المحتوى الرئيسى

من جنون البقر إلى جنون العقل بقلم : خديجة بن طوطاح

05/18 22:13

بقلم : خديجة بن طوطاح / إعلامية جزائرية قد تحق لك التجربة، و قد تحق لك المغامرة ، لكن العقل يبقى سيد المواقف و الفصل الحكم ، ألم نكن بالأمس القريب نسمع بجنون البقر، فصرنا اليوم نتحدث عن جنون العقل ، كيف لهذا الوقت الحساس أن يضرب بموسيقاه على أوتار الشجرة القوية ، ذات الأصل الطيب ، نعم نحن نتكلم عن شيم الكبار و صفات العظماء. هي الأخلاق التي صارت في الحضيض الأسفل و معها القيم السامية التي ولُت مع زمن سماه الأولون و سميناه بعدهم بـ " زمان الغفلة " ، و أي غفلة هته ،لا والله ، الأحرى أن نقول زمن المروءة و الشهامة و الغيرة على الوطن و الذود عن شرفه ، و بالمقابل نجد اليوم بوادر آفة تنخر كل يوم جسد مجتمعنا ، تلوح بيدها من بعيد مطمئنة باستقرار الوضع و سكونه لكن هيهات ،هو السكون الذي يسبق العاصفة لتتحول لإعصار مؤشراته مؤشرات كارثة حقيقة عنوانها أزمة الإغتراب الثقافي . نعم ألفنا الحديث عن أزمة الخبز و السكر و الحليب و تناسينا أو بالأحرى أهملنا الحديث عن زاد العقول و السبيل لملئ البطون ، ما قد يرى فيه الكثيرون مضيعة للوقت ، الثقافة فمن هو الذي قد يناقشك في عنوان آخر كتاب قرأه ، أو من هو الذي قد يجيبك عن أهم إنجازات العلماء العرب ، ضحك و استهزاء و سخرية هي ما يقابل سؤالك هذا ، ليكون مصطلح الثقافة لصيقا باللامبالاة لدى الكثيرين ، غير أن المتعمق لراهن مجتمعنا ووضعية شبابنا ، يجد أن هوة الأزمة الحقيقة تتسع كل يوم بانسلاخ الشباب عن قيم أجداده و آباءه ،عن قيم مجتمعه و مبادئه ، عن لغته الأم ، لغة الضاد و لسان العقل و الحكمة لكن من السامع و من المتحدث ؟؟؟؟ حتى الإدارات تفرنست و أضحى المتحكم بلغة موليير ، أول المحظوظين بالتحصل على أسمى الوظائف و كأنما اللغة العربية فيروس خبيث على الجميع اجتنابه ، بالرغم من أن أغلب الأبحاث و التقارير العلمية تؤكد أن الدولة لا يمكن تطويرها إلا بجهود أبنائها و لغتهم الأصلية ، فنلمح عديد كليات الطب في العالم تدرس أبنائها بلغتهم عكس ما هو عليه حال مجتمعنا نحن . و بالرجوع لقول أبي حيان التوحيدي نجد أن الغربة ليست غربة الفرد خارج وطنه ، فقد يشعر بها حتى و هو بين أهله و أصحابه متنازلا بذلك عن حقه في نقد ثقافة مجتمعه و تطويرها و بالتالي يحاول بصورة لا إرادية إراحة ذاته و إرضاء مجتمعه ،غير أنه بهذا يقع فريسة التقليد الأعمى بكل ما يحويه من سلبيات، و هنا فقط يمكننا إدراك معاني قوله عليه الصلاة و السلام " لا يكون أحدكم إمعة" ، فما بالنا كدولة عربية إسلامية بين يدينا أفضل الكتب و أنجعها على الإطلاق ، لا نعمل بما جاء فيه و لا بأحاديث النبي الكريم التي تصلح لكل زمان و مكان ، ظاهرة الاغتراب الثقافي وجدت منذ أزمان عديدة و ناقشها الكثير من الفلاسفة و المفكرين و المنظرين على غرار هيجل و كارل ماركس و نيتشه ، أين أصبحت هذه القضية محور اهتماماتهم و انشغالاتهم ، غير أن مفهومهم لها اختلف ، لكنه لم يفسد الود في القضية ليفسحوا بهذا المجال لنظرائهم من أجيال لاحقة تنظر و تتمعن في أسباب و نتائج هذا الإغتراب . فقولنا نحن نفتخر بكوننا عرب يقودنا لجوهر الحديث عن الثقافة العربية التي بدورها تأخذنا لمتاهة اللغز فيها هل العرب وطن أم عالم؟؟؟ نعم هل هو وطن أم عالم ، هل كونك عربيا معناه أن تحمل الجنسية العربية فقط بغض النظر عن الانتماء و الثقافة ، فما آل إليه حال مجتمعاتنا العربية اليوم ، ما هو إلا انعكاس لهذا السؤال البسيط الذي صح فيه التشبيه بقصة جحا الذي التهمت ألسنة النيران حيه فقال ، فلتبعد عن داري فلما وصلت ألسنة النيران بيته ، قال فلتبعد عن رأسي فكان الناتج واقعا مريرا الجميع يتهرب منه ، و الأدهى و الأمر أن تكون الإجابة بحثا عن حلول لأزمات عيش لا أزمات ثقافة رغم أنها عماد الفكر و غذاء العقول، فلا تطور و تقدم بلا ثقافة ، دورها التسطير لتفكير منطقي ممنهج يصل للحلول الناجعة مهما كانت المشاكل . ليكون بهذا الإغتراب الثقافي أكبر جنون قد يصاب به المرء ، في عصر أقل ما يقال عنه عصر الفوضى و البعثرة و الشتات ، ليبقى الحل في ثورات فكرية قد تقدس العقل الذي من شأنه استيعاب مشاريع نهضوية ، تصل بدورها لطموح الشباب و رغباته التي لا يدركها إلا من علم بها و خبرها و أحاط بكل جوابنها ، ليكون للأسرة السلطة الأولى في توجيه أبنائها و تلقينهم حب ثقافتهم و التمسك بهويتهم لأنُ التعلُم من الصغر كالنقش على الحجر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل