المحتوى الرئيسى

محمود حسنين يكتب: مصر التى فى خاطرى

05/16 23:30

إن مصر هى شغلى الشاغل طوال حياتى، أفكر فيها صباح مساء أنام على صورتها فى الليل وأستيقظ عليها فى الصباح، مع كل صباح لابد أن أقول لها مبتسما صباح الخير يا أمى، أحيانا أجدها فرحة ومبتهجة تزهو بخيلائها كعروس يوم زفافها وتكاد ترقص فرحا وهى تختال بحدائقها وبساتينها ومياهها وعصافيرها وبلابلها تغنى نشيدا فى حب مصر تبدأه بصوت عال قائلة "أنا أم الدنيا" وتقول اسألوا أحمس مخترع العجلات الحربية ومينا موحد القطرين وإخناتون الذى فطن قبل سبعة آلاف سنة أنه لا يمكن إلا أن يكون هناك إله واحد لهذا الكون، وانظروا كم تخبط العلماء وكم فكر الفلاسفة على مدار قرون بعد ذلك فى هذه النظرية إلى أن نزل الوحى من السماء ليؤكد ما أقره أولادى منذ القدم، إذ ليس غريبا أن يأتى موسى عليه السلام ليناجى ربه من فوق ترابى، وأن تلجأ العذراء إلى أحضانى الدافئة كى أحميها ووليدها الذى كلم الناس فى مهده من بطش الجهلاء، ليس غريبا أن يوصى بى خيرا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وتابعيه قبل أن يضىء الإسلام ترابى ويستقر فى أحضانى بعقود، يوصيهم أن يتخذوا من أولادى جندا لأنهم خير أجناد الأرض لأنهم سيظلون فى رباط إلى يوم القيامة ومع هذا تمر بى عقود ثلاث عجاف لم يمر بى مثلها فى تاريخى، أجد قلة من أبنائى يرقدون فى أحضان أعدائى، ينفذون أوامرهم كما ينفذ الجندى أوامر قائده، يسلبون أموال الضعفاء من أبنائى ليكنزوها فى بنوك الأعداء ليأكلوا وأبنائهم ثمارها ويحرم منها أبنائى، وهم يكتفون بمشاهدة هؤلاء الأعداء ينعمون فى خيراتى ولا يكتفون بذلك بل يقهرون فلذات أكبادى، ويعذبونهم بشتى وسائل التعذيب وينكلون بهم ويكبتون حريتهم وهم مغلوبون على أمرهم، تركوا إخوتى ينقسمون ويتشرذمون بل وحاصروهم ومنعوا عنهم الغذاء والدواء لينالوا رضا الأعداء، كما تركوا جذورى التى تمنحنى الحياة تعانى من الانقسام والجهل والجوع والمرض والظلام والحروب الأهلية لم يسألوا فيهم ولم ينظروا إليهم بل وتغطرسوا عليهم وحاربوهم فى أرزاقهم حتى كادت جذورى أن تمنع الماء عنى وتسلبنى حق الحياة لأنهم رأوا أننى لم أعد أستحق الحياة بسبب أفعال تلك القلة الفاسدة التى ضلت الطريق. غضبت منهم، صرخت فيهم ماذا تفعلون بأولادى؟ أنسيتم من أنتم؟ أجهلتم من آباؤكم وأجدادكم؟ ألم يكن آباؤكم هم من بنوا السد العالى رغم أنف هؤلاء الأعداء؟ ألم يحفر أجدادكم قناة السويس بسواعدهم ودمائهم وليس بآلاتهم الحديثة؟ أليس أجدادكم من بنوا الأهرامات؟ ألم يكتشفوا من العلم قبل آلاف السنين ما لم يستطع أن يصل إليه هؤلاء بحضارتهم الحديثة؟ ثم ألم تعبروا أنتم قناة السويس وتدمروا خط بارليف الحصين وتحطموا أسطورة جيش الأعداء الذى لا يقهر؟ صرخت وصرخت وصرخت، ولكن تلك القلة الفاسدة لم تسمع صراخى لأن الفساد والجهل والعبودية والذل قد تمكن منها، ألغت عقولها، وأعمت عيونها، وطمثت بصيرتها، وقتلت ضمائرها، صبرت عليهم وكررت النداء ولم يستجيبوا لى ولم يكن أمامى سوى أن أتركهم حتى يضعوا الأغلال حول رقابهم ليقتلوا أنفسهم ويتخلص الضعفاء من أبنائى من ظلمهم وغيهم لأننى واثقة أننى لن أموت. سمع النداء أبنائى الضعفاء المخلصين الذين لم ينسوا تاريخى، وقالوا بعزتك يا أمنا لن نتركهم يعبثون بتاريخك وكبريائك أكثر من هذا، لا وألف لا، سنسومهم سوء العذاب بما قدمت أيديهم، سنزلزل الأرض من تحت أقدامهم، سنصيح فيهم صيحة واحدة تصم آذانهم، وبالفعل كانت صيحتهم عالية سمعها العالم كله شرقا وغربا، الشعب يريد تغيير النظام، انتبه إليهم العالم وأخذ يستمع إليهم ويتعلم منهم ويستلهم من إرادتهم وليس هذا غريبا فعندما يتكلم أبناء مصر فعلى العالم كله أن يسمع وفى خلال ثمانية عشر يوما غيرت إرادة أولادى كل شىء، أزالوا الغبار عنى، أعادوا إلى روحى وعزتى وكرامتى فصالحت إخوتى واسترضيت جذورى لأنهم شعروا بصدقى وامتد أفق الأمل أمامى حتى أن أبنائى يريدون أن يمسكوا النجوم بأيديهم بعد أن عادت إليهم حريتهم وكرامتهم، انطلق أبنائى فى كل اتجاه يصححون كل الأخطاء فى الداخل والخارج، ينشرون الضياء ويجملون كل قبيح ويزينون كل شىء حتى أصبحت مرة ثانية ليس فقط كالعروس يوم زفافها بل كالملكة على كرسى عرشها، كيف لا وقد ألهم أبنائى العالم كله بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء بعد أن بذلوا كل غال ونفيس، آه يا أولادى، لن أنسى دماءكم الذكية التى بذلتموها لكى تعيدوا الروح إلى، لن أنساها وستعيشون يا شهدائى فى قلبى وعقلى وضميرى ستعيشون طالما ظلت هناك عيون ترى وبشر يتنفسون، طالما كانت هناك أقلام تكتب ستعيشون فيما يكتبون طالما بقيت هناك حياة ستحيون، لن نحسبكم أبدا أمواتا بل أحياء ترزقون، وسأعيش بكم يا أبنائى رغم كل شىء وسنعيش معا رغم الداء والأعدء، الداء الذى سببته لى رغما عنى تلك القلة الفاسدة، تركتنى أغرق فى ديون لم أستدنها بل نهبوها ولكنى واثقة أننى سأنهض من جديد بأسرع ما يتوقع هؤلاء البلهاء، سأنهض رغم الداء ورغم الأعداء الذين هرب بغضهم كالفئران وقبع بعضهم خلف القضبان وبقى الكثير منهم طلقاء مازالوا يدبرون الفتن ويعملون فى الظلام لكى يفرقوا بين أبنائى، تارة يحرضون بعضكم على الخروج فى مظاهرات فئوية وهم لا يقصدون مصلحتكم بل يقصدون تعطيل مسيرتى نحو إسعادكم، وتارة ببث الفرقة بينكم يا أبنائى، بين المسلمين منكم والمسيحيين، ألم يعلم هؤلاء البلهاء أنكم كلكم أبنائى وأحضانى الدافئة تتسع إليكم جميعا، أحملكم فوق ترابى وأستظلكم بسمائى، أحميكم جميعا بدفء أحضانى من برد الشتاء وحرارة الصيف، لا يا فلذات أكبادى، لا تنساقوا وراء هؤلاء البلهاء، لأنهم يريدون أن يعطلوا مسيرتى ويؤخروا نهوضى وأنا أريد أن أنهض بسرعة كى أسعدكم جميعا وأرد الدين إليكم دون تفرقة فهل تفرق أم حنون بين أبنائها؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل