل السلطة لابنه من بعده من رجل لا يراعى شيخوخته ويدرك متى ينسحب فى الوقت المناسب، تصبح مسؤوليته عن الضرر الذى تسبب فيه عناده أكبر وأدعى للمساءلة. فمتى يدرك كل الذين يحيكون المؤامرات ضد الثورة المصرية أن العفو عن جريمة لا يمكن أن يكون مطروحا أصلا إلا بعد ثبوتها، وأن الإدانة بارتكاب جريمة لا تصدر إلا بعد إجراء المحاكمة، وأن إجراء المحاكمة لا يتنقص من قيمة أحد أو من شرفه، بل بالعكس تعد المحاكمة العادلة مطلبا لكل متهم يرغب فى إثبات براءته. ولأن مخاوفنا تزداد وثقتنا تتضاءل فى كل الذين يكثرون من الحديث الآن حول مخاطر عدم الاستقرار وانعدام الأمن، وكأن الثورة هى المسؤولة عن كليهما، نطالب بمحاكمة عادلة، ولكن خاصة وسريعة، لكل رموز.  فكلما أسرعنا حقا بتلبية مطالب الثورة فى اقتلاع جذور النظام الذى سقط وبناء نظام جديد يحق المشاركة والعدالة للجميع، اقتربنا من تحقيق الاستقرار والأمان لهذا البلد الطيب. أما المماطلة والتسويف فلن يؤديا إلا اقترابنا جميعا من حافة الهاوية. وإذا لم ننجح فى إجراء محاكمة عادلة وسريعة لكل رموز النظام الذى أوصل مصر إلى هذه الحالة فلن ننجح أبدا فى بناء نظام جديد يليق بمصر وشعبها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل