المحتوى الرئيسى

هاني عياد : متاهات مجلس الجنرالات

05/18 14:18

لم أعد أعرف من الذى يحكم مصر الآن ومن الذى يديرها، تماما مثلما لا أعرف الفارق بين الإدارة والحكم، فالإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لم يحدد لنا الفارق بينهما، ولم يقل لنا إذا كانت الإدارة هى مسئولية المجلس فالحكم مسئولية من؟يأخذنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة من متاهة إلى أخرى.يبدأ المجلس عصره بمتاهة الإعلان الدستورى الذى كان يفترض أن يصدر يوم 13 مارس مع قرار حل مجلس الشعب والشورى، إذ به يخترع شيئا اسمه تعطيل الدستور، ثم يدخلنا فى متاهة تعديل دستور معطل واستفتاء على تعديل، ليصل بنا بعد 45 يوما إلى محطة الإعلان الدستورى.ثم يدخلنا فى متاهة الإدارة لا الحكم، فتضيع المسئوليات، ولا يعود أحد يعرف من الذى يحكم هذا البلد، ومن الذى دعا الجيش لاقتحام جامعة القاهرة ومن الذى فض بالقوة اعتصام التحرير، ومن الذى ترك الحبل على الغارب للسلفيين كي يعيثوا فسادا فى البلد من العباسية وحتى قنا، ومن الذى أصدر الأحكام العسكرية على شباب الثورة، ومن الذى أعاد تشكيل لجنة تعديل الدستور وخص الإخوان وحدهم بميز عضويتها.يكتفى المجلس الأعلى بالتحذير من فلول النظام البائد، بينما النظام لم يعد (بائدا) بعد، فلم تزل قواعده راسخة فى أماكنها، والذى يدير ليس مسئولا عن ذلك، ثم يؤكد أن الوحدة الوطنية خط أحمر، وأنه سيضرب بيد من حديد على من يهددها، وكأن أحدا لم يقل لجنرالات المجلس إن الخط الأحمر قد جرى تجاوزه منذ أحداث أطفيح، وهدم كنيسة صول، عندما اكتفت يده الحديدية بإعادة بناء الكنيسة دون ملاحقة من تجاوزوا الخط الأحمر وهددوا الوحدة الوطنية.تحذيرات المجلس الأعلى من تجاوز الخط الأحمر تستعيد إلى ذاكرة الشعب تحذيرات مشابهة لم يكل الرئيس المخلوع من إطلاقها فى وجه من يمس محدودى الدخل، بينما أركان نظامه يمتصون كل يوم وكل ساعة عرق ودم محدودى الدخل الذين أصبحوا، ورغم تحذيرات الرئيس المخلوع المستمرة، معدومى الدخل، ربما الفارق أن الرئيس المخلوع كان يحكم بينما مجلس الجنرالات يدير فقط.ينقل الجنرالات الثورة من ميدان التحرير إلى طريق النصر، أمام ضريح الجندى المجهول والرئيس المقتول، فتتحول من ثورة ضد الفساد ومن أجل حياة كريمة إلى «ثورة» رد الجميل ثم مبايعة الجنرالات للحكم. فيدخلنا فى متاهة أخرى، ولا تعود تعرف ما إذا كان الشعب قد ثار لخلع مبارك وتنصيب المشير بدلا منه؟ أم أن الثورة نادت بدولة مدنية تنهى حكم القائد الملهم، وتختفى منها المبايعات ليحل صندوق الانتخاب محلها. ولا يستطيع أحد أن يلومك لو ربطت بين انتشار الفوضى التى حذر منها الرئيس المخلوع قبل خلعه وبين الدعوة لحكم مجلس الجنرالات وبينهما خط ممتد من الفوضى التى يتفرج عليها الجنرالات دون أى إجراء حاسم، ربما لأنهم يديرون البلاد ولا يحكمونها.يدهشك أن المجلس الأعلى لا يتدخل فى عمل القضاء، ولا يقترب من رموز الثورة المضادة الباقين فى مواقعهم السيادية فى الدولة، لكنه ينتفض لقمع الثورة فى ميدان التحرير، ويتدخل لحماية أحد أركان نظام الرئيس المخلوع فى كلية الإعلام، ويشاهد بأم عينيه توزيع رجال المخلوع على المحافظات، ثم يطلع علينا أحد أعمدة المجلس يحذرنا من فلول النظام البائد!!ينصب المجلس للشعب فخ الإدارة والحكم، فلا تعود تعرف من المسئول عن تقارير طبية تثبت إصابة سوزان مبارك بأزمة قلبية مفاجئة بعد صدور قرار حبسها 15 يوم على ذمة التحقيق (وهذا وارد، إصابة مفاجئة بمرض فى القلب) ثم سرعان ما تجدها فى صحة جيدة قادرة على مغادرة غرفة العناية المركزة لتزور زوجها (المحبوس) أيضا!! هل يمكن لمريض القلب أن يشفى من مرضه فجأة؟ ومن المسئول عن الكذب على الشعب؟. متاهة الحكم والإدارة تجعلك عاجزا عن تحديد المسئول، خاصة وأنت تسمع عن «جمعة رد الجميل» ثم «جمعة مطالبة الجنرالات بحكم مصر».لا تعرف من المسئول عن استعادة ذاكرة جمعة الغضب (28 يناير) أمام سفارة العدو الصهيونى يوم السبت 14 مايو؟ الجنرالات يديرون، لكن من يحكم؟؟ وألا يتذكر صاحب قرار تفريق المعتصمين أمام سفارة العدو بالقوة أن الشعب قد هزم قوات القمع يوم 28 يناير؟ وأن دماء الشهداء كانت وقودا ألهم الثوار وأشعل الثورة؟ فعلها العادلى تحت سمع وبصر الرئيس المخلوع، فمن ذا الذى يفعلها ثانية تحت سمع وبصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ وألم يستوعب (الفاعل والسامع) درس الثورة الأهم على الإطلاق، وهو أن الشعب أقوى من جلاديه؟ وأن الذى خلع الطاغية قادر على خلع كل الطغاة أيا كانت أسماؤهم وصفاتهم؟متاهات المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد تثير الحيرة بعض الوقت، لكنها سرعان ما سوف تسقط (إن لم تكن قد سقطت بالفعل)، وتتضح الصورة الحقيقة لما يدبر لمصر بليل. فقط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتذكر أنه لم يعد قادرا على تكرار عبارة «رصيدنا لديكم يسمح»، وأن الإصرار على إعادة إنتاج ما قبل 25 يناير، سوف يواجه بإعادة إنتاج الثورة مرة أخرى، وأن الشعب دائما هو الأقوى.عندى سؤال أخير للسادة جنرالات المجلس الذى يدير ولا يحكم: إذا كان عمرو البحيرى الصادر بحقه حكم عسكرى بالسجن خمس سنوات من الثورة المضادة، فماذا عن الجنرال سيد مشعل؟مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل