المحتوى الرئيسى

بيولوجيا الدولة الدينية

05/18 08:13

قد يبدو العنوان غريباً، ولكن فى بداية دراستى للدكتوراه تخصصت فى فرع جديد فى العلوم السياسية اسمه «البيولوجيا والسياسة»، وهو علم يدرس سلوك الإنسان بنفس الطريقة التى نتابع بها سلوك أى حيوان أو كائن بيولوجى آخر. وهذا علم متكامل ومثير، لم يصل لمنطقتنا بعد، ومن هذا المنظور سأحاول إلقاء بعض الضوء على ما يحدث فى مصر. بداية، الدولة الدينية التى يبدو أن المجلس العسكرى فى مصر ووزارة عصام شرف سيكونان بمثابة القابلة أو الداية لولادتها، لها ارتباط وثيق بالبيولوجيا وليس بالتدين بمعناه الواسع للأخلاق العامة. المجلس وشرف ليسا وحدهما مسؤولين عن ميلاد الدولة الدينية فى مصر، فالدولة الدينية بصيغتها الحالية كانت حملاً فى شهوره الأخيرة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، والأساس فى هذا ليس أيديولوجيا مبارك وحدها، وإنما بيولوجيته. الأيديولوجية فى حكم مبارك، التى جعلته يستمر كل هذه السنين، هى أيديولوجية تقسيم العمل، فقسم البلد نصفين (الشارع للإخوان والحكم لأهل الفساد)، ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذى أوصلنا إلى معركة إمبابة بطائفيتها القبيحة. كان للبيولوجيا دور أساسى، بيولوجيا مبارك من حيث كونه رجلاً مسناً، وبيولوجيا الإسلاميين من جيل الشباب، والتى تحدثنا كل يوم عن خرافات وأوهام تدور كلها حول إيحاءات جنسية تتعلق بهرب سيدات مسيحيات من أزواجهن- مثل كاميليا وغادة- اعتنقن الإسلام وهربن مع فحل مسلم. هم لا يقولون ذلك صراحة، ولكن النص المصاحب لمسرحية هروب السيدة المسيحية، نص موجود فى كل الأحاديث الدائرة فى مصر، الراقى منها والسوقى على حد سواء. وما يحدث فى مصر ليس بالسلوك الغريب عن الفحولة الجنسية كبديل عن السياسة، ففى أمريكا مثلاً كان الأمر معكوساً، فهناك خرافات عن القدرات الجنسية للرجل الأسود المضطهد، لذا تهرب الشقراوات مع الرجال السود، لأن الرجل الأبيض غير قادر جنسياً. هذا النوع من الاستخدام السياسى للجنس بالصورة القبيحة التى نراها فى مصر، ولكن بغطاء دينى، هو أمر عنصرى وطائفى فى المقام الأول. هذه العنصرية ربما هى ما يعنيه المصريون عندما يتحدثون عن «عنصرى الأمة». بالطبع فى مصر كثير ممن قد تفوتهم التورية والسخرية فى السطر الفائت، فيأخذون الأمور بمعناها الحرفى. المهم، أن ما حدث فى مصر هو تسييس للجنس والغرائز البدائية، وهو أمر بيولوجى وليس دينياً فى المقام الأول. عود على بيولوجيا الحكم فى عهد مبارك، وما بعده، أقول إن مبارك قبل أن يغادر الكرسى كان عمره فوق الثمانين، أى العمر الذى يبدأ فيه الإنسان رؤية النفق المؤدى إلى العالم الآخر فينشغل عن الدنيا بالقبر والتسبيح والصلاة، وكان ذلك واضحاً فى شخصية مبارك وحالة الاكتئاب التى أصابته يوم وفاة حفيده. والقصة من منظور بيولوجى لم تكن الحفيد بقدر ما هى قصة اقتراب نهاية الجد، أى مبارك نفسه. ولم يكن مبارك وحده هو الذى تسيطر عليه أيديولوجية دنو الموت وعذاب القبر، فقد كان كل من حول مبارك فى العمر ذاته، فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، وزكريا عزمى، رئيس ديوان الرئاسة، وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، ومفيد شهاب، وعمر سليمان، إلى آخر قائمة الأجداد التى كانت تحكم مصر. ومن هنا كانت البيولوجيا هى الدافع الرئيس للتدين المبالغ فيه فى نظام مبارك. فقد كانت علامة السجود على جبهة ضابط أمن الدولة أكبر من تلك التى على جبهة رجل الإخوان الذى يطارده ضابط أمن الدولة. أما موضوع التوريث فكان بيولوجياً وليس سياسياً أيضا. فذهنية البيولوجيا السياسية هى التى تجعل الرئيس ينظر إلى الوطن وكأنه بيته وجزء من ميراثه الشخصى. وهذا ما يؤدى إلى النظر إلى الدولة كمجرد تركة توزع على من سيرثونهم، وما حديث التوريث وشيوعه فى آخر أيام مبارك سوى جزء منطقى من فلسفة فراق الحياة عند عوام المصريين، ولم يكن مبارك مختلفاً عن بقية المصريين فى تفكيرهم فيما سيتركون لأبنائهم، بمعنى الميراث لا بمعنى المواطنة فى دولة، كل من حول مبارك كانوا فى الثمانينيات وكانوا فى ذات اللحظة البيولوجية التى يحكمها الموت والفناء، لذا كان الدين ومفهوم التوبة مكوناً أساسياً فى حياتهم، ومن هنا كانت رعايتهم للتيار الدينى أمراً طبيعياً. من يحكمون مصر الآن هم من ذات الفئة العمرية ممن يفكرون فى الموت وعذاب القبر والحساب والعقاب، وربما يلهيه الآن حساب الدنيا على حساب الآخرة، لكن النقطة الأساسية هى أن الإنسان بطبعه كائن دينى، لذا لم أستغرب استعانة من هم فى الحكم الآن بالإخوان المسلمين وبالسلفيين كشركاء لهم فى الحكم، إنها البيولوجيا، وليس التدين أو بناء الدولة. بيولوجيا الحكم فى مصر اليوم لها مساران: عنصرية وتطرف جنسى لا دينى عند الإسلاميين الشباب (الفحول) الذين تهرب إليهم بنات الديانات الأخرى، والجزء الثانى البيولوجيا المتعلقة بالفئة العمرية لمن يتولون زمام الأمور فى البلاد وقد أصابهم الوهن الجنسى فتركوا الأمل فى الدنيا ومسؤولياتهم فى إدارة البلاد وسلموا أمرهم، حرفياً، لله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل